عطفاً على مقال الأستاذ الإعلامي تركي الدخيل (اللهم ألعنهم) في جريدة (الإتحاد) والذيّ أعادت (إيلاف) الغراء نشره في باب (جريدة الجرائد)، والذيّ سردّ فيه بعضّ (وأكاد أجزم هنا: ليسّ كل..) مشاهداته أيامّ غربته عن وطنه، حينمّا كان يأم جامع شمال غرب أميركا للصلاة مع جمهرة من المسلمين القاطنين في تلك الأنحاد القصية، وكيف كانّ الإمام يوزع لعناته التكفيرية "جرياً على عادة إسبوعية" على اليهود والنصارى (أو أحفاد القردة والخنازير في المفهوم الإصولي الفاشي) على مٌضيفيه الأميركان راجياً من ربه أن يٌمطرهم بغضبه و"طيور أبابيله" ويجعلّ من بلادهم قاعاً صفصافاً تذروها الرياح...
ويتابعّ الزميل الدخيل إنه كان يتذمر من تلك الدعوات التي تٌغدق على الأميركيين لعناً وطعناً، وإنه كان يتألم لرؤيته"أميركيين دخلوا إلى الإسلام تواً، و"يسرح متأملاً في وقع هذا اللعن عليهم، وهو يصيب أمهاتهم وآباءهم وربما زوجاتهم وأصحابهم وزملاءهم في الحياة والعمل!". والحال، إنه وبعد الهجمات الإرهابية على أميركا وتوجس الجاليات العربية المسلمة من غضب الشعب الأميركي والخوف من أن يردّ الأميركان بضاعة العرب إليهم وبنفس الشكل الهمجي الذي وقعّ على بلادهم في 11/9 فإن الكثير من المياه جرت في أقنية علاقات الجاليات المسلمة مع الحكومة الأميركية، حيثّ أغلقت هذه الأخيرة ونظيراتها الأوروبية العديد من المراكز اللوجستية الداعمة للإرهاب في هذه البلاد (والتي كان المسلمون يتبرعون إليها بحسن طوية فاعلي الخير، غالباً...) كمّا طردت الحكومات الغربية بعض دعاة الإرهاب وناكري الجميل من الدعاة والوعاظ الدينيين. ففي ألمانيا حيث شددّت الحكومة الألمانية إجراءات مراقبتها للمساجد والجمعيات الإسلامية (وعلى رأسها جمعية مللي غورش التي وصفتها أجهزة حماية الدستور الألماني بإنها منظمة تابعة للإخوان المسلمين وتعمل على بث روح العداء والكره إزاء الشعب الألماني) وطردت العديد من الأئمة الذين حرضوا ضد الغرب و"الصليبيين" جهاراً نهاراً وعلى عينك يا تاجر (مثل صاحبنا التركي الذي وصفّ الألمان بالكفرة والخنازير وذوي {الروائح الكريهة}، ولم يعلم برصد كاميرات إحدى القنوات التلفزيونية الألمانية له، حيثّ تراجعّ بعدّ لأي صاغراً قبل أن يٌطردّ من ألمانيا شرّ طردة).
وشخصياً ونتيجة السفر الدائم بحكم عملي في القسم العربي في الفضائية الكردية (روج تفي) ألتقي بالكثير من الإسلامويين وأنصافهم، والذين ما أن يروك ذا ملامح شرق أوسطية، حتى يهرعوا إليك يدفعهم شبق التبشير بالدعوة والحديث المكدر عن "أحوال الأمة".
وأثناءّ المحاورة (التي تبدأ ما أن تردّ بعبارة... وعليكم السلام!) تجد هؤلاء البشر يحملون كماً هائلاً من الحقد على أوروبا وحضارتها (التي يعيشون بين ظهرانيها مٌعززين مكرمين محفوظيّ الكرامة) وأغلبهم ـ للأسف ـ أيدوا و يؤيدون (وإن كان بأضعف الإيمان) إرهاب القاعدة في نيويورك ومدريد وبغداد.
وذات مرة حلقّ أحد الأئمة الأتراك حولي وأنا جالس في القطار السريع المنطلق لبروكسل، فلما أشرتٌ إليه بالجلوس بدأ بالنواح على "أحوال الأمة" و"أفاعيل الغرب الكافر" والحكام المسلمين المرتبطين به (والذين هم أيضاً بالضرورة من إصول يهوديةـ صليبية). ولمّا حدثته عن رأيه في مسألة إنضمام تركيا للأتحاد الأوروبي وأثر ذلك على الأتراك ومستقبلهم، نهضّ صاحبناً يخطب فيّ "إنها خطة صليبية تستهدف هوية الأمة التركية وتاريخها" و"إنهم، أي الغربيون، في النهاية يريدون إذابة المسلمين في الوسط المسيحي وإعمال التبشير بينهم"، ولمنع ذلك ودحر هذه "الهجمة الصليبية" إقترحّ صاحبي إنه"لابديل أبداً يا أخي عن دولة الخلافة الإسلامية"!!. وبعدّ أن إنتهى الرجل من خطبته (الغيرعصماء، حقيقة) طفقّ يحدثني عن عمله في تلقين الأطفال المسلمين في إحدى المدن الألمانية، وكيفّ إنه يفهمهم "الإسلام على إصوله" ويكرر عليهم "ضرورة ألا يندمجوا في المجتمع الألماني الكافر ويٌحافظوا على دينهم وهويتهم". ولكن للأسف ف"الأسيملاسيون: أي الإندماج، يبتلع الشباب المسلم يا أخي ويجعلهم ينسون دينهم وهويتهم ويتحولوا لألمان"!.
هذا الإنموذج غيض من فيض، وهناك الكثير من هذه الشاكلة ممن يلقنون أبناء المسلمين المهاجرين التفسير الإصولي (الذي ينتج الإنموذج الإرهابي غالباً) للإسلام.
وهؤلاء مٌرسلون من دولهم وجمعياتها ولايفقهون من لغة البلد المضيف شيئاً. فيقعدون وينكفئون على أنفسهم في البيئة الجديدة همهم بث البغضاء والكره بين العمال واللاجئين المسلمين وجرّهم لأساطير الحروب الدينية وأجواء "المؤامرة الكونية على المسلمين".
وجود مثل هؤلاء، تتحمل مسؤوليته الدول العربية والإسلامية التي إنصاعت لخبل الجماعات الدينية الإخطبوطية، وفصلّت برامجها التعليمية وفق أهوائها طمعاً في نيل رضاها وصرفها عن التفكير في السياسة و"الأمور الدنيوية". كمّا تتحمل مسؤوليته الدول الأوروبية التي تركت الأمور على عواهنها وغضت الطرف عن الأنشطة الدينية المشبوهة، تحت حجج التسامح والحرية الدينية وأخيراً..."حوار الحضارات"!.
وعليه، أصبحنا نرى السيد طارق رمضان الند المقابل في المؤتمرات الحوارية مع المسلمين في الغرب، وهو الذي يٌبشر ب"الإسلام الأوربي"، وماأدراكّ ما هو الإسلام الأوروبي؟.
إنه هو "الإسلام" الذي لايختلف كثيراً عن الإسلام الأوروبي الذي إقترحه الزعيم الإصولي التركي نجم الدين أربكان ذات مرة حينمّا أوضح بالفم المليان "إننا نهدف للتجذرّ في القارة الأوروبية والعمل بصمت، وحسب القوانين المرعّية، لنرى أوروبا بأكملها ذات يوم...مسلمة!".
ول"حوار الحضارات" هذا...بقية!.

صحافي كردي مقيم في ألمانيا
[email protected]