قاموس الرطانة السياسية (6)

لا تخلو خطبة لزعيم أو مقال لـ(مفكر) عربي سواء كان يفكر على طريقة الزعماء الوارد ذكرهم أو يفكر بزعامة تخصه من مفردة (المنعطف) التي لا ترد إلا مضافة إلى مفردة أخرى وأهم مفردة يضاف إليها المنعطف هي الحاسم (التي تلي مباشرة مفردة التاريخي التي سنفرد لها باباً خاصاً في هذا القاموس). إن المنعطف كمضاف و الحاسم مضافاً إليها تشكل في سياق الخطابة العربية جملة متكررة منقذة للخطيب والمحلل والمصرح والسائل فالزعماء (سواء كانوا لدول أو أحزاب أو جمعيات صغيرة لحقوق الإنسان مثالا لا حصراً) كي يوهموا الأمة والشعب بأهمية ما يقولون لا بد لهم من إضفاء بلاغة مهددة لا ليجلبوا الناس إلى سماعهم بل لترسيخ أهمية القول الذي يرطنون به فعندما يشعر الناس أن هذا المنعطف الذي يتحدث عنه الزعيم والذي يقول إننا نمر به سيوقظ لديهم غريزة الخوف التي تؤدي بهم إلى الالتصاق ببعضهم وبه (أي الزعيم) وهو ما يتوخاه الزعيم ويخطب من أجله ويشبه هذا إعلان الكابتن في رحلة جوية عن مرور الطائرة بممطبات هوائية الذي يؤدي إلى ربط الأحزمة لأنه في الفضاء لا منعطفات وبالتالي يتم التغاضي عن الحاسم أيضاً.. فعلى الزعيم أن يؤكد أنه (... في هذا المنعطف الحاسم والظروف العصيبة التي يمر بها شعبنا ووطننا، ومع التحديات الخارجية التي تعصف...) عليكم أن تلتزموا الصمت وأن لا تطالبوا لا بخبز ولا بماء ولا بتعليم ولا ديمقراطية أو أية حقوق أخرى. هنا سيكون هم زعيم الأمة(أو الحزب أو الجمعية أو..) اجتياز تجاوز هذا المنعطف بهدوء، وعليه سيستمر هذا المنعطف طويلاً في المكان والزمان حتى ليبدو تاريخنا المعاصر مع الزعماء منعطفاً مستمراً لكنه لدهائهم يقطعونه كي لا يسخر منهم طفل قائلاً : ماهذا المنعطف الذي يستمر نصف قرن ولا نجتازه؟، فهم لا تعوزهم الحنكة إذ إنهم يصمتون برهات دون رطانات سياسية وتمثل لحظات الصمت هذه لحظة ما بعد اجتياز منعطف ما والتقاط أنفاس استعدادا لمنعطف جديد، وسيحورون قليلا قولهم (رطاناتهم) فيه فتغدو الجملة (... في هذه اللحظات المصيرية التي لابد لكل مواطن أن يضع بصمته ويؤكد وطنيته في هذا المنعطف الحاسم الخطير...) وعليه سيغدو (المواطن) شريكاً للزعيم في وضع بصمته في تجاوز هذا المنعطف الحاسم الخطير وماذا يريد أكثر؟(أن يشارك الزعيم بأي شيء) من هذا وقد تسللت هذه الرطانة من خطابات الزعماء إلى الكتاب الذي يجتازون المنعطف الحاسم مع زعمائهم بغض النظر عن المحتوى quot;الفكريquot; للخطيب - كتفريق دلالي عن المثقف - (قومي ndash; إسلامي ndash; ماركسي ndash; فوضوي...) بل إن بعض الخبثاء يصر على أن هؤلاء الكتاب بتنظيرهم أوحوا للزعيم بهذا quot;المنعطف الحاسمquot; استنادا إلى تحليلاتهم في الخوف والانجرار والثقافة الغريزية (للقطيع). ولا بد لسائل يتجاوز المنعطف ذاته مع زعيمه أن يمهد لسؤال