نبيل فهد المعجل : بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد أود أن أسرد لكم بعض قصص البلادة التي حدثت لأحد الزملاء حيث كان بينه والبلادة عشق وهيام ويمارسها بكل تفاني. ولا أقصد هنا البلادة العقلية وإنما الفعلية راجيا الله سبحانه وتعالى أن يبعد عن جيل آبنائنا وبناتنا هذا الداء المخيف.

قبل الإستفاضة عن ماضي زميلي البليد يجب التذكير بأن أخوته الثلاثة كانوا من طينة تختلف فإثنان منهم كانا دوما من ضمن الخمسة الأوائل على مستوى المدرسة والآخر كان جيدا جدا مقارنة به على أقل تقدير. ويجب أيضا ان نخلي المسؤولية من أبويه فهما كانا عادلان في المعاملة ولكنهما آمنا رغما عنهما بالمثل القائل quot;أصابعك ما هي سواquot;. هل من الضروري القول بأن نسبة النباهة في منزلهم كانت تزداد عند خروجه وسرعان ما تبدأ بالنزول مرة أخرى عند عودته!!؟

سأذكر بعض الأمثلة على هواية البلادة التي كان يمارسها وهو بالمناسبة يحمد الله كل يوم أنها كانت هواية سابقة لم تدم طويلا.

في إحدى سنوات المرحلة المتوسطة كان من ضمن ثلاثين (30) طالبا في الصف وكان بالطبع أكثرهم كسلا وبالتالي حصل على الترتيب الأخير (30) في إمتحانات الفصل الأول. تكرر هذا الإنجاز البليدي مرة أخرى في إمتحانات الفصل الثاني ولم يتزحزح قيد أنملة عن الترتيب الأخير وعلى قول الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رحمة الله عليه quot;يا جبل ما يهزك ريحquot;.

قبل بداية الفصل الثالث إنضم اليهم طالب جديد وأصبح عدد الطلبة في الفصل 31 طالبا. على ذمة زميلي البليد فهو لم يرى في حياته أغبى من هذا الطالب الجديد!! يكرر عليه المدرسون الكلام ولا يفهم. يملك كمّا هائلا من البلاهة تذكره ببلاهة بعض السياسين العرب. الشئ الوحيد الذي يوحي بأنه إنسان هو لطافته ووداعته وعادة البلداء أن يكونوا لطفاء لا لشئ وانما ليكسبوا عطف زملائهم النابغين وقت الحاجة. لا أريد الإطالة عليك عزيزى القارئ فالنتيجة الطبيعية لغباء وبلادة هذا الطالب الجديد أن يزيح زميلي من ترتيبه المفضل ويحل محله في الترتيب رقم 30.(والنبيه يفهم)!!!

في نفس العام الدراسي كانت النتائج النهائية على مستوى التطلعات والتوقعات اللهم لا إعتراض ولكن ما خفف على والده كثيرا أن مادة اللغة الإنجليزية لم تكن من ضمن دستة المواد التي رسب بها وإلا لكان الحرمان من أداء الدور الثاني ولكن الله سبحانه وتعالى قدر ولطف. طلب والده من الأخ الأكبر أن يستغل سمعته الحسنة والأخذ بيد أخيه الداهية الى المدرسة والتحدث مع بعض المدرسين علهم يخفضون عليه بعض المواد. تصرف حكيم ومنطقي من والد تهمه سمعة العائلة ويريد لها الستر.

عند دخول الأخوين إلى فناء المدرسة شاهدا جميع المدرسين ينظرون اليهما وأصوات قهقهة تصم الآذان. وقبل أن يبدأ الأخ الأكبر بالكلام طلبوا منه باحترام جم أن يذهب الى اللائحة الخاصة بالمحرومين من أداء الدور الثاني فهناك على حد قولهم مفاجأة غير سارة. صعق الاخ الأكبر عندما شاهد إسم أخيه مشطوب بالقلم الأحمر ومحروم من أداء الدور الثاني! لماذا؟ لأن مدرس اللغة الإنجليزية بليد هو الآخر، فقد نسي أن يدرج إسم صاحبنا هذا ضمن اللائحة السابقة. حاول الأخ الأكبر التخفيف على أخيه الذي ضحك مع الضاحكين ولم يكترث للأمر كثيرا(قلت لكم بلادة قلب)

لا بد من الإنصاف والقول بأنه كان يحصل على درجات شبه كاملة في مواد الرياضيات من حساب وجبر وهندسة وهذه المواد بالنسبة له لا علاقة لها بالجد والإجتهاد والعياذ بالله فهي تعتمد وبشكل كبير على الوراثة.

الغريب في الأمر واحتراما لإخوته أن الجميع حاول مساعدته من زملائه الطلبة والمدرسين وحتى بعض الإداريين وذلك إما عن طريق التوسط لدى المدرسين أو في حالات كثيرة عن طريق إستخدام بعض المناورات والتي تسمى حاليا بالغش المقنن ولكن بلا فائدة لأنه في الغش أيضا كانت له حكاية في البلادة. في إحدى المرات طلب احد إداريي المدرسة من أحد مدرسيه quot;الطيبينquot; رفع بعض درجاته قليلا. أخرج المدرس ورقة الإختبار وكانت النتيجة 1 من 50 درجة. علق المدرس قائلا quot;يخرب بيته, لو الواد جايب صفر كان أشرف له, يعني نديلو عذر أنو غايب أو مريض ولم يختبر. بس البني آدم ده اعمل له أيه؟quot;

بعد مرور عدة سنوات عجاف لم يصدق والداه حصوله على الشهادة الثانوية وحتى هو لم يصدق، بلادة وليس فرحا. قام والداه، وبذكاء فطري وقبل أن يبدأ صاحبنا هذا بممارسة هواية البلادة بأمور أكثر خطورة، قاما بإرساله الى أميركا لتكملة دراسته الجامعية فقد سمعوا أنها أرض المعجزات ودعوا الله كثيرا أن يمن على إبنهم بمعجزة الحصول على شهادة جامعية وفي أي تخصص. المهم شهادة جامعية وبس.

وبالفعل إختلفت حياته اثناء دراسته الجامعية في أميركا عن حياته السابقة وبنسبة 180 درجة فقد لبى الله سبحانه وتعالي دعاء والديه وكان كثير الجد مع السماح ببعض اللهو المقنن الذي لا فكاك منه!!! ولكنه ذاق من التعب والمحن الكثير حتى إستطاع أن يعوض وبسرعة معقولة سنين البلادة والبلاهة التي مر بها وهو لهذه اللحظة يذكر أيامه في أميركا، بلاد العم سام سابقا والسامة حالياً، بكل خير فقد كانت سببا رئيسا في إيقاظه من بلادته.

بعد حصوله على الشهادة الجامعية وبتقدير ليس بعيدا عن الدرجة العليا كانت له أمنية الذهاب بشهادته إلى مدرسيه اللذين كانوا يضحكون عليه أيام نكباته الدراسية في المرحلة المتوسطة وحسنا أنه لم يفعل فربما سكتت قلوبهم من هول المفاجأة.

زميلى البليد quot;سابقاquot; لا يخجل من ماضيه المضحك وهو بالمناسبة يسرد هذه القصص ليلا نهارا منها للترفيه ومنها درس للأجيال القادمة بأن المثل المعروف quot;لكل داء دواءquot; له ضريبته الباهضة ولا يحس به إلا من عاش مع الداء وتعب تعبا كثيرا في إيجاد الدواء.

*أستأذن الزميل تركي الدخيل في إستخدام عنوان المقالة من كتابه ذائع الصيت ذكريات سمين سابق

[email protected]