سألتني السيدة إنعام عبد المجيد، مقدمة برنامج الصحافة اليوم في قناة الفيحاء التي نتابعها مادامت متابعة معاناة العراقيين من جميع الأطياف، وكان سؤالها مـُربكاً بعض الشيء حين استفسرت عن كيفية التفريق بين ولائين؛ ولاء للدولة،وآخر للأشخاص..
خطر بذهني- قبل كل شيء- معنى كلمة الولاء للدولة عند العراقي، وهل كان ثمة ولاء في يوم ما عند العراقيين للدولة؟
الدولة العراقية التي تمثلها سلطة غالبا ما تكون مستبدة وديكتاتورية، وغالبا ما يكرهها الشعب حتى بات الولاء للدولة عند العراقي خيانة للوطنية ومبادئها، إذ ارتبط الشعور الوطني عند العراقيين أما بالشهادة تحت التعذيب بأقبية السجون والمعتقلات، أو بالمقابر ودفن الوطنيين أحياء، أو بالتشرد والمنافي في أصقاع الأرض ومنافيها، أو ارتبط بأحسن حال بالتهميش وتغييب كل ما ينتجه الإنسان الوطني "المعارض غالبا " من علم وأدب وثقافة وإبداع، فمتى كان الولاء للدولة عند العراقيين هو الولاء للوطن؟
أن الدولة لابد أن تكون خادمة للشعب ليكون الولاء للدولة هو ذاته الولاء للوطن، كما يحصل عند بعض الدول الأوروبية التي نراها اليوم، حيث يشعر المواطن أن أية إساءة للدولة ومؤسساتها هو إساءة لوطنه، وهنا تجرحه هذه الإساءة فينتفض مدافعا عن الوطن صاعدا عنده الحس الوطني إلى درجة كبيرة حينما يكسر معتدٍ زجاج موقف باص،أو يرمي الأوساخ في شارع عام مثلا، فالدولة التي تقدم له ولعائلته كل الضمانات لحياة هادئة ونظيفة وهانئة، لابد وان تغرس بداخله حب يمتزج بحبه لتراب أرضه وقيمها وتاريخها وتراثها وكل ما يعبر عنها حتى يمتزج الولاء للدولة بالولاء للوطن ومن عليه...
لم يكن الحس الوطني للعراقي سوى قيمة مجردة لم ترتبط بواقع، لان العراقي لا يعرف من الوطنية سوى واجباته ولم يذق أي حق من حقوقه على مدى حكومات متتابعة.
أما الولاء للأشخاص، فقد كان بالنسبة للعرب منذ عصور سحيقة هو الولاء المطلق الذي لا يرقى عليه ولاء، فالولاء لشيخ القبيلة هو الولاء للقبيلة نفسها وان كان ظالما، لذا جاءت ظاهرة الأصنام ومرت بتاريخنا بعض الشخصيات التي تركت أثرها عن طريق النفوذ والسلطة، لا عن طريق خدمة الإنسان، وانعكس هذا على حياة العرب جميعا حتى ألان..
لابد أن يكون الشعور بالمواطنة الحقّة والانتماء للآخر كشراكة بالعملية السياسية وليس فرض واجب يأتي من الأعلى، سيما ونحن نمر بمرحلة مخاض وخطورة يتعرض لها الوطن على يد الإرهاب ومن يدور حوله ويحميه من أذناب النظام البعثي الساقط، فالبرامج المطروحة على الشعب العراقي ومن جميع الكتل والأحزاب، هي برامج عظيمة، ولا يوجد حزب أو كتلة يفضح ما مارسه من فساد وأخطاء كان الشعب ضحيتها، كما أن جميع الكتل والأحزاب تضع على رأس قائمتها نجوما يستطيعون تحشيد عدد اكبر من الناس، لكن الفيصل هو التطبيق، والفيصل هو تجربة الشعب عبر دورات انتخاب، ونحن حتى ألان لدينا تجربة انتخاب واحدة، سنستفيد منها حتما لكنها سوف لن تكون الحاسمة التي تحقق للعراقيين كل ما يصبون أليه، إنما هي إحدى مراحل غربال سيبقى يدور ويدور، يصفي عبر دوراته ويسقط الكثير من الكتل والأسماء والأحزاب لنصل إلى أفق نستطيع أن نسميه ديمقراطيا..
هناك بيت شعر لإبراهيم طوقان، أتمنى على المربين الأفاضل في الوطن أن يحفـّظوه للأطفال في المدارس الابتدائية وهو :

إن قلبي لبلادي لا لحزب أو زعيم لم أبعه لشقيق أو صديق لي حميم

إن دولة الديمقراطية هي دولة المواطنة الحقيقية التي تتحمل مسئوليتها أمام أي تقصير يقع على كاهل المواطن ويسبب له إساءة، لنستطيع عندها أن نقول:
أن هناك شعور وطني حقيقي عند الأفراد وعندها يكون الولاء وطنيا حقيقيا وليس محوريا يلتف على فئة أو طائفة أو كتلة سياسية، فالولاء العميق للوطن لابد وان يتجاوز الولاء للمجموعة أو الكتلة فيكون اعمق واعظم..
اليوم نرى حيرة لدى الشعب العراقي في الانتخاب، خاصة وان شعبنا قد جرب تلك الكتلة أو ذاك الحزب وقد سقطت اغلب مقولاته عما سيفعله بعد فوزه بالانتخابات، كما أن هناك حيرة أخرى لا يعرفها الناخب في البلدان المتحضرة الذي ينتخب أسماء أشخاص قد يستطيع بشكل أو بآخر معرفة نزاهتهم، أما عن اختيار العراقي لكتلة قد تضم أشخاصا غير معلني الأسماء، فهذا يعقد الأمر اكثر..
أخيرا أتمنى أن يختار الإنسان العراقي من يتناسب مع طموحاته وحاجاته الحياتية ولا ينجرّ للدعاية الانتخابية، فلابد أن تكون نتيجة الانتخابات عملا يخدم الإنسان العراقي ولا تكون الأعمال بالنيات فقط...