كتبت مرارا في مقالاتي الأخيرة بأنه آن الأوان لمزيد من الصراحة والوضوح في كتاباتنا نحن الكتاب العراقيين المعنيين حقا بالتحول الديمقراطي في الوطن، سواء كنا من عائلات شيعية أو سنية ومن أديان مختلفة. إن الوضع العراقي يسير من تأزم لآخر، وعلى الأخص تصاعد الإرهاب الفاشي الصدامي البعثي والأصولي الزرقاوي اللادني.
لقد أخذ هذا الإرهاب الوحشي الدموي يتوجه أكثر في أكثر نحو السكان الشيعة وعلى الهوية المذهبية، فضلا عن جنودنا وقوات الشرطة. إن الإرهابيين في هذا ينطلقون من رغبة قاتلة لمنع وإجهاض كل خطوة نحو الديمقراطية والتعميروتقوية المؤسسات والجيش والشرطة، ولاستعادة حكم الطغيان الفاشي. ولكن الإرهابيين ينطلقون أيضا من طائفية حادة جدا لكي يثيروا كما يأملون حربا طائفية تشعل البلد وتفسح المجال لمزيد من تدخل الدول المجاورة وما يعنيه من خطر تمزيق العراق ووحدة أبنائه.
إن الفاشية الصدامية والأصولية الزرقاوية الفاشية لا تحتاجان للحجج لمواصلة حربهما الدموية ضد شعبنا وطموحه الديمقراطي وضد خطوات تحسين أوضاع الشعب. قيادة البعث الصدامي المتواجدة قيادته الفعلية في سوريا لا تريد إزالة احتلال ولا إنصاف السنة، وإنما همها أولا وأخيرا هو عودة نظامهم المنهار وامتيازاتهم وسيوفهم المسلطة على الرقاب ومقابرهم الجماعية. أما الأصولية الفاشية البن لا دنية فإن جميع أقنعتها باتت مكشوفة إلا لدى السذج وعند المبتلين بالإيديولوجية الإسلامية المتطرفة وبحلم قيام نظام إسلامي في العالم أجمع! إن هذا الإرهاب نفذ الجرائم قبل الحرب الأفغانية وحرب إسقاط صدام، وهو قد نفذها في العشرات من بلدان العالم ومنها عربية وآسيوية. وفرنسا التي لا قوات لها في العراق عرفت العمليات الإرهابية الإسلامية منذ 1986 وفي 1995 حيث تفجرت جرائمهم في باريس ومحطات المترو بالذات وقبل تفجيرها في محطات وحافلات لندن. إنها حرب دولية حقا تمارسها شبكات الإرهاب الإسلامي الذي تحول لأكبر خطر يهدد الديمقراطية والحضارة والبشر في العالم.
تلكم حقائق أولى نعيد التأكيد عليها مجددا لكي ننتقل لدور الأداء السياسي الشيعي العراقي في تغذية وتشجيع هذا الإرهاب الفاشي المزدوج وحقن تضليلية جديدة، وخصوصا تخويف عامة السنة وكسب شرائح جديدة منهم لصفه.
إننا نعلم أن أعوان مقتدى الصدر كانوا أول من سنوا الاعتداءات على مساجد للسنة وحيث طلب السيد السيتاني إعادتها لأصحابها الشرعيين. وهؤلاء مع شرائح من ميليشيا بدر مارسوا عمليات اغتيال متكررة في بغداد والجنوب ضد أعضاء سابقين في حزب البعث أو مخابراته أو من اتهموا بذلك، وحيث اقترنت أيضا بأعمال ثار وانتقام شخصيين. والأحزاب الشيعية هي التي اقتحمت المستشفيات والكليات حال سقوط صدام لفرض شعائرها وشعاراتها ومفهومها المضلل للدين، وهي المبادرة للاعتداء على المسيحيين والصابئة المندائيين وعلى النساء السافرات وحتى المسيحيات. هذه ممارسات هوجاء تذكرنا بممارسات مماثلة خلال انتفاضة 1991 العفوية ضد صدام، وهي ممارسات اقترنت بتدخل إيراني في الجنوب، ورفع شعارات ولاية الفقيه والولاء لخميني. وكل هذا هو الذي حمل بوش الأب على التراجع عن تأييده العلني لثورة شعبية على صدام خوفا من استئثار إيران بمقدرات العراق وتهديد الجيران. والمؤسف أن أية مراجعة ونقد ذاتي لتلك الأخطاء لم يجريا بل هناك تواصل مؤلم وعلى نطاق أوسع. وقد كان مطلوبا من الأحزاب الشيعية الحاكمة أن تضرب المثل على التسامح واحترام ما سبق أن اتفق عليه في عهد المعارضة مع بقية القوى الوطنية. غير أن ما تم هو التراجع المراوغ أو المكشوف، كما في القرار 137 ضد المرأة، والتشكيك في دستور مؤقت وقعوا عليه، ومحاولة مسخ مبدا الفيدرالية. وفي الشهور الأخيرة اتسعت هذه الممارسات بالمطالبة بدستور إسلامي وجمهورية إسلامية خلافا لجميع ما كانوا يعلنونه سابقا. أما التدخل الإيراني فقد تفاقم أكثر فأكثر في مناطق الجنوب، ويقال إن إيران تصرف أكثر من 20 مليون دولار أسبوعيا على بعض التنظيمات والميليشيات الشيعية وبعض رجال الدين، إضافة لدورها السافر في ظاهرة مقتدى الصدر، الذي يطالب اليوم برحيل القوات متعددة الجنسيات ويعتبر وجودها هو أم المشاكل العراقية وأبوها وجدها كمان!
