شعرية ناعمة بين ضفتي الصوفي والرومانسي

بيروت (رويترز) - مجموعة الشاعر السعودي احمد الملا "سهم يهمس باسمي" تتسم بشعرية هادئة ناعمة تجعل المشاعر وعوالم من الاسى تسبح في بحر ذي ضفتين صوفية ورومانسية. وهو في ذلك بعيد عن العادي واليومي إذ أنه يأخذ بضاعة العالم اليومي الحسي ويحولها في نسيجه الشعري إلى فيض رمزي ينطلق من تجربة فردية مفترضة أو متصورة ليجعلها تبدو حالة عامة أو وضعا بشريا كما يقال بكل أحزانه ولوعاته الهادئة الشديدة النفاذ كهمس السهم في عنوان المجموعة.
قصائد المجموعة عامة جديرة بان تخلق في القارىء شعورا ليس شائعا جدا في كثير من النتاج الشعري السائد .. إنه شعور بأن القصائد هي التي تحمل القارىء فلا يشعر خلال القراءة إنه يحملها أو فلنقل "يحتملها". ان فيها كثيرا من الشعر المصفّى البعيد عن الجلبة ورفع الصوت. هي في النهاية "همس" فيه كثير من سمات ذلك الشعر الذي أطلق عليه الناقد الراحل محمد مندور الشعر المهموس ..ذلك الاسم المعبر. المجموعة الشعرية وهي ثالثة مجموعاته جاءت في 149 صفحة متوسطة القطع اشتملت على 29 قصيدة. وصدرت المجموعة عن دار "الكوكب" وتتولى توزيعها دار رياض الريس للكتب والنشر.
وللطيور بكل رمزيتها نصيب لا بأس به من شعر احمد الملا. قصيدته الاولى حملت كثيرا من المصاحبات القديمة لفكرة الطير عند المتصوفة واضافت إلى "رموزهم" مسحة فنية جمالية هي من سمات الشعر الرمزي الحديث. القصيدة الاولى قد تكون إلى حد بعيد تحمل السمت العام لقصائد الشاعر نهجا وأفكارا مغلفة بحرارة تجربة شعرية هضمت "الفكري" الذي تنطوي عليه فلم يعقها بل جعلته يجري سيالا مؤثرا.
حملت القصيدة عنوانا "مركبا" يقوم على الاجواء السالفة الذكر وعلى نسيج من عالمي الموت والحياة ..الرحيل والبقاء ومايبدو كأنه أشكال من العودة أو توهمها.. وتقوم كذلك علىعشق كأنه عشق الهي أو" هو هو" كما قيل في مجال آخر قديما. عنوان القصيدة "حمامة اغتسلت بمطر عال" يقول الشاعر فيها سائلا مجيبا "كيف ضاع ../ في اي منعطف .. ( لو اتذكر) اعود بمدية مصقولة في الالم/ اين اقطع .. غائمة ايامي والصخر نافر وجارح../ الكتاب ضيعني ../افلت من يدي في العبث ولم الحظ../ غادرته../ مضيت كأن لم يكن لي../ابتغي ان احلم/
" لنرقص مبللين بالبحر/ يغمز البريد شباك احدنا / فيطير حمامه عائدا بالرسائل../ بهدايا صغيرة لفها باللهفة." وينتقل إلى القول "أين ذهبت .. اين ذهبت بي ../ مرة خرجت عاريا إلا منك../ وكان لي الجسد والروح اليقين والغيم الخفة والشغف/.../ أين ذهبت .. ليس بمتسع لاحد..وانت هناك/ تلك احلامي أيضا/ علني أصادفها مرة اخرى (ونتعرف على ما تبقى مني.) محوت كثيرا واسرفت../ اغراني ايمان انك عصية على الزوال (وانك هنا وليس هناك..) لم أر حين نظرت بل انت من راى../كنت مراة وصفحة ماء (كنت ملاكي والروح النائمة بين عينيّ) كنت لي دائما (غدا..) اينك ../ قد طلع الصباح."
وتمضي القصيدة الطويلة لتنتهي في جو من ذلك العشق المصفى الذي يبدو من ناحية تخمرا لتجارب شعرية وانسانية استمرت نابضة منذ طفولة الذاكرة الانسانية وهنا تحضر بعض الاسماء بتباين في مدى وقعها..من نشيد اناشيد سليمان قديما وصولا إلىاسماء قد يكون منها الشاعر اللبناني انسي الحاج ..وبينهما الشاعر الرائع بالمحكية اللبنانية ..ميشيل طراد. يضيف في موسيقى داخلية مؤثرة فان "خرجت" فخروجها لا يضج بل يبقى هامسا.. "لا تخافي..انت هناك وانا ايضا/ ساحمي نافذتك مساء اسرد الحكايا وارعاها../ اسدل الستائر لئلا يربك جبينك هاجس او شعاع/ اغطيك من البرد واهبط حين يهفو بك العطش/ اتأمل حين يطير نومك ويفلت من قبضتي/... أسهر في الحديقة لئلا يحرك الهواء غصنا فتجفلين (يصحو الفل والياسمين في كفيك) لا تخافي ابدا لست هنا/ ساحميك مماتخافين. وفي قصيدة أخرى بعنوان "الطير " يقول " اغوته نافذتها/ فهب جناحاه/شقا الهواء (ولم يدر) ريش يتهاوى (دم يخط) شظايا تطيش ( وتلمع) الطير لم يدر (انها لم تفتح الزجاج."
في قصيدة "لو تدخلين " يقول "شمسها التي بطشت / بمنابت شغفه/ شمسهاالتي على مهل (تصلي قلبه) وتفريه (في وهجها يصفن) تخر يداه في الذهول/ حاسر الرأس من الشكوى../ الله لو تدخلين."
وفي قصيدة عنوانها "دهنت بابك بالورد" يقول " كتمتها (في عثرة الاحجار) وطهرتني (هامت بي) بين يقظة شرسة/ وغفوة تناثر ريشها./ غمست اناملي في الطيف (شفني الوجد) ونهر مال على سريري/ اولمت لروحي في العشية/نارا ومهرجان (فترنحت وحدي) اثملني دخان الكي/ وزعفران الحديد."
في قصيدة "الاذى " يقول " الالم حين يغفو ويألفك../ حين تعبر اليد في الظلام (وتتناوله بمعرفة..) الالم حين يشتد بالضلوع (وتنقلب الىجنب يجلب النعاس..) الالم شمعة (ظلال زائفة ومشوشة) لن تدوم بقدر شهقة النافذة (وانصفاق الباب..." وفي "خاتمة" يقول الملا "الناحل لم يلمح اين ذهب) اين سال قطرة قطرة/ كيف جف (وامحت خطاه) كيف خف غصنه/ وانفتل ريشه في المهب../المأخوذ لم يلمح ما اخذ منه/ و لا ماتبقى.