-1-

منذ اللحظة الأولى لسقوط صدام حسين اكتشفنا أن العرب السُنَّة في العراق كانوا ضد تحرير العراق من حكم الطاغية. وكانوا صادقين مع أنفسهم ومع العالم. وكان لديهم الحق من وجهة نظرهم في هذا الموقف.
فالسُنَّة العرب كانوا هم طبقة النبلاء في عهد صدام، وباقي الشعب العراقي من العبيد.
والسُنَّة العرب كانوا أولاداً من أمهات الحرائر، وباقي الشعب العراقي كانوا من أمهات الإماء.
والسُنَّة العرب كان لهم ثروة العراق، وبترول العراق، ونحيل العراق، وماء العراق، وباقي الشعب العراقي كان لهم غبار العراق، وعرق العراق، وعذاب العراق.
والسُنَّة العرب كان لهم صدر العراق، وباقي الشعب العراقي كان له قبر العراق.
كان الوالد الأكبر والراعي الأعظم لسُنَّة العراق العرب هؤلاء هو الطاغية. وكان حقاً على السُنَّة العرب عندما انهار حكم الطاغية، أن يكونوا أوفياء لعهده، خُلصاء لأيامه، شهداء في سبيله.

-2-
هذا كله مفهوم للعقلاء والأغبياء، للأطفال والرجال. ولكن غير المفهوم على الإطلاق هو أن يقف العراق كله.. العراق كله بكرده وشيعته، بعربه ويهوده، بمسيحيه ومسلميه، على قدم واحدة بانتظار البركة العربية السُنيّة، لكي يسير العراق حثيثاً في الطريق الجديد.
فهل كان الشعب العراقي ودول التحالف والعرب من خلفهم بسطاء وسُذَّجاً ومغفلين إلى الحد الذي اعتقدوا بأن السُنَّة العرب في العراق سوف يدفنون أباهم الأكبر وهبلهم، وينسون قتلته وقتلة أبنائه، ويعفون ويصفحون ويضعون أيدهم في أيدي باقي الشعب العراق لاعمار العراق من جديد وبنائه واسترداد مجده؟

-3-
كان من البلاهة بمكان أن نظن ما كنا نتوقعه من السُنَّة العرب العراقيين.
بل إنني لا أغالي إذا قلت بأن ما فعله السُنَّة العرب العراقيين في العراق من تأليب العصابات الإرهابية منذ اليوم الأول لانهيار حكم الطاغية ، ومن تسليح الإرهابيين، ومن الامتناع عن المشاركة في أية هيئة حكومية في العراق الجديد، ومن مقاطعة لمجلس الحكم، ومن مقاطعة للانتخابات، ومن قتل للشيعة والأكراد، ومن اعتداء ونهب وحرق وتدمير للمساجد والكنائس والمدارس، كان أقل من القليل الواجب فعله تجاه فقدان المُلