نصرت مردان: حسب رأي جورج جاكوب، انتقل خيال الظل من الصينين إلى المغول ومنهم إلى الترك. وكان أتراك آسيا الوسطى يطلقون اسم (قاروجاق) على هذا النمط من الفن،وذلك لاعتماده على دمى متحركة بواسطة اليد او بخيوط مربوطة بالدمى خلف ستارة بيضاء مضاءة من الخلف. ولا يزال التركمان في العراق يسمون الدمية بـ (قاورجاغ). ويؤكد المؤرخ نفسه أن (خيال الظل) وصل إلى كل منطقة وصل إليها الترك عن طريق الهجرات المتلاحقة لهم. ويذكر أيضا أن الأمير الأتابكي التركماني مظفرالدين كوكبوري كان ينظم عروضا لخيال الظل في قصره إضافة إلى عروض للعامة طوال شهر رمضان في أربيل عاصمة الدولة الأتابكية.
ثمة روايات عديدة حول خيال الظل، حيث يذكر الرحالة التركي المعروف (اوليا جلبي 1611- 1682)، أن قره كوز (أحد الشخوص الرئيسية في عروض خيال الظل) كان يعمل حدادا وزميله حاجيواد(الشخصية الرئيسية الثانية في تلك العروض)يعمل كبناء. وكانا يعملان معا في بناء أحد الجوامع بمدينة (بورصة) في عهد السلطان اورخان (1324 ـ 1362) ويمتازان بالظرف،ويتبادلان بينهما حوارا فكاهيا، يلفت انتباه بقية العاملين الذين كانوا يتوقفون عن العمل خلال الجو المرح الذي يشيعه قره كوز وحاجيواد،مما أدى إلى تأخر بناء الجامع عن الموعد المقرر.عندما علم السلطان بالسبب حكم عليهما بالموت ليكونا عبرة للآخرين. لكن السلطان سرعان ما شعر بندم شديد فيما بعد. وبهدف التسرية عن السلطان قام نديمه الشيخ (كوشتري) بصنع دمى من الجلد لقره كوز وحاجيواد،مقلدا حوارهما الفكه.


قره كوز وحاجيواد:الطيران

قره كوز: (قره) في اللغة التركية يعني أسود، و(كوز) يعني العين، وبذلك فالعبارة لغويا تعني (العين السوداء). وهو في النصوص رجل أمي. يتحدث باللهجة الشعبية. لا يفقه التعابير والألفاظ الأجنبية، يتظاهر بعدم فهم التعابير الشائعة.يقابل التعابير الأجنبية بتعابير مترادفة ترمز إلى معان أخرى لإثارة الضحك. يمتاز بالفضول. يهب عند كل جلبة في الحي ليعرف مصدرها وسببها.يشارك في الحوار في الفترات التي لايغادر فيها منزله من نافذة بيته. لا يتوانى من إظهار ما يبطنه ويتعرض من جراء ذلك إلى مواقف صعبة. لا يفقد مرحه حتى في أصعب المواقف. عاطل عن العمل في أغلب الأوقات. يعمل ذوو السلطة للنيل منه لكنه يتمكن التخلص منهم دائما. يعتبره الرحالة اوليا جلبي في كتابه (سياحتنامه) أشهر عياري عصره.

حاجيواد: شخصية على العكس تماما من شخصية زميله قره كوز، متعلم، له إلمام يسير بالرياضيات والاقتصاد والإحصاء والنحو إضافة إلى الأدب، انتهازي، يضع مصلحته الشخصية في المقدمة دائما، لا يقاوم النظام السائد ولا ينتقده. يتصرف وفق ما تتطلبه المواقف والظروف.


الشخصيات: قره كوز
حاجيواد

حاجيواد:
قره كوز، أنت لست حلو المعشر.
قره كوز:
أما أنت فثرثار، مهذار (يصفعه على قفاه) (يبتعد عنه حاجيواد ثم يعود أدراجه)
حاجيواد:
ألا تود الاستماع لي؟
قره كوز:
وماذا أسمع منك أنت؟ تردد كل يوم نفس الموال.
حاجيواد:
لقد أتيت للحديث إليك.
قره كوز:
هل أعلمك شيئا من مهاراتي؟
حاجيواد:
مثل ماذا؟
قره كوز:
مثل ماذا؟ مثل صنع السلال.
حاجيواد:
يا لك من غجري!..وهل تعتقد أن صنع السلال حرفتي؟ لقد أتيت للحديث معك.
قره كوز:
لكنني لست على ما يرام.
حاجيواد:
خيرا.. مابك؟
قره كوز:
حلت بي كل ما تتخيله من مصائب..فقد تشاجرت أمس مع أختي من جديد. إنها على وشك الزواج من (ايبو)، وهي تريد مني زنارا تتزين به يوم الزفاف.
حاجيواد:
ثم؟
قره كوز:
في هذه الأيام لا أملك قرشا اسود.
حاجيواد:
ثم؟
قره كوز:
انطلقت من السأم كالسهم من البيت لا ألوي على شيء..بدأت أتجول دون هدف هنا وهناك، إلى ان وصلت إلى ساحة (أوق ميدانى).
حاجيواد:
ثم؟
قره كوز:
أثار فضولي وجود رجل جالس في الساحة. كان يبدو على سحنته الغضب والانفعال وهو يدخن بشراهة.
حاجيواد:
ثم؟
قره كوز:
اصبر قليلا..أحسست لحظتها برغبة جامحة لا تقاوم في تدخين سيكارة. اقتربت من الرجل وبدأت بالثرثرة معه لأجد فرصة طلب سيكارة منه.
حاجيواد:
أحسنت!..مارس مهارتك في الحديث معه!
قره كوز:
عندما حانت الفرصة المناسبة، طلبت منه سيكارة. أعطاني واحدة، سحبت دخانها بعمق إلى رئتي مرة..مرتين..
حاجيواد:
اسحب المزيد..اسحب!
قره كوز:
بعد عدة أنفاس، هبت عاصفة قوية.
حاجيواد:
يا للهول!
قره كوز:
اقتلعتني العاصفة وطارت بي في الهواء.
حاجيواد:
تمسك بي!
قره كوز:
مستحيل.. قادتني العواصف وقذفت بي إلى حقول (بياله).
حاجيواد:
هل سقطت؟
قره كوز:
أجل سقطت، ولكن حمد لله لم اصب بأذى.. فجأة وجدت نفسي في البئر التي تتوسط الحقل.
حاجيواد:
اخرج..اخرج منها!
قره كوز:
وكيف لي ان أخرج.. حمدلله، كانت ثمة شجرة تين في البئر فتشبثت حتى العصر بأغصانها..وفجأة رأيت دلوا يتدلى إلى البئر، فكانت فرصة لي أن اجلس في الدلو.
حاجيواد:
أحسنت..أحسنت!
قره كوز:
صعدت مع الدلو إلى خارج البئر..لكنني سقطت في جدول الماء الذي كان يروي الحقل.
حاجيواد:
ثم؟
قره كوز:
وجدت نفسي في حقل مزروع بالملفوف (الكرنب).
حاجيواد:
هيا اهرب..حان الآوان!
قره كوز:
أردت الفرار ولكن هيهات.. فقد رأيت بالقرب مني البستاني وهو يحمل سكينة كبيرة يقطع بها قطع الملفوف.. كنت في موقف محرج، لو رآني الرجل فسيحسبني لصا..
حاجيواد:
وماذا فعلت؟
قره كوز:
وجدت بالقرب مني راس ملفوف ضخم، أخفيت نفسي بين أوراقه.
حاجيواد:
أواه يا أخي..وهل سعتك أوراقه؟
قره كوز:
بالتأكيد..استمع حتى النهاية..قطع البستاني رأس الملفوف الذي اختبأت بين أوراقه..وسرعان ما وضعني في سلة،وقام بنقلي إلى دكان بائع الخضار. هناك تم بيعي..ووجدت نفسي في بيت..
حاجيواد:
يا أخي ألم تجد فرصة للفرار؟
قره كوز:
لا تسلني يا أخي..فجأة وجدت نفسي داخل قدر فيه ماء يغلي.
حاجيواد:
ما أتعسك يا مسكين!
قره كوز:
فتحت عيني من الرعب وسط حرارة لا تطاق.. أتدري ماذا وجدت؟
حاجيواد:
ماذا وجدت؟
قره كوز:
تتذكر الرجل الذي أعطاني سيكارة؟
حاجيواد:
أجل
قره كوز:
لقد أعطاني اللعين سيكارة محشوة بالحشيش، وقد تركني عندما أدركني النوم..لم أفق إلا على ماء حار ينكسب فوقي.. عندما فتحت عيني، وجدت حصانا أجرب يبول على رأسي!
حاجيواد:
لعنك الله..كل هذه القصة حصيلة سيكارة حشيش!
قره كوز(يصفعه على قفاه):
وماذا ظننت يا غبي؟ أمن المعقول أن يسقط المرء في دلو بئر، ويختبيء بين أوراق الملفوف!..على كل حال، اذهب أنت لحال سبيلك، وأذهب أنا إلى زاويتي لألقي نظرة على الكون.. (يذهب)

ستار

* هنالك 66 نصا مكتوبا لمسرح خيال الظل التركي (قره كوز) في فترات مختلفة. وهذا النص هو أول نص يترجم من تلك النصوص إلى العربية.