يبدو أن المشروع النووي الايراني، ونظرا لأهميته البالغة، اتسع ليشمل مجالات عديدة في حياة الايرانيين،اذ لم يعد محدودا بالمجالات التقنية والسياسية والعسكرية، وانما احتوى الفن السابع والانتاج السينمائي،فقد صرح مؤخرا معاون رئيس الجمهورية والمسؤول الثاني على الملف النووي في لقائه بجمع من المخرجين السينمائيين والعاملين في حقل الفن السابع عن عزم الحكومة الايرانية في تقديم مساعدات مالية للأفلام التي تدافع عن حق ايران في امتلاك التكتولوجيا النووية لأغراض سلمية.كما وعد غلام رضا آقا زادة السينمائيين الايرانيين بفتح المصانع والمنشآت النووية لهم وتوفير الدعم اللازم لانتاج افلام في هذا المضمار.

ولايمكن اعتبار هذا المشروع جديدا في ايران اذ سبق أن كان محط اهتمام حكومة الرئيس الايراني السابق السيد محمد خاتمي،وتشير مصادر مطلعة أن فيلم المخرج الايراني علي رضا رئيسيان وعنوانه ملف هافانا، والذي من المقرر أن يعرض قريبا في دور السينما الايرانية تدور احداثه الرئيسية حول الملف النووي الايراني.

وبديهي أن هدف المسؤولين الايرانيين من دعم الأفلام النووية هو توعية الرأي العام الايراني بحق ايران القانوني بامتلاك تكنولوجيا نووية متطورةلأغراض سلمية، وتسليط الضوء على تناقض القانون الدولي في تعامله مع الملف النووي الايراني
وتظهر وجهات نظر العاملين في الحقل السينمائي اختلافا كبيرا بين معارضين للاستجابة للارادة الرسمية والذين رجحوا مشروعية الرغبة الذاتية للفنان في اختيار المواضيع، وبين مخرجين أكدوا على فاعلية الدعم الرسمي للانتاج السينمائي في ايران باعتباره العنصر الأساس في ازدهار الصناعة السينمائية التي حققتها السينما الايرانية منذ انتصار الثورة الايرانية، الا أن كلا الجانبين اتفقا على تأييد المشروع النووي كارادة وطنية لابد من تحقيقها مادامت مقصورة على الجانب السلمي.

الناقد السينمائي الايراني أحمد طالبي نجاد رأى أن المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها القطاع السينمائي دفعت ببعض المخرجين للموافقة على انتاج افلام متطابقة مع المنظور الرسمي، لكنها اتسمت بضعف البعد الفني،، وأشار طالبي نجاد الى التجربة الاميركية في هذا المجال والدعم الذي قدمته الحكومة الاميركية لعدد كبير من المخرجين السينمائيين بما ينسجم مع استراتيجيتها الخارجية.
وفي حوار هاتفي أجرته ايلاف مع المخرج السينمائي علي شيرواني الحاصل على جائزة النقاد من مهرجان كان 1999 وعلى جوائز سينمائية دولية معتبرة، رأى شيرواني أن السينما الايرانية بعد الثورة حظيت على الدوام بدعم واسناد مؤسسات الدولة ولايمكن الحديث عن سينمائيين مستقلين بالمعنى الدقيق للكلمة وأضاف مخرج فيلم الكرز المعلّب quot;لم يكن بامكان السينما الايرانية ان تستمر في انجازاتها الكبيرة لولا الدعم الحكومي المتواصل، ان جميع الأفلام التي انتجت من قبل مخرجين مستقلين حصلت بدورها على دعم من قبل المؤسسات الرسمية، شخصيا كانت تجربتي الأولى في الاخراج السينمائي نابعة من تجربة ذاتية بحت ومن منظور فكري مستقل لموضوعة الحرب، وحينما حصلت على جائزة النقاد في quot;كانquot; على فيلم الدائرة، تم اعفائي من الخدمة العسكرية ووفرت لي مؤسسات ثقافية رسمية دعما كبيرا كي أتفرغ للعمل السينمائي، أن الافلام التي تتعارض مع الرؤية الرسمية تحظى ايضا بدعم الوزارات والمؤسسات الثقافية والفنية، ان التحول الكبير الذي شهدته السينما الايرانية هو مشروع تأصيل السينما وفتح آفاق لها على المضامين التي ترتبط بالهوية الايرانية والقضايا الوطنية الحساسة التي يعيشها المجتمع،أو الشخصيات الثقافية التاريخية التي كان لها اسهام في خدمة البشرية أو قدمت منجزات مهمة على صعيد الثقافة والآداب والعلوم، بأمكاننا أن نستشهد بسينما الحرب أو الدفاع المقدس، لقد كان تمويلها حكوميا، لكنك لن تصادف فيلما واحدا يمجد الحرب او يسبغ عليها طابعا ايجابيا، هي في حقيقة الأمر أفلام ضد الحرب، ضد حرب فرضت على الشعب الايراني المسالم، لذا لن أتوانى في أخراج فيلم يساهم في التطور العلمي والتقني السلمي، من منظور انساني.