بـ (تعودنا أن نسمع منكم عند كل منعطف حاسم، فماذا ترون في هذه الظروف الدقيقة، والمرحلة الصعبة، والتحديات...) كي يلقي الزعيم quot; مناراته quot; للجماهير التي تنتظره.. وقد استخدم المنعطف الحاسم كخيارٍ وأدي لكل صوت آخر يطالب بـ (أي شيء) سواء من قبل الزعماء أو من كتابهم فعلى حد قولهم سيكون (... على جميع الجماهير وقواها السياسية التسامي على خلافاتها البسيطة وإظهار قدر كاف من النضج عند هذا المنعطف الحاسم من تاريخ أمتنا، فأمام التحديات الجسام...) لن يغفر التاريخ المذكور آنفاً لمن يطالب بـ (أي شيء) لأن تأويل مطالبته سيكون هو دهورتنا في هذا المنعطف وليس شيئاً آخر. ولم ينجو أي داعية سواء كان تابعاً لزعيم أم داعية لنفسه متلبساً قضية مقدسة أم دنيوية ترتدي المقدس، من المنعطف الحاسم ففي حال كون الداعية قد قرر تلبس الدين فإن خطابه سيقول (... وينبغي لنا خلال هذا المنعطف الحاسم من تاريخ الأمة.. أن نتداعى لتحكيم كتاب الله سبحانه. ...) لم الإصرار على المنعطف وما جذره في quot;لسان العرب quot;: عَطَفَ يَعْطِفُ عَطْفاً: انصرفَ. ورجل عَطوف وعَطَّاف: يَحْمِي المُنْهَزِمين. وهذا ما يريده منا الزعماء وخطباؤهم أن ينصرف الناس عن مطالبتهم وأن يحموا هزائمهم وأن نعطف عليهم بانصرافنا وصمتنا.. وعطَف عليه يَعْطِفُ عَطفاً: أَوله بما يريد. والهاء عائدة للناس هنا أما quot;يريدquot; فهي تعود لقائل الرطانة لأنهم (أي الرطّانون) يسعون من وراء رطانتهم هذه أن يتعطف عليهم الناس.. وتعطَّف عليه : وصَلَه وبرَّه. وتعطَّف على رَحِمه:رَقَّ لها. والعاطِفةُ: الرَّحِم، صفة غالبة. ؛ العواطف، يريد الأَقْدار والعَطائف: القِسِيُّ، والعطيفةُ والعِطافةُ: القوس قال الجوهري: والقوس المعْطوفة هي هذه العربية. فهكذا إذاً يتبين لنا أن الجذر الأساسي للمعطوفة حتى لو كانت قوس هو عربي كأصل كل الأشياء عند (الرطانين). ويبدو أيضاً أن المنعطف الحاسم جاء مستنبطاً من أحد صفات الزعيم (قائد المسيرة) ففي هذه الحال لا بد أن يجتاز بنا المنعطف الحاسم.. ومُنْعَطَفُ الوادي: مُنْعَرَجُه ومُنْحَناه؛ وعليه على تابعيه أن يعطفوا عليه خلال هذا ولأن الأرض العربية (السياسة) لا يوجد بها مساحة منبسطة سيكون علينا أن ننظر بعين العطف للزعيم قائد مسيرتنا. والعَطْف: تَثني عُنقها لغير علة. (والهاء عائدة هنا للجماهير) وظَبْية عاطِفٌ: تَعْطِفُ عنقها إذا رَبَضَت، وهكذا يستوي الأمر فالجماهير لم تُرى في هيئة غير هذه رابضة تسمع الزعيم وتراه يتعاطف أمامهم. يقال: فلان يتَعاطفُ في مِشْيته بمنزلة يتَهادى ويَتمايلُ من الخُيلاء والتبَخْتُر. وناقة عطوفٌ: عاطِفةٌ، والجمع عُطُفٌ. قال الأَزهري: ناقة عَطُوف إذا عُطِفَت على بَوٍّ فرَئمَتْه. والبوّ يمكن أن نطلقه كتسمية على الزعيم أو الخطيب دون أن نخشى من مجافاة الدقة إذ انه جلد ابن