صفحة (السيرة الذاتية) في المدونة: مفاتيح لا تفتح دائمًا!
هديل عبدالرحمن - الرياض: لم تكن ثورة التدوين في العامين الماضيين مقتصرة على الضجيج الذي سببته بعد عدة أحداث، على مستويين: عالمي وعربي، وبعد أن اختارت مجلة التايمز الأميركية المدون كشخصية العام لسنة 2006، بل رافقتها تغير في استخدام الإنترنت، بشكل مختلف تمامًا، عن ما كان عليه حينما كانت معظم منافذ التعابير الإنترنتية عبارة عن منتديات، ومواقع المحادثات والدردشات، وكانت فرص التعبير عن الذات محدودة بما يقدمه العضو في الموقع من مواضيع أو أفكار.
الصفحة الشخصية التي منحها التدوين للمدونين، سهل عليهم التعبير بشكل أوضح عن أنفسهم، وأفسح لهم مساحات رحبة ليصبغون صفحاتهم بما يعبر عن ذواتهم.
تعد صفحة (السيرة الذاتية) الباب الأول لأي قارئ ليتعرف أكثر إلى المدون، وتختلف الطرق التي يعبر فيها المدونون عن أنفسهم، باختلاف شخصياتهم، وتنوع اهتماماتهم.. فبعضهم يكتفي بسطرين يضعهما في القائمة الجانبية عن اسمه ومجال تخصصه، وآخرون تكون صفحة السيرة الذاتية عبارة عن قصة حياته، ويحرص على تحديثها باستمرار.
صفحة تتسع كل شيء
سامي كتب كل ما يمكنه كتابته عن نفسه في الصفحة الخاصة بالسيرة الذاتية، إضافة إلى صورته الشخصية، فتلك الصفحة بالنسبة إليه الدافع الأول الذي جعله يتجه إلى التدوين، إذ أن المساحة التي تمنحه إياها من أجل التعبير عن ذاته كانت مغرية كفاية، وكافية أيضاً لأن يختم صفحة السيرة بأن المعلومات قابلة للتحديث متى ما استجد أمر يدعو إلى ذلك. رولا وجدت في صفحة السيرة الذاتية فرصة لاستعراض كل مفضلاتها من الأفلام، وأنواع الأطعمة، والكتب، وحتى الأصدقاء..
وفي صفحة السيرة الذاتية لسعيد، نجده قد كتب مكان وتاريخ ميلاده، المدن التي زارها، والمدارس التي تلقى تعليمه فيها، وحتى الكلية التي بدأ دراسته الجامعية فيها فبل أن يتركها متجهًا للعمل الحر. بينما تحتوي صفحة محمد على كل الأمنيات والمشاريع التي حققها، والتي لم يحققها، بعد أن ذكر معلوماته الأساسية المتمثلة باسمه وعمره وتخصصه، ومكان إقامته.
مفتاح أول، قبل الدخول
عبد الله يجد في السير الذاتية أهمية توازي أهمية المدونة نفسها، ويوافقه ياسر بقوله: نعم.. أعتقد أنها الأهم، لأن المدونات تأخذ طابع شخصي اجتماعي تفاعلي، وهي ليست مجرد مكائن للأفكار. أما ما يلفت عبد الرحمن إلى السير الذاتية أنها غير قابلة للنقل أو المحاكاة، فتسم كل كاتب بشخصية معينة، دون أن يشترط أن تكون المعلومات المتوافرة ففيها حقيقية، فيكفي بالنسبة إليه أسلوب الكاتب في كتابتها.
المكتوب قبل الكاتب
خولة لا تؤمن بأهمية السيرة الذاتية في كشف جوانب من شخصية المدون، فهي تفضل أن تقرأ ما دوّنه قبل أن تقرأ ما كتبه عن نفسه، وكذلك يوافقها حسام، الذي كما يقول أنه لا يزور صفحة (السيرة الذاتية) إلا حينما يثير الكاتب اهتمامه، ويجبره على معاودة زيارة مدونته. وحينما سألناه إن كان يغير ذلك من رأيك فيه؟ نفى ذلك، مؤكدًا أن الكتّاب الجيدين لا يهتمون كثيرًا بتنميق سيرهم الذاتية، فضلاً عن أن الكثير لا يحسن الحديث عن نفسه، مما يجعلني لا أعتبر تلك الصفحة مؤشراً على جودة المكتوب من عدمه.