من الفلم الكارتوني
وقد عرضت مؤخرا جميع القنوات التلفزيونية الايرانية فيلم (MC2) وهو من أفلام الرسوم المتحركة من اخراج محمد مختاري وانتاج مركز دعم الأفلام الوثائقية والقصيرة، وهو فيلم يتطرق باسلوب ساخر لمحاولات تجسسية يقوم بها جواسيس اسرائيليون وأميركان على المنشآت النووية الايرانية.
ولعل فيلم quot;يوم الشيطانquot; للمخرج بهروز أفخمي التجربة الأكثر نضجا في التطرق الى الملف النووي الايراني، ويدور الفيلم حول مجموعة من المتآمرين ضد النظام الايراني الذين يحصلون على دعم من اميركا ويدخلون قنبلة نووية مصغّرة يسعون الى استاديو آزادي وقتل الآلاف من الحاضرين في أكبر ملعب في طهران واتهام الحكومة الايرانية بارتكاب الحادث كدليل على امتلاكها السلاح النووي
اما منتج فيلم quot;الأمquot; السيد منوجهر محمدي فهو يرى في أن الملف النووي يضم أبعادا درامية سواء في الجانب التفاوضي والديبلوماسي او في البحث العلمي والسياسي، وعلى هذا الاساس يمكن طرح جوانب منه مترجما الى لغة الفن السابع.


التجربة الأميركية
كان المضمون النووي واحدا من المضامين الرئيسة في السينما الاميركية منذ نهاية العقد الرابع من القرن المنصرم، وقد ساهمت سينما الخيال العلمي في أثراء الافلام التي عالجت الابعاد السلبية للسلاح النووي كخطر يهدد الجنس البشري ويفني الحياة على سطح الكرة الأرضية، كما كان للأفلام الهوليودية في هذا المضمار الدور الكبير في زعزعة ثقة المشاهد بالانجازات العلمية في حقل الذرة، ويعتبر فيلمquot; البداية أم الخاتمةquot;1952 للمخرج نورمان توروغ 1899-1981 في طليعة الأفلام التي ناقشت فيها هوليوود القضية النووية، وقد خضع الفيلم لاشراف من قبل الحكومة الاميركية،وبحث في إطار تخيلي (وان كان أساس السيناريو مقتبسا من قصة حقيقية) في الأسباب التي دعت لصناعة القنبلة الضرورية والأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الى ارتكاب واحدة من أبشع جرائم العصر في هيروشيما وناكازاكي، والفيلم يدور حول قصة حب تجمع عالم في مجال الفيزياء بفتاة حسناء.لكنه يصطدم بشخصيات سياسية نافذة لاتعير أهمية لنواياه السلمية في أبحاثه ودراساته.

في فيلم quot;شبح ذو البدلة الحمراء quot; عام 1944وهو جزء من سلسلة افلام سينمائية يتم اكتشاف مادة سكلوترودايكس تعمل على ابطال مفعول الاسلحة الذرية، اما فلم quot; الأرملة ذات الرداء الأسود quot; عام 1947 وفلم quot;لرجل الذري ضد السوبرمانquot; عام 1950 فهما فيلمان يتمحوران حول حول أعداء يوظفون السلاح الذري من أجل تحقيق أهدافهم الأجرامية.

وقد عكست الأفلام الأميركية أجواء الحرب الباردة في خمسينات القرن الماضي والخوف من المواجهة العسكرية مع الأتحاد السوفياتي السابق، كما في فيلمquot;خمسة أشخاصquot; عام1950 اخراج آريك اوبولر،اذ تقضي قنبلة ذرية على حياة البشر ولايبقى على قيد الحياة سوى خمسة اشخاص، الا أن هذه المجوعة القليلة من الأفراد تعجز بدورها عن ادامة حياتها والحفاظ على وجود الجنس البشري على الكرة الأرضية، وينتهي الفيلم ببقاء رجل وامراة واحدة على قيد الحياة، في اشارة أو أمل لبقاء الحياة على سطح الكوكب الأرضي، وقد استطاع الفيلم في حينها أن يترك أثرا عميقا في الرأي العام العالمي ونبـّه الى قلق المجتمع الدولي من الاثار الكارثية التي تتركها التجارب النووية على البيئة، وركـّز على دور صناعة السلاح النووي في اثارة القلق والأمراض النفسية على سكان الأرض.

وأخيرا نشير الى فيلم quot; الهجوم على الولايات المتحدةquot;عام 1952 من اخراج الفريد غرين، وهو يصور مجموعة من الأشخاص يتدارسون امكانية احباط هجوم نووي سوفياتي، يتم اغتيالهم من قبل جواسيس للكي جي بي، ثم يتضح لاحقا ان هولاء الافراد انما كانوا يعانون من أمراض نفسية خطيرة وليس هناك أي هجوم سوفياتي محتمل، وقد رأى النقاد حينها أن الهدف الأساس من الفيلم يتعلق بالشأن الداخلي الأميركي، وتوجيه صناعة الأسلحة في بلد احتل رأس القائمة في تصديرها الى مختلف بقاع العالم.