سلوى اللوباني من القاهرة: تحرص بعض الشخصيات العربية على تسجيل مذكراتهم أو شهاداتهم السياسية والتاريخية بعد توليهم منصباً هاماً وإصدارها بكتاب بعد سنوات طويلة... واعتبارها شهادة تاريخية على حقبة زمنية معينة ضمن الاحداث المحلية والاقليمية والدولية. ولكن ما مدى أهمية هذه الشهادة حين يتم نشرها بعد عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين؟ هل تعد شجاعة؟ وطنية؟ إستغلال؟ مجرد ظهور؟ أم ماذا؟ فكثير من هذه المعلومات والاسرار السياسية والتاريخية قد تفقد أهميتها بعد مرور سنوات طويلة إضافة الى رحيل بعض من واكبوا هذه الاحداث أو كانوا في قلب الحدث..
وتم استطلاع آراء بعض المثقفين العرب حول أهمية كتابة المذكرات السياسية والتاريخية.. وإذا كان الكشف عن الاسرار السياسية والتاريخية يجب أن يحدد بمدة معينة حتى يؤثر بسير الاحداث؟ وما أهمية معرفة مثل هذه الاسرار والمعلومات التي تلقي ظلالاً على أحداث مضت منذ فترة طويلة ومن يستطيع أن يحدد دقة تقديم هذه الحقائق؟

د. أحمد ابراهيم الفقية- ليبيا
كتابة المذكرات تقليد عريق في دول العالم المتقدم، بل هي مصدر تفاخر وتنافس بالنسبة للعائلات ذات العراقة وصاحبة التاريخ في الحكم والمسئولية. ولاشك أن هذه المذكرات هي مصدر من مصادر التاريخ. إذ لا يمكن مثلاً أن يكتب مؤرخ التاريخ الامريكي دون الرجوع الى مذكرات الرؤساء بدءاً من جورج واشنطون الى آخرهم من أمثال نيكسون وكلينتون. ولا يمكن كتابة تاريخ الحرب العالمية الثانية دون قراءة مذكرات قادتها من مونتجمري الى أيزنهاور وديجول وغيرهم من آلاف الضباط، بل وأحياناً الجنود ممن كتبوا يومياتهم ومذكراتهم، وهو نوع من الكتابة لم يكن شائعاً في أدبياتنا العربية رغم شيوعه عالمياً، إلا في العقود الاخيرة حيث بدأت تتوالى كتابة هذه المذكرات. وربما تشكل كتب الزعيم الفلسطيني الراحل quot;أحمد الشقيريquot; منعطفاً أساسياً فيما كان يسجله من وقائع وأحداث عاشها وصار بعد ذلك الاهتمام أوسع من قبل السياسين، حيث كان الحافز لدى بعضهم أن يسجل تصحيحاً لما ورد في مذكرات سياسي آخر منافس له. لا أرى أي ضير أو ضرر من كتابة مثل هذه المذكرات. بل العكس هو الصحيح لانه من خلال مقارنتها وغربلتها يكتب المؤرخون التاريخ الصحيح فمرحباً بهذه المذكرات متى جاءت وأينما جاءت ومهما تأخرت فإن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي أبداً.

الكاتب الصحفي هاني نقشبندي- السعودية
عندما إستلمت طلب المشاركة في الرأي حول كتابة المذكرات، كنت قد فرغت من قراءة خبر عن إعتزام محمد سعيد الصحاف، وزير الاعلام العراقي السابق، كتابة مذكراته، خصوصاً عن الأيام التي سبقت سقوط بغداد. قرأت أيضاً ردود فعل القراء على هذه المذكرات. وجدت من خلال قرائتي إن مفهوم المذكرات الشخصية في العالم العربي يختلف عنه بالنسبة لبقية دول العالم. عندما كنت أعيش في لندن، تعلمت أن قراءة مذكرات بعض الشخصيات الهامة في التاريخ هدفها ليس كشف أسرار لم تعلن من قبل، بل شرح أسباب إتخاذ مواقف معينة في أوقات معينة، والخلفيات التي واكبت هذا القرار أو ذاك. أي إن الهدف هو استخلاص العبر من قراءة المذكرات تحاشياً لارتكاب أخطاء مماثلة في المستقبل. أما المذكرات في العالم العربي فهي ترتبط دوماً بمسألة كشف الاسرار، إنطلاقاً من واقع أن هناك مؤامرة ما، وعملاء وخونة، الخ.. بمعنى أن نظرية المؤامرة ونظرية كشف الاسرار، هما المغذيان لمفهوم المذكرات في العالم العربي. إذاً هل هي مهمة أم لا؟ أقول نعم إنطلاقاً من غاية الاستفادة من تجارب الآخرين، لا تثبيت إفتراض مؤامرات غير موجودة.

الكاتبة ريم الصالح- السعودية
كتابة المذكرات ونشرها بعد عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين أو حتى كتابتها ثم تخزينها وترك مهمة نشرها للورثة، هي خطوة إيجابية إذا اتسمت الكتابة بالموضوعية والصدق ولم تدخل فيها الذاتية والتحيز وتزوير الحقائق، فكتابة المذكرات لدينا هي غالباً ما تكون وسيلة لترقيع عقد الكاتب وإظهار نفسه بصورة الملاك وخاصة أن جميع الشهود يكونون قد رحلوا، في رأيي تعلم أبجدية كتابة المذكرات التي تحترم الحقيقة وتخدمها وحدها هوالمهم أما التوقيت فيأتي في مرتبة أقل من الأهمية.

الكاتب الصحفي سمير غريب- مصر
تتوقف أهمية الشهادة على أهمية المعلومات الواردة بها ومدى صدقها وأهمية المسئول نفسه. وبلا شك كلما اقتربت الشهادة من زمن الأحداث كلما ازدادت أهميتها. وفى الوقت نفسه فإن البعد عن زمن الأحداث يتيح فرصة الموضوعية فى التناول. لذا فمن الأفضل أن تجمع الشهادة بين الصدق والموضوعية والاقتراب من زمن الأحداث معا،ً وهذا بالطبع أمر ليس باليسير. الصحافة يجب أن تعالج هذه الثغرة. كما يمكن معالجتها بتقديم شهادات المسئول أثناء عمله بدلاً من إنتظار مذكراته. وفى كل الأحوال أفضل نشر المذكرات فى حياة أصحابها لإحداث التفاعل المتكامل معها والاستفادة الأكبر منها والتحقق من صحة الوقائع الواردة بها من خلال الأطراف الأخرى المشتركة فيها.

الكاتبة الصحفية سميحة خريس- الأردن
بداية كتابة المذكرات سواء أثناء حدوث الحدث أو بعد مرور أعوام على وقوعه، أمر في غاية الأهمية، قد يحدث أن هناك حالات مستفيدة وقد يكون هناك شيء من الاستعراض ولا يمكن أن نتوقع الصدق الكامل في كتابة مثل هذه النصوص، بل وإننا على يقين أنها ستحمل وجهة نظر منحازة لجانب دون آخر، عدا عن أنها وبعد سنوات من الحدث قد تحمل أفكاراً مغايرة تبعاً لما وقع لصاحبها من متغيرات، ولكن هذا لا ينفي أنها من أهم ما يكتب، ذلك
أن الكتاب المرافقين للحدث أيضاً يصدرون عن أجندة خاصة بهم، ولسبب
أبعد من ذلك وهو أننا لا نقدر أهمية الحدث على حياتنا ومستقبلنا في ساعته وزمانه، اليوم أقرأ مذكرات كتبت منذ حوالي سبعين عاماً عن أحداث وقعت في مطلع القرن فأفهم نقاطاً غامضة في حياتنا المعاصرة ، ثم لا أخشى الارتباك إزاء مثل هذه المعلومات لأن الزمن كفيل بالغربلة، بل إنه يكشف الجوانب التي يتم التعتيم عليها في أوانها، قراءة الماضي صادراً عن أصحاب المذكرات أصدق من قراءة كتب المؤرخين المنحازين للقنوات الرسمية، وإذا ما شعرنا بالاهتمام بحقبة بعينها يمكن الاستفاضة بالقراءة في أكثر من مذكرات وكتاب ووثائق لتنجلي الحقائق ناصعة ...نفهم مستقبلنا من خلال فهم أسرار ماضينا وتمحيصها.

الباحث والناقد د.عبد المالك أشهبون- المغرب
يعتبر quot;أدب المذكراتquot; من ضمن الفنون الأدبية الجميلة والمشوقة. وقد عرف الأدب العربي الحديث كتّاباً كثيرين في هذا المجال، إلا أن quot;أدب المذكراتquot; مع ذلك في العالم العربي ضعيف من جهة، والأسباب متعددة، منها ما يعود إلى ضمور الحريات السياسية والعقائدية، ومنها ما هو متكلف ومبالغ فيه من خلال حدة تضخم صوت الأنا وتمجيد الذات مقابل إلغاء أو التنقيص من أدوار الآخرين من جهة أخرى، إذ تصبح المذكرات وفق هذه المعطيات مملة وبلا عبر مستقاة منها، وهذا ما يجعل من مذكرات الساسة وصناع القرار في العالم العربي غير ذي جدوى في اهتمامات النقاد والقراء بصفة عامة، عكس ما يحصل حينما يتعلق الأمر بمذكرات أديب أو فيلسوف أو علامة... فالذاكرة جزء من الشخصية والهوية والانتماء، لذا من الواجب أن يكون القيم عليها قديراً بتحمل هذه المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه. من هنا نقول: إن فن كتابة المذكرات ليس فناً متاحاً لكل من هب ودبَّ، ولا هي أرضاً مشاعاً أمام كل من ساورته الفكرة إياها. وفي يقيننا، أن الكثير من الذين امتنعوا عن كتابة مذكراتهم والتزموا الصمت النبيل كانوا أفضل بكثير من بعض الذين غامروا وخاضوا التجربة، واعتبروها محطة لإبراز الذات وإعلاء الأنا غير المؤسس على حقائق ثابتة.

الأديب حسين سليمان- سوريا
السؤال فيه بعض الغرابة المغرية، كما أنظر للمذكرات السياسية هي كتابة أقرب إلى السيرة الذاتية منها الى التقريرية التي تريد أن تكشف وقائع أمر ما بعد مرور سنوات عليه. حيث هناك كما أظن وثائق تكشف الحقائق أكثر مما تفعله المذكرات. وإن يلاحظ القارئ في كتابة مذكرات حقبة ما لكاتبين سياسيين عاصرا تلك الحقبة فسيرى تضارب الاراء ذلك لأن لكل مفهومه عن العالم ولم تتم كتابة المذكرات أثناء حدوثها بل كتبت كتداعيات وتذكر لسنوات قد تكون عشرة أو عشرين .. وهذه لن تقوم بمقام الوثائق والحقائق التاريخية الرصينة. وبنظري اليها كسيرة ذاتية يلغي أسئلة الوطنية والشجاعة وحب الظهور الخ. ومن واجب الرجال الذين أثروا في حقبة معينة أو كانوا قريبين من صانعي القرار أن يكتبوا مذكراتهم وانطباعاتهم كما لمسوها من خلال قربهم من تلك الاحداث وهذه الكتابة تلقي ظلالاً ليس على الاحداث بل على المستوى الوجداني وعلى وعي أحد الرجال المهمين في تلك الفترة مما يفسر كثيراً من الأمور التي لا تفسرها الوثائق.

[email protected]