إحدى مشاكل فلم كنغ كونغ (2005) القليلة جدا هي الأثارة العالية المتواصلة لأكثر من ساعة من وقت الفلم! إذا كانت الأثارة هي كل مايرجوه مخرجي سينما أفلام الخيال والمغامرات والخيال العلمي لأفلامهم الا أنها في نسخة المخرج بيتر جاكسون الأخيرة لفلم كنغ كونغ كانت أحيانا أكثر قليلا مما تحتمله الشاشة والجمهور، نسخة بيتر جاكسون لعام 2005 تشكو من الطول قليلا عدا ذلك فأن فلم كونغ كونغ هو أفضل أفلام المغامرات الكبيرة للسنين الفائتة الأخيرة.
ينجح المخرج النيوزلندي صاحب الفلم الكبير ملك الخواتم في أعادة تقديم الحكاية القديمة في فلم يبدو أنهو حقق تصالحا موفقا بين نسخته الأولى والتي أنتجت عام 1933 ومع كل ما طرأ على السينما من تقدم تكنولوجي ورقمي واستخدام تقنيات الكمبيوتر. بحيث بدا الفلم فلما من هذا الزمان بلا قطيعة موضوعية وعاطفية مع الاصل.
بيتر جاكسون المخرج الذي لم يتوقف او يتردد بعد نجاح فلمه الأخير ملك الخواتم بأجزائه الثلاثة على الظلوع بهكذا مشروع يقول في حديث صحفي ان فلم كنغ كونغ كان أحد الأفلام التي أثرت عليه في طفولته وانه تمنى دائما أعادة أخراج نسخة جديدة للفلم طوال عمره المهني لذلك كانت فرصة أخراج الفلم فرصة أنتظرها طويلا. بيتر جاكسون لم يفوت هذه الفرصة لاعادة اخراج أحدى كلاسيكيات السينما بل أعطى للفلم جوهرية وحيوية كبيرة مستخدما كل خبرات الستة سنوات التي قضاها مخرجا ومنتجا لفلم غير مسبوق مثل ملك الخواتم. بالرغم من الفاصلة الزمنية للفلم الاصلي الذي أخرجه مايان كويز عام 1933 وحتى النسخة الأخرى عام 1976 والتي أخرجها جون جوليرمان وبالرغم أيضا من عشرات أفلام الخيال العلمي وافلام الاساطير الناجحة الا ان أسطورة الغوريلا المتوحشة وعشقها الوفي للمرأة الجميلة (الشقراء دائما) مازلت مثيرة وفعالة في جذب ملايين المتفرجيين (النجاح التجاري للفلم ابتدا من الاسبوع الثاني لعرضة في الولايات المتحدة الامريكية ليحقق بعدها أرباح كبيرة جدا في أمريكا واوربا).
الاسطورة مازلت مغرية، هناك جذور في ثقافات عديدة للاسطورة ومنها قصص ألف ليلة وليلة العربية عن القصة نفسها عن الوحش والجمال وعشقه له والجانب الجميل البشري للوحش. لم تضعف أفلام الديناصورات او افلام الكائنات الغربية والتي حقق الكثير منها مخرج ستيفين ستبريغ تفرد قصة الوحش وتعلقه الفريد بحبيبتة التعلق الذي يؤدي الى موته في النهاية.
نسخة بيتر جاكسون أكثر أخلاصا للفلم الاصلي عام 1933 من النسخ الأخرى، هناك أمانة في نقل الاجواء وتسلسل الحكاية من الفلم الأصلي، حتى اداء الممثليين يقترب بذكاء من أداء ممثليين تلك السنوات، الاداء العاطفي الانفعالي المترقب والخائف الواضح على قسمات ممثلي شخصيات الفلم حتى ان الفلم بدا أحيانا وكأنه من أفلام الاربعينات او الخمسينات بعد اضافة التلوين الاصطناعي عليه ، نسخة بيتر جاكسون أبقت المسافة الفاصلة بين الشاشة والجمهور المسافة النموذجية لسينما لا تتطلع الى أكثر من نسج حكايات وعوالم لا نصلها الا بالحلم والسينما.
الفلم للذي لا يعرف الحكاية الاصلية هي رحلة مخرج ( يؤدي دوره بجدية متفانية الممثل الكوميدي جاك بلاك الذي أشتهر بدور المعلم في الفلم الكوميدي الناجح مدرسة الروك ) أفلام جشع ومغامر مع ممثليه ومساعديه الى جزيرة نائية غير مسكونة لتصوير فلم عن وحوش تلك الجزيرة، الرحلة تتعرض لمتاعب كثيرة عندما تظهر وحوش الجزيرة وتبدا بمطاردة المخرج وجماعتة.
عندما تصل بطلة الفلم المفترض الى غوريلا الجزيرة تبدا المغامرات الحقيقية، ساعة كاملة من المطاردات والمعارك التي تقطع الانفاس حقا بين الغوريلا ووحوش الجزيرة الكثر التي تريد ان تقتل الجميلة. نسخة بيتر جاكسون شابهت نسخة 1976 وأختلفت عن النسخة الاصلية من جهة التبادل العاطفي بين الجميلة و الوحش.
خلق المخرج بيتر جاكسون والعامليين معه عالما مذهلا من التفاصيل والكائنات على الجزيرة النائية، بالتأكيد هناك تشابه قليل لبعض وحوش فلم ملك الخواتم للمخرج نفسه مع وحوش جزيرة كنغ كونغ لكن لا أحد يتوقف امام ذلك. الاستعانة بممثل حقيقي لأداء دور الغوريلا كان أحد عوامل نجاح الفلم والمعارك الكثيرة فيه، سيكون الفلم ذا مذاق مختلف لو كان الغوريلا هو وحشا من صنع الكمبيوتر كبقية وحوش الجزيرة، جزء من أثارة المعارك بين الغوريلا والوحوش هو مرونة الغوريلا الجسدية وتشابه معنا. الممثليين أدوا أدوارهم بتفهم كبير وخاصة الممثلة نومي وايت.يقول المخرج بيتر جاكسون في لقاء صحفي آخر ان الممثله نومي وايت والتي ادت دور بطلة الفلم في كنغ كونغ كانت تؤدي تلك المشاهد المنفردة المتكررة مع الغوريلا بحضور النجم الذي كان يؤدي دور الغوريلا الذي كان يقف خلف الكاميرا من أجل منح الممثله الاحساس بالحضور الجسدي للوحش، أداء نومي وايت ( أبرز أفلامها 21 غرام 2003 وأغتيال ريتشاد نيكسون 2004) كان الاكثر اجتهادا بين مجموعة الممثليين كلهم، فالشابة الممثله الفقيرة من نيويوك الثلاثينات قطعت طريقا طويلا للوصول الى تلك الجزيرة بعدها كان عليها ان تعبر حاجزا بشريا مفصليا لتكون امراة جميلا تقع في حب غوريلا من غير أن تفقد الشخصية الا القليل من جديتها وأقناعها.
عندما ينجح طمع المخرج وحيلتة في القبض على الغوريلا ونقلها الى نيو يوك ليعرض في مسرح يكون الفلم قد بدأ نهايتة الحزينة، الاختلاف الكبير بين الجزيرة الجميلة وقفص المدينة المحكم لا تصيب الغوريلا العاشق الا بالدوار. طرق المدينة لا تؤدي الى مخرج حقيقي للوحش الذي يهرب الى أهم بناية في نيويوك ليتعلق على قمة بناية أمبريال ستيت.
أصبع من الصعب عدم أستعادة أحداث سبتمبر في نيويوك مع أي مشهد لبنايات نيويوك العالية، للمشاهد الحرية في ترتيب الاحداث او الرموز ودلالاتها، لا تتخيل رؤية أخرى للمخرج النيوزلندي غير المدينة الخانقة والوحش العاشق الحزين المطارد، لا يمكن ان يقارن الوحش بالجماعة التي فجرت مراكز التجارة العالمية، لا يمكن ان يكون من فجر نيويوك يحمل حبا ما لشيء ما او يتكلم لغة لا تفهم..
مشاهد النهاية الآخيرة للوحش والنهاية للفلم تترك أثرا غير متوقع لفلم أختير بسرعة لقضاء أمسية غير محضر لها في السينما! هناك جهد خارق لصنع مشاهد سينمائية كبيرة وخاصة مشاهد الوحش وبحثه عن حبيبتة في المدينة. الابهار الذي يمنحه الفلم أبهار صوري وعاطفي يصل الى ذروته في مشهد النهاية الحزين جدا.
مازالت السينما بكل تنوعاتها قادرة على المفآجأت، لن يتوقف البحث عن أشكال جديدة للحكايات نفسها وسوف يحلم صبي ما ممن شاهدوا وسيشاهدوا نسخة بيتر جاكسون بنسختة الجديدة الخاصة من فلم كنغ كونغ لينجزها بعد 40 او 50 سنة..
محمد موسى
[email protected]
التعليقات