القاهرة (رويترز) - يرى كاتب مصري أن عصر محمد علي الملقب بباني مصر الحديثة في مطلع القرن التاسع عشر لايزال بحاجة الى مزيد من الدراسات لمعرفة أسباب انهيار تلك الانجازات التي قال انها افتقدت الروح الانسانية. وقال محمد صابر عرب رئيس دار الكتب والوثائق القومية بمصر في مقدمة كتاب ألفه الامير عمر طوسون (1872 - 1944) قبل نحو سبعين عاما ان محمد علي كان quot;بمثابة القاطرة الحقيقيةquot; التي أحدثت نقلة هائلة في التاريخ المصري الحديث رغم ما صاحبها من قسوة غير مبررة.
وأضاف أن علي لفت أنظار العالم بطموحه الذي اتسم بكثير من الذكاء والقسوة حينما ساق المصريين الى مشروعاته الكبيرة في الجيش وبناء الجسور مشيرا الى أن التاريخ والمؤرخين همشوا هؤلاء الذين quot;كانوا بمثابة الوقود الحقيقي لهذا البناء الكبير.quot; ويحمل الكتاب عنوان (صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي.. الجيش المصري البري والبحري) ومؤلفه هو عمر ابن الامير طوسون ابن الوالي سعيد باشا (1854 - 1863) ابن محمد علي.
والكتاب الذي صدر قبيل افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي بدأت دورته الثامنة والثلاثون يوم الثلاثاء يقع في 322 صفحة كبيرة القطع وتأتي طبعته الجديدة متزامنة مع احتفالات مصر بما يعتبره مؤرخون بدء صعودها كدولة حديثة في بداية القرن التاسع عشر. واحتفلت مصر نهاية العام الماضي بذكرى مرور مئتي عام على تولي محمد علي الحكم عام 1805 حيث أقيم مؤتمران موسعان بالقاهرة والاسكندرية بمشاركة نحو مئة باحث ومؤرخ عربي وأجنبي.
ويضم الكتاب التكوين الاول للجيش النظامي المصري في عهد محمد علي ومؤسسه الكولونيل سيف الذي عرف بسليمان باشا الفرنساوي (1788 - 1860) والبحرية المصرية التي قال المؤلف انها quot;بعد أن كانت تعد في عهد محمد علي في الدرجة الثانية من بحريات الامم اعتراها الشلل في عهد خلفائه.quot; وقال عرب ان عصر محمد علي ينتظر باحثين دؤوبين لاعادة الاعتبار للمواطن المصري الذي قال ان المؤرخين تجاهلوه سواء الذين انبهروا بمشروعات محمد علي والذين أخذوا موقفا من التجربة.
وأضاف أن دار الوثائق المصرية بها quot;ملايين الوثائق التي سجلت ملامح التجربة لحظة بلحظة في الاقتصاد والجيش والمحليات والتعليم... بل لا يوجد فترة في التاريخ المصري أكثر غنى بوثائقها من هذه الفترة التي وضع قواعد تنظيمها محمد علي نفسه حينما أنشأ الدفترخانة (دار الكتب) المصرية 1828 ووضع لها من القواعد القانونية والتشريعية ما حفظ لمصر وثائقها بشكل غاية في الدقة.quot;
وفي رأيه أن أكثر من قرن ونصف على نهاية تجربة محمد علي الذي توفي عام 1849 فترة مناسبة لاعادة دراستها وفتح ملفاتها الوثائقية quot;فعلى الرغم من كثرة ما كتب عن عصر محمد علي الا أن غالبيته قد تناول التجربة في محاولة للنيل منها مع سبق الاصرار وقد انعكست السياسة على دراسة التجربة بشكل واضح بينما تناولها البعض الاخر تهويلا ومدحا.quot;
ونوه الى أن تلك التجربة التي أثمرت مشروعات وصفها بالعملاقة quot;افتقدت منذ بدايتها الروح الانسانية الواجبة. كما لم يشعر المصريون وهم ينخرطون في الجيش أو وهم يقيمون الجسور ويحفرون الترع أنهم يبنون مستقبلهم ومستقبل أبنائهم بل شعروا وكأنهم جميعا بمثابة خدم لهذا الباشا القابض على كل مقاليد الامور بقبضة حديدية صارمة.quot;
ووافق الوالي الالباني الذي كان قد حضر الى مصر على رأس قوة عثمانية بهدف المساعدة على اخراج الحملة الفرنسية (1798 - 1801) على تجنيد المصريين في مطلع عشرينيات القرن التاسع عشر اطمئنانا الى أنهم لن يثوروا عليه. ولم يكن مسموحا لمصري بالترقية الى أكثر من رتبة يوزباشي (نقيب).
وشارك الجنود المصريون في بداية الثلاثينيات ضمن حملة ابراهيم باشا بن محمد علي الى الشام والتي هددت عاصمة الخلافة في تركيا بعد أن كان المصريون يقومون بخدمات مساعدة للجيش في حملات سابقة منها حملة طوسون بن محمد علي الى الجزيرة العربية عام 1811 وحملة ابراهيم باشا التي قضت عام 1818 على الدولة السعودية الاولى (1774 - 1818).
وقال عرب ان القراءة الموضوعية لواقع جيش محمد علي quot;تعد دليلا قاطعا على ما صاحب هذا البناء من تجاوزات أفقدته روحه الانسانية وهو ما يفسر انهيار هذه القلاع الهائلة بمجرد أن فقد منشئها قدرته على الحكم... فقد ارتبط كل شيء بمحمد علي اقتصادا وجيشا وتعليما.quot; وأشار الى أن مشروعا واحدا هو ترعة المحمودية quot;مات فيه أكثر من اثني عشر ألف مصري في أقل من عشرة أشهر ودفنوا جميعا حيث كانوا يضربون الارض بفؤوسهم.quot; لكن باحثين اخرين يرون أن هذا الرقم هو الرسمي في حين يزيد عدد الذين ماتوا أثناء حفر هذه الترعة على 30 ألفا. وتمتد الترعة من نهر النيل شمالي القاهرة الى الاسكندرية على ساحل البحر المتوسط.