الناقة عندما يموت فيحشى بالقش كي تستمر الناقة بالحلب كما الجماهير تماماً في علاقتها مع بوَّها أو زعيمها والشعوب العربية بشكل عام كما يقول المحللون أنفسهم شعوب عاطفية أي عطوفة. والعَطُوف: المُحِبَّة لزوجها. وامرأَة عَطِيفٌ: هَيِّنة ليّنة ذَلول مِطْواع لا كِبر لها،. وكذلك رجل عَطوف. ويقال: عَطَفَ فلان إلى ناحية كذا يَعْطِفُ عَطْفاً إذا مال إليه وانعطف نحوه. وهكذا يمكن فهم لم نحن هنا ولم سنظل نصغي للبوَّ وهو يرطن. وعَطفَ اللّه تعالى بقلب السلطان على رَعِيّته إذا جعله عاطفاً رَحِيماً. وهو ما لم يحصل في تاريخ سلاطيننا المعاصرين من الرطّانين. وعطَف الرجل وِساده إذا ثناه ليرْتَفِقَ عليه ويَتّكِئ؛ وهو ما يفعله الرطّانون بشعوبهم. العأْطُوف: مِصْيَدةٌ وهكذا يمكن فهم لما كان المنعطف الحاسم مصيدة للشعوب دائماً إذا حاولت أن تتحرك والعَطْفةُ: خَرَزَة يُعَطِّفُ بها النساء الرجالَ. وفي التنزيل: ثاني عِطْفِه ليُضِلَّ عن سبيل اللّه؛ قال الأَزهري: جاء في التفسير أَن معناه لاوِياً عُنقَه،، وهذا حال الزعماء عندما يكون المنعطف الحاسم حقيقة فتراهم يتحدثون إلى الشعوب لاوين أعناقهم والعِطافُ: الرِّداء، والجمع عُطُفٌ وأَعْطِفة، وقيل: المَعاطِفُ الأَرْدِيةُ لا واحد لها، واعْتَطَفَ بها وتعطَّف: ارْتدى. والعَطَّاف: في صفة قِداح المَيْسِر، وهم يلعبون ليس بثروات الشعوب بل حتى في الناس عبر حروب ومغامرات تزينها أهواؤهم.

وقال مرة: العَطَف، بفتح العين والطاء، نبت يَتَلَوَّى على الشجر لا ورق له ولا أَفنان، ترعاه البقر خاصة، وهو مُضِرّ بها، ويزعمون أَن بعض عروقه يؤخذ ويُلْوى ويُرْقى ويُطْرَح على المرأَة الفارك فتُحب زوجها. وبظني أن هذا يكفينا عن مزيدٍ من الشرح فنحن نعيش على هذا المنعطف الحاسم منذ أمد لا ندري بدايته ولا نهايته يطعمه ويسقيه لنا الحكام ويغرقونا به أيضاً حتى نغرغر متخذين هذا الأمر خياراً حاسماً لاستمرارهم وتبدو نتائجه لهم زْيْنَةْ (جيدة بلهجة البادية في أي مكان عربي) و الحَسْمُ: القطع، حَسَمَهُ يَحْسِمُهُ حَسْماً فانْحَسَمَ: قَطعه. وحَسَمَ العِرْقَ: قطعه ثم كواهُ لئلا يسيل دَمُهُ، وحَسَمَ الداءَ: قطعه بالدواء. وفي الحديث: عليكم بالصوم فإنه مَحْسَمةٌ للعِرْق ومَذْهَبَةٌ للأَشَرِ أَي مقطعة للنكاح. والحُسامُ: السيف القاطع. وسيف حُسامٌ: قاطع. وحُسامُ السيف: طرَفُهُ الذي يُضْرَبُ به، سمي بذلك لأَنه يَحْسِمُ الدم أَي يسبقه فكأَنه يكويه. وهكذا يبدو جلياً كيف جمع الرطّانون وأشياعهم ومن سار ورائهم بين المنعطف الذي تبينا معناه و الحاسم ببلادة لا يرف لها جفن فإذا كان المنعطف حاسماً فلمَ يتكرر كل حين ولمَ يستمر كل هذا الزمن ولمَ لم يتم حسم هذا المنعطف الخطابي اللغوي إذ أن الحَسْمُ: المنع. وحَسَمَه الشيءَ يَحْسِمُهُ حَسْماً: منعه إياه. والمَحْسُومُ: الذي