شعر دفء واسئلة وغربة وتنوع ضمن وحدة
من جورج جحا بيروت (رويترز) - في مجموعة quot;الطريق الى اثمليكش وقصائد اخرىquot; للشاعر الجزائري البربري ازراج عمر دفء شعري واسئلة قلقة مقلقة وغربة لا تفارق معظم قصائده. ويميز شعر ازراج المقيم في لندن نهج يقوم على تعدد اسلوبي ضمن ما يفترض ان يشكل وحدة فنية اي القصيدة. فضمن القصيدة الواحدة نواجه تعددا في الاساليب وان يكن نمط تعدد الاوزان والقوافي هو السمة الغالبة. يتكرر في القصيدة الواحدة انتقال الشاعر من نمط تعبيري الى اخر. يسير القاريء معه في قصيدة متعددة الاوزن والقوافي فينقله بشكل مفاجىء الى اجواء قصيدة النثر. وعلى رغم ما يذكر احيانا بشعراء اخرين وهو امر من طبيعة التراكم والتواصل الثقافيين فان رؤى الشاعر وتصوراته تعود اليه والى قامته الشعرية وان ارتدت احيانا بعض ما يدخل في زي معين او يذكر بقامة اخرى.
جاءت مجموعة ازراج عمر في 103 صفحات متوسطة القطع ضمت 34 قصيدة وصدرت عن دار quot;بيسانquot; للنشر في بيروت. درس في بريطانيا حيث يعمل على رسالة الدكتوراه. وقد صدرت له سابقا ثلاث مجموعات شعرية وثلاثة كتب في الثقافة والادب وهو يعمل في الصحافة في بريطانيا.
هناك ما يلفت النظر بل ما يثير شيئا من الاستغراب عنده.. وهو مثلا انه ومن خلال مسيرة قصيدة ما لهذا الشاعر البعيد الاغوار القادر على صوغ الموحي الذي تحتشد فيه وان بهدوء نتج عن ترويض للذات.. تيارات من الافكار ومشاعر الحنين والحزن وصور الزمن الذي يتغير ويغيّر -وكل هذا الذي يدل على تأصل التجارب وعلى ثقافة ادبية وفكرية- يطالعنا بعض quot;نشازquot; لا ينسجم مع القدرة الواضحة. يتمثل هذا احيانا في خروج على ما يفترض من متطلبات الايقاع التي لا يمكن ان تبرر بسعي الى تجديد.
في القصيدة الاولى التي حملت عنوان quot;هايستينجزquot; يعتمد الشاعر نمطا اصبح مالوفا الان هو تعدد غير quot;مقولبquot; في الاوزان والقوافي كل سطرين او اكثر. هو نمط لا quot;يستعبدquot; مشاعره او يفرض عليه التزاما اجباريا بتكرار لا يريده بل يترك له حرية الانتقال الى وزن وقافية مختلفين كليا في السطرين الاخيرين. يقول quot;ما الذي جرني فجأة نحو هذا المكان/ ما الذي جعل القلب سحابا وبيتي خلاء../ في الظلام تسللت خلف الزمان. استدار اليّ يسوق الالم/ فالتجأت الى ثوب الوليّquot;.
يتابع قوله مستحضرا من عالم ولّى صورا حبيبة ورموزا مشبعة بالمعاني والذكريات:
quot;وفي غفلة المجرات راح جبيني يقاسم سرب الطيور
سماء الحنين الى وجه والدتي وهو يسأل عني المزار وملح العشاءquot;.
الا انه حين يتابع قوله مكملا السطر التالي بقافية تنسجم مع quot;العشاءquot; نجد انفسنا امام نشاز او خلل موسيقي على الاقل.. ليس له ما يبرره الا ان يكون نتيجة خطأ طباعي متكرر. يقول:
quot;من ذا الذي ذبّح يوسف في العيد وعلولة في وقت الغداء..
ولماذا في الريح تناثر حزن الاهله
وصدى الاصدقاء
ولماذا لم يبق لي سوى سرج حصاني يسلّني ضباب المساء
وقربة جدي يهبّ عليها البكاءquot;.
ويستمر الامر بصورة مشابهة فيقول بما يشبه حنين محمود درويش الى عالمه الافل -وبصور وايحاء وانسياب موسيقى- الا انه لا يلبث ان يجعل البيت الاخير quot;مكبحاquot; قاسيا لكل ذلك وقد يكون تعمد هذا الامر ليشكل نهاية ساحقة.
quot;جبيني كتاب وقلبي رسول
وخصلة سارا بكاء الحقول
رأيت بقلبي ..
