حبيبتي أنا الآن بعيد. بعيد.. بعيد. طنين الغارة عالق بذاكرة الذاكرة. درج السلم يتهادى أمام نطة القلب المتلهف. بين دوي ودوي تضيء الشظايا السلم الصاعد إلى مصب القلب.
أنا الآن في البعيد. كنت هناك. حملت في قلبي مدى صدئة.. جرح الموت على الخط المباشر.
ـ ابق معي.. أرجوك لا ترحل
ـ.....
ـ الحديقة وبيت الجدران... أشلاء...
ـ أنت قوية.. سنديانة الجبل الكبير...
تقطع الغارة التالية تدفق عنوان الحياة. الليل والمطر يلتصقان بمسام الجلد. لوميض البرق رشة بيضاء وللشظايا صفرة اللهب. القلب يختلج على درج السلم البارد المبلول. يرتعد كدوري مذبوح. وفي البعيد، هماك خلف الأسلاك الشائكة، ينفطر توأم الروح في البراري، على الأرصفة الفارغة.
المسترال، أطلال عبق لم يتضوع بعد. لطمة الموج العنيفة على الغر الباسم. تناثرت البقايا على الشط. أرنو إلى أرائك المخمل المقلوبة على الرمل ونورسين ينكثان بقايا الطحالب. البحر يمتد في المدى المفتوح، ساكن مسالم. أعرفه عندما ينظر إلي هكذا. يعرفني. لسان موجه الرقيق يلعق حذائي ثم يهرب ويذوب للحظة في فمه الكبير. لن أحدثه اليوم. سأمشي بجواره فقط. أنظر إلى الغيم في العلالي.. إلى منارة المرفأ في البعيد. ماذا عساني أقول له. أنا الآن في البعيد، خلف هذه الأشواك. بمدى صدئة تلهو في الجرح العميق. لا زال الطنين في ذاكرتي.
ـ عدني أن لا ترحل أبدا.
ـ.....
ـ عدني.. أرجوك.
ـ أينما كنت فلن أرحل إلا إليك.
ـ ما أجمل ما تقول..
ـ......
ـ لماذا سكتت؟
ـ أنا الآن في البعيد....
ـ........
ـ مقيد بأصفاد البراري البعيدة.
ـ مهما يكن.....

يسكن البحر إلى جانبي. حتى صوت لعابه على الرمل المبلل يغدو خافتا، بلا وجود. أعرفه يخشى مكاشفتي. لنداء العروق لغات الجسد الأخرى البليغة. وأنا الطريد خلف الأشواك.. جمرة لهب في البعيد.
لرعشة الدوري نداء الحياة. رقصة نشوى، على السياج المعشوشب أو على أسلاك الكهرباء. وأنا هنا في البعيد. على شفة البحر. أتأمل من خلال أناملي شفرة القلب البعيد.