فهد في تعليق له على عدم قدرة الكثيرين على الحديث عن أنفسهم، وبالتالي عدم قدرتهم على كتابة سيرة ذاتية تعكس شخصياتهم، يعزو ذلك إلى قلة الصقل والتدريب في مجتمعاتنا العربية التي وسمت الحديث عن النفس بأنه نوع من الادعاء المكروه، ويعلّق: كيف لأشخاص في ظل هذه التربية أن يتحدثون عن أنفسهم بطريقة موزونة, معبرة, صادقة ومنطقية من دون أن يجدوا صعوبة في كتابة سيرهم الذاتية، في مدوناتهم الشخصية؟
كلام عن الذات.. أم سيرة ذاتية؟
يختلف المدونون في طرق كتابتهم لسيرهم الذاتية، ففي حين يميل البعض إلى الكلام المسهب، والحديث عن التفاصيل، والأشياء المفضلة في مختلف المجالات، آخرون يجدون في الكلام الشعري الغامض منفذاً لهم لئلا يكتبوا تفاصيل شخصية، أما فئة ثالثة فتجد في كتابة تلك الصفحة، فرصة لعرض مؤهلاتهم العلمية والعملية، وغالبا ما يكونون مدونين متخصصين.
منصور يعرف عن نفسه في مدونته بـ quot; عندما ولدت، في العام 1982 م، كان الكاتب الكولومبي الأشهر، غابرييل غارسيا ماركيز، يفوز بجائزة نوبل للآداب. عرفت هذا لاحقاً، وتعجبت من صدفة أن تتحقق الشهرة العالمية لكاتبي المفضل في عام مولدي، ثم نسيت الأمر سريعاً.
كانت صدفة عادية على كل حال، أمام الصدفة الحقيقية لمولدي، ففي لحظة، كان من الممكن أن أكون منصور أو خالد أو أحمد أو مايكل أو إدوارد أو أي شيء من القائمة العشوائية التي، لا بد، ولدت في اللحظة ذاتها. لذا أنا غير متأكد من شيء: المرايا، مثلاً، لا تستيطع إثبات كوني منصور استثناءً عن البقية. وأنا لم أكن موجوداً وقتها فأعرف وأقرر.
المهم أنه أنا الآن، شئت أم أبيت: منصور العتيق، مواليد مدينة الرياض عام 1982 م، أوزع يومي بين عملين: كلية طب الأسنان بالرياض، وجريدة الإقتصادية السعودية. لا علاقة للمجالين ببعض، ولا علاقة لي أنا بهما، لكنها صدفة حدثت وانتهى الأمر. بنفس الطريقة التي أعرف
quot;
سيرة المرأة: تفاصيل قليلة.. وذكر العمر محرّم!
نورة تجد أن في سيرتها ما يكفي عن التفاصيل الكثيرة، فقد ذكرت مؤهلاتها، والجهات التي عملت معها، وقليل من الأمور العامة في حياتها، تعزو ذلك إلى الخوف، رغم أن اسمها الصريح معروف كمدونة. أمينة تعترف بأنها كتبت فيما مضى تفاصيل في المنتدى الذي كانت تنتسب إليه؛ جعلتها تندم لاحقاً على كشفها، فكانت صفحة السيرة الذاتية في المدونة عبارة عن سطر واحد، تذكر فيه بأن الكلام عن الذات مكلف!
هيفاء لديها مدونة، وقد افتتحتها منذ زمن طويل، وما زالت صفحة السيرة الذاتية موسومة بـ(تحت الإنشاء)!
الغموض هدف التدوين
مصطفى، يعتقد أنه من الصعب كتابة سيرة ذاتية في المدونة، فهي ستحرم صاحبها من الصراحة في كتابة رأيه، وتجعله يحجم عن ذكر العديد من الأمور والمواقف، وربما سيتم الخلط بين شخصية المدون، والنصوص التي يكتبها إن كان مدوناً أدبياً..
بندر يوافقه في مسألة غموض المدون، وإن كان يرى أن الغرض مختلف، فالمسألة بالنسبة له تختلف باختلاف البلد والمدون؛ ففي بلدان قمعية ومدونون سياسيين يغدو الكشف عن الهوية ضربًا من النضال المكلف.
أما حسن، فيرى أن الغموض هو سمة التدوين وإن كان بلا سبب، أو مغزى للغموض، لذا فصفحة السيرة الذاتية هي مجرد غطاء يختفي خلفه المدون، فيكتب معلومات غير حقيقة، أو تنقصها الدقة ليبعد الآخرين عن تتبع شخصيته الحقيقية.
وعلى الرغم من كل تلك الآراء المتضاربة حيال صفحة (السيرة الذاتية)، فإنها تظل الصفحة الثابتة في القوائم الجانبية للمدونين، ولا تخلو واحدة منها، مهما بلغت ضآلة تفاصيله