وفي ساحة الغرباء تعلمت
لمس تجاعيد يومي وغيمي
وكيف اراقص حدس الجرار/
وفي العتبات سحر النساء
وجاءت جبال الطفولة سهوا
وفي كفها الخيل تهمي خببا وشرر.quot;
ومثل ذلك يأتي في مكان اخر من القصيدة اذ يقول:
quot;ورحنا معا نرتدي الماء حينا وحينا ظلالا/
وامالت الينا التماثيل غيما وتاهت في كهوف المدى
ولما غزانا جراد الشيب نمنا في عراء الصدىquot;.
في ختام قصيدة quot;التاريخquot; المهداة الى سوزان شوسكي يقول بصور جميلة موحية تعبق بالاسى والحنين:
quot;ايتها المراة التي اعادت الطير الى رذاذ غنائه
لتنساك غربتي ولتتهجاك احلامي
تقول لي السواحل.. لا وقت خارج الفكرة
ولا مكان يؤوي جنوب قلبي
سوى هديل الحمام
ها انا امضي الى بلاد الغمام
ناسجا كوكبا من غناء
في البراري نحت يماما يقول لريح الجبال..
اجمل الرجال امراةquot;.
في quot;الزبدquot; يبدأ على نمط تي. اس. اليوت في قوله انه يقيس ايامه بملاعق القهوة فيورد ابياتا تفيض بالغربة والوحدة والوحشة وخيبات الامل ولا تعويض الا بالكلمة. quot;صرت تقيس ايامك بظل المطارات/ هل انت مشغول بترويض خيل العزلة/ عد الى الى الكلمات. لا ملك خارج الحرف/ منحنية هي الطريق. المصباح يتضاءل/ الريح تمطر في قلبك/ الارض تتشقق في صوتك وتهوي كالجثة/ هل ادركت اخيرا ان كل بلاد الارض قبض الرياح..quot;
في قصيدة quot;المطهرquot; صورة مميزة في شمولية ورومانسية تصور العالم ضمن وحدة هي الحزن:
quot;المساء يتدلى رويدا.. رويدا
مناقير الطير تدخل في السخام
المساء يفرك الفضاء
اهدئي.. اهدئي.. الموجة
تمتحن الروح والاجراس
مطفاة والطبيعة لاجئة في القفصquot;.
قصيدة quot;مكافاةquot; القصيرة هي خلاصة للتشاؤم والاسى. يقول:
quot;للمغنين الحفاة ادنيت مزماري/ فاتاني الجفاف
الى قلبي تذهب الريح وتعوي
تحت خيوطي ينيخ البرد
وفي المساء ينوح الغراب حول غنائيquot;.
اما قصيدة quot;رماد السماءquot; ففيها بالاضافة الى الخيبات العديدة واحدة قد تكون جذعا نمت عليه افنان من الالام الكثيرة. يقول:
quot;فتحنا اصابعنا في الفضاء
ومنها هوى وطن كان يوهمنا
برحيل الشتاء
وبالصيف يقرع اجراسه مثل لسع الغناء
فتحنا هوانا بكل جوارحه في الفضاء
فجرّ خلال الشوارع برد الزمان
ظلال الخيول
وبقّعها برماد المساء
فتحنا انوثة مهوى القبل
وقرط الحديقة كي نستظل به
لنأوي الى صدى خطوها/ فهبت الصحراء
واشعلت الشيب في حقول الزيتون
فتحنا نوافذها خلسة كي نراها
ونبصر فينا المروج
ولكنهم اطفأوا الشرفات
ومنها هوى وطن كان يوهمنا
بهلال القوافل يعدو شتاء وصيفا الى حلمناquot;.
قصيدة quot;العزلةquot; تجسيد مؤثر للخيبة والاسى الوطنيين. تذكرنا بدايتها واشاراته الى عقبة بن نافع وسيفه.. بالجلاد في مسرحية شهر زاد لتوفيق الحكيم وقد باع سيفه لصاحب الحانة ليشرب بثمنه. يقول ازراج:
quot;انا البربري الاشدّ عزلة من الصحراء
في حضرة من لا اهوى
ومن لا اهوى هو المنفى
انا ابن الملوك وبرق الزيتون
وصيحات الاوراس وهو يلبس
البرزخ قفطانا
ها انا ارى quot;عقبةquot; يبيع سيفه في الحانات
في اخر الليل يبكي الغمد
على النصل الذي يراق على جوانبه الفقرquot;.
التعليقات