لقد كان تأسيس ما سمي بالبيت الشيعي بادرة طائفية خطيرة، وهو نفس البيت الذي عمل على إنقاذ جيش المهدي في النجف بعد فتنته الدموية التي راح أبناء الشيعة هم ضحايا، والتي جاءت بعد فتنتهم في كربلاء، وحيث ضربوا حتى منائر المراقد الشيعية المقدسة. بل وقد أدخلوه في قائمة السيد السيستاني الانتخابية ليحظى بالعديد من النواب وبمراكز وزارية.
هذه الممارسات وغيرها قد أعطت الإرهابيين الصداميين والزرقاويين حججا جديدة رغم أن حججهم لا تنتهي، ليمارسوا ويصعدوا عملياتهم الإرهابية الوحشية التي لم يسلم منها الأطفال ولا المساجد الشيعية. وهذا هو مقتدى الصدر نفسه المحتمي ب"البيت الشيعي" يسمي هذا الإرهاب بالمقاومة ضد الاحتلال، مثلما هب مرارا لمساعدة الفتنة الصدامية ـ الزرقاوية في الفلوجة.
يضاف لما مر رفض الحكومة فضح الدول المساندة للإرهاب والتي تتدخل في الشأن العراقي وخصوصا سوريا وإيران، وعدم الإقدام على فضح هذد الدول عالميا بالوثائق والبينات ومطالبة مجلس الأمن بوقفها عند حدها. وبدلا من ذلك تزداد المجاملات الحكومية لإيران، التي ترفض حتى اليوم إلغاء التعويضات، مع أن بلدان "الكفر " الغربية ألغتها أو خفضتها بدرجة كبرى. وفوق ذلك يأتي السيد خامنئي ليوصى رئيس الحكومة العراقية بوجوب أن يكون الدستور العراقي إسلاميا، بدلا أن يقدم له وللشعب العراقي هدية إلغاء التعويضات التي تقدرها إيران بمائة مليار دولا فقط!!
وفوق هذا وذاك، أتت الأنباء بأن المناهج الدراسية العراقية راحت تدرّس بأن العراق وحده مسؤول عن حرب الثماني سنوات. وهنا، إذا كان نظام الطاغية صدام مسؤولا بحق عن إشعال الحرب، فإن إيران تتحمل المسؤولية الرئيسية عن مواصلتها سنوات أطول بعد أن حررت أراضيها من قوات الغزو، وإذ رفضت كل القرارات الدولية والمناشدات لوقف الحرب والعودة لمائدة المفاوضات، على الأقل لإحراج صدام وكشف كل أوراقه؛ بل إن إيران راحت تتعاون مع صدام بعد قتل الانتفاضة، خصوصا في مجال تهريب النفط. وكانت إيران في مقدمة الدول الرافضة والمعارضة لحرب تحرير الشعب العراقي من الجلاد الذي سبق أن اعتدى على الشعب الإيراني والشعب الكويتي.
إن النخب السياسية والدينية الشيعية مطلوب منها أن تعمل قبل فوات الأوان وبكل السبل لإنقاذ العراق من مخاطر الحرب الأهلية والتقسيم، وذلك ليس فقط بتنشيط الحملة ضد الإرهاب، وفضح دعايات الإرهابيين للتأليب ضد الشيعة وكسب شرائح واسعة من السنة العرب، بل وأساسا بالتراجع عن سياسة الاستئثار والهيمنة، والوفاء لقانون الإدارة ولما تعهدت به قبل سقوط صدام، ونبذ هدف دستور وجمهورية إسلاميين. وبهذا يسحب البساط من تحت أقدام الإرهابيين ونكسب مزيدا من الدعم السياسي والإعلامي الدولي. فهل هي فاعلة ذلك؟؟!!
وأخيرا إن المطلوب أيضا وأولا تشكيل جبهة كل القوى التي تريد الديمقراطية ونظام حقوق الإنسان، والمعادية لكل تمييز ضد المرأة أو على أساس الدين والمذهب والقومية. وسبق أن كتبت أن جبهة كهذه لن تكون موجهة ضد الحكومة ولإحراجها، بل لدعم كل الجهود لضرب الإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى لممارسة ضغط سياسي ودعائي ومعنوي قوي على النخب الشيعية الحاكة لتصحيح الخطأ والعمل المخلص من أجل نظام ديمقراطي وفيدرالي مدني قائم على مبادئ لائحة حقوق الإنسان، ومن أجل خلق الشروط اللازمة لانسحاب القوات الأجنبية في الوقت المناسب لمصلحة الشعب ولاستكمال السيادة الوطنية.