حُسِمَ رَضاعُه وغِذاؤُه أَي قُطِعَ. ويقال للصبي السَّيِّء الغذاء: مَحسُومٌ. وتقول: حَسَمَتْه الرَّضاعَ أُمُّه تَحْسِمُهُ حَسْماً، ويقال: أَنا أَحْسِمُ على فلان الأَمر أَي أَقطعه عليه لا يَظْفَرُ منه بشيء. وفي هذه الحال فإن المحسوم هي عائدة لنا كأفراد نشكل مجموعين (واحدات) محسومة من لدن زعمائنا إلا أن quot; لسان العرب quot; يأبى إلا أن يعيد الرطانة إلى أصل واضح لا لبس فيه فـ الحُسُوم: الشُّؤْمُ. وأَيام حُسومٌ، وصفت بالمصدر: تقطع الخيرَ أَو تمنعه، وقد تضاف، والصفة أَعلى. وهكذا يتبين كيف تم تركيب المنعطف الحاسم من الرطّانين وهم لم يتبينوا أنها تعني quot; حقيقتهم quot; التي كانوا يعنون عكسها في التموضع اللغوي المعاصر في خطاباتهم وفي التنزيل: سَخَّرَها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أَيامٍ حُسوماً؛ وقيل: الأَيام الحُسومُ الدائمة في الشر خاصةً، إذا تَتابع الشيءُ فلم ينقطع أَولهُ عن آخره، قال الجوهري: يقال الليالي الحُسُومُ لأنها تَحْسِمُ الخير عن أَهلها، إذاً هذه هي المنعطفات الحسوم التي قالوا لنا بها وقال مُهَلْهِلٌ:
َليْلَتَنا بذي حُـسُـمٍ أَنِـيري، إذا أَنْتِ انقضيْتِ فلا تَحُوري

والمنعطف الحاسم تسلل إلى كل حديث وquot;خطابquot; ثقافي، فالمسرح والشعر والنقد والـ.. (العربي) في كلَّ آن تمر به كحال كل الأمة إلا أن الأطرف فهو تسلله إلى quot;الخطابquot; الرياضي إذ يستعير محللو الرياضة من رطانات quot;السياسيين quot; دائماً فيقولون (... إن التصفيات النهائية لـ الدوري العربي تمر الآن بمنعطفٍ حاسم وسيتحدد على إثر هذه المبارة من سيتأهل لـ...) إلا أن الأمر في الرياضة فعلاً يتحدد بعد المبارة فلا تبقى جماهير الكورة (بلهجة أهل الخليج) تنتظر نصف قرن ونيف في المنعطف الحاسم.
وحِسْمَى، بالكسر، أَرض بالبادية فيها جبال شَواهِقُ مُلسُ الجوانب لا يكاد القَتامُ يفارقها. فـ quot; لسان العربquot; حتى في تسمية المكان يوضح لنا حال الأمة.. أليس هو لسانها؟
أشهر المنعطفات quot;الحاسماتquot; التي مرت على العرب في العصر المعاصر الراهن:
قادسية صدام المجيدة، أم المعارك (الكبرى) التي قادها صدام المجيد، غزوة نيويورك التي قادها بن لادن، معركة أم الحواسم (الكبرى أيضاً) التي قادها الصحاف، الغزوات المتكررة للزرقاوي بالسيارات المفخخة في العراق وغزوته لقتل العقاد وابنته وآخرين في الأردن، المؤتمر الأخير للبعث السوري، تقرير ميليس الأول بخصوص اغتيال الحريري، تقرير ميليس الثاني، تقرير خليفة ميليس الرابع، أي خطاب لأي زعيم عربي، أي زيارة لأي مكان لأي زعيم عربي، ظهور قناة الجزيرة، ظهور أي محلل عربي على قناة الجزيرة كعماد فوزي الشعيبي ومصطفى بكري و...، زواج هيفا وهبي، وآخر أغنية لعلي الديك (كل تقريرك يا ميليس حقو فرنكين وفلس) و شريط أبو عدس على الجزيرة...