سلوى اللوباني من عمان: عبر المؤلف quot;حسين أحمد أمينquot; تعبيراً دقيقاً عن حال العرب في كتابه الجديد quot;لغة العرب وأثرها في تكييف العقلية العربيةquot; صادر عن دار العين، يضم الكتاب 23 دراسة شائقة في اللغة والتراث والادب والتاريخ والدين، يصل مؤلفها في أكثرها الى نتائج لم يسبق اليها على حد تعبير الناشر... من بينها تحديد المسئولية عن تباطؤ تطور اللغة العربية بعد قرون أثبتت هذه اللغة خلالها مرونة مذهلة، وقدرة على أن تكون أداة لكل ما نقل اليها من علوم الفرس والهند واليونان وغيرهم، ومن هذه النتائج أيضاً سر لجوء بعض المؤلفين والشعراء العرب الى نسبة كتبهم وقصائدهم الى مؤلفين وشعراء آخرين، وتفسير لظاهرة تناول كتب ككتاب الف ليلة بل ومسرحيات شكسبير بالحذف والتغيير، إضافة الى سر الاستخفاف الشديد الذي أبداه ويبديه المؤرخون العرب بالملكة العربية quot;زنوبياquot; في حين يبدي اعداؤها من الفرنجة الذين حاربتهم وجاهدتهم لسنوات عديدة نحوها إجلالاً وتوقيراً عميقين، كما طرح المؤلف العديد من الاسئلة منها فكرة الحوار بين الاديان وهل هي ممكنة ومفيدة؟ وما السبب في أن موقف الجماهير العريضة من المصلحين الدينيين المعتدلين هو في الغالب موقف عدائي؟ وأيضا التكوين النفسي للمتدينين المتشددين وتأثير نشأتهم الاولى في تكييف موقفهم من الحياة؟ التراث ماذا نقبل وماذا نرفض منه؟ وشعار الوحدة العربية هل لا يزال صالحاً للتطبيق؟ وما هي اكثر الطوائف ميلا الى الالحاد؟ وغيرها الكثير من الموضوعات والاسئلة.

غلاف الكتاب
العروبة أعيت من يداويها
حلل المؤلف الكثير من المشاهد العربية والانظمة السياسية السائدة تحت عنوان quot;العروبة أعيت من يداويهاquot; هادفاً الى معرفة سر افتقارنا الى الاكتراث بما هو شائع بيننا، وهل أصابنا إنهاك مبكر؟ هل تاريخنا يتحلل تدريجيا؟ هل تهدمت أخلاقياتنا من أساسها؟ أم إننا كنا دائماً مفتقرين الى تلك الاخلاقيات؟ يقول... من السهل على الانظمة الحاكمة العربية أن تصف مواقفها دائماً بالهدوء والواقعية والعقلانية، وأن تصف موقف جماهيرها بالعفوية والسطحية والانفعالية، وأن تصف القيادة الرسمية بانتهاج سبيل الحكمة أما القيادات الشعبية بالمكر والمزايدة، وأن تنفي إذعانها لضغط امريكي أو رغبتها في أن تطيل أمد احتفاظها بكرسي الحكم، ويتساءل كيف للانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية العربية الراهنة أن تحقق بمثل هذا اليسر مثل هذا النجاح الباهر في إفساد الذمم وتسهيل بيع الاعراض الفكرية والروحية والجسدية واسدال الستار الاسود الكثيف على حد تعبيره على ما كان أجدادنا واباؤنا يسمونه ضميراً أو وعياً أو كرامة أو كبرياء؟ كما يستغرب بتتابع الايام علينا حسبنا أننا بلغنا الحضيض الذي لا حضيض تحته ولكن تبين أن ثمة دركاً أسفل. فمن كان يظن أن أرواحنا التي عانت كل ما عانت لا يزال فيها ما يمكن هدمه؟

ما من أحد منا كان بامكانه أن يبقى على ما كان عليه بعد كل ما حدث في نكسة 0196، واتفاقيات كامب ديفيد وحربي الخليج ومذابح الجزائر والفلسطينيين وشيوع الفساد والاستغلال...يقول كان على العربي منا أن يؤجل التطلع الى تحقيق أحلامه وأن يتحول الى الدروشة وانتظار الوقت الذي ينعم فيه بصحبة الحور العين في الجنة أو أن يتخلى عن شجاعة آخر أوهامه دون أن يدري أيهما أفضل؟ سعادة الغيبيات أم شقاء المعرفة؟ وأيضاً وصف حال بعض المثقفين العرب قائلاً... كلهم قد استقر لديهم الايمان بأن هناك إرادة عليا قاهرة تنوي فرض أمر أو أمور على منطقتنا. وأنهم لا يملكون إلا تخمين كنه هذه الارادة، وتشمم اتجاهاتها عن طريق التقاط هذا الخيط او ذاك، وتجميع القطع الصغيرة المتناثرة في شكل صورة مفهومة. فيقول إما أن يقفوا في وجه هذه الارادة إن اختلفوا معها أو أن يفرضوا إرادتهم هم. والاوضاع المثلى في رأيهم هم quot;فأمر لعمرك ما اليه سبيلquot;!!

تنصل من الماضي
ويكمل المؤلف واصفاً حالنا...أتدرون كم مرة قلبنا معاطفنا وتنصلنا من ماضينا وأعدنا تكييف أحلامنا وغيرنا من وقائع التاريخ خلال نصف القرن الماضي؟؟؟ إن قلت 100 مرة كنت متواضعاً في تقديري! هاجمنا الديمقراطية ثم امتدحناها..وساندنا الحكم المطلق ثم هاجمناه.. وأيدنا نظام الحزب الواحد ثم عارضناه..واستنكرنا مبدأ الصلح مع إسرائيل ثم باركناه ودعونا الى مقاومة النفوذ الامريكي ثم بينا حكمة الاستسلام له..وصفنا صندوق النقد الدولي بصندوق النكد الدولي ثم قبلنا شروطه صاغرين... وهللنا لمباهج الاشتراكية ثم لمباهج الرأسمالية وسياسة الانفتاح الاقتصادي.. وباركنا السير في ركاب الشرق.. ثم السير في ركاب الغرب وقلنا بالانتماء الاسلامي أو العربي أو الافريقي.. ثم تحولنا الى التركيز على قومية ضيقة..ولهجنا بالثناء على نظام النميري في السودان ثم تراجعنا عنه.. ولعنا القذافي ثم هادناه..وهاجمنا حافظ الاسد ثم صالحناه.. وتغنينا بمحاسن صدام حسين ثم حاربناه..وسببنا أنظمة دول خليجية ثم تلقينا المساعدات المالية منها فمدحناها... وساندنا عبد الناصر ثم سردنا عيوبه واخفينا مزاياه... واقبلنا بمجد انور السادات ثم قتلناه... وسنظل هكذا أبداً الى ما شاء الله. وحتى تاريخنا وصحفنا ومجلاتنا تنشر ما تمليه عليها السلطات، فهي تكذب لخدمة مصالحها واغراضها، ومع كل فترة يحدث تغير في المواقف والمناهج والمعلومات والتقييم وكل طبعة تصحح أخطاء ومعلومات سابقتها... وتجعل من الابطال أنذالاً... ومن الانذال أبطالاً. يقول ما من نظام يسقط أو حاكم يموت أو وزارة تقال إلا اعتقد الشعب أن تغييراً مهما بات على وشك الحدوث، وأن الامور قد تنصلح والدنيا قد تمتلئ عدلاً ونوراً... ويتولى الحاكم الجديد مقاليد السلطة فلا الظلمة تنكشف ولا الظلم يزول..ويتأجل الحلم والامل حتى يجئ من يليه وكل حاكم جديد تتطلع الابصار اليه وينتظر الكل ما سيصدره هذا الساحر من قبعته وبحركة من عصاه والله يعلم أن القبعة كثيراً ما تكون خاوية.. وأن العصا قد يكون التقطها من صندوق قمامة بالطريق!!!

ويصل المؤلف في النهاية الى نتيجة بأنه من المحتم أن يفهم العرب وأن يعجبوا كيف عاشوا طويلاً هكذا في ظلام لا يرون فيه بصيصاً من نور... وكيف وصل بهم الحال الى قبول مذلة ومهانة لا حدود لها... ومن المحتم أن يتبينوا أن الخيار أمامهم بات بين واحد من ثلاثة:
بهيمية مطلقة في كل مناحي العيش، أو الاخذ بنصيحة فولتير في ختام روايته quot;كانديدquot; فيحصر كل منا اهتمامه في تعهد حديقته الخاصة، أو القيام بجهد جماعي انتحاري كجهد quot;المكابيينquot; الذين اختاروا في القرنين الثاني والاول قبل الميلاد أن يقاوموا حتى الموت التهديد الحضاري الهيليني لتراثهم وتقاليدهم في فلسطين.
كان جهدهم جهداً إنتحارياً لم يحقق طائلاً..غير أنه جهد لا يزال التاريخ يذكره في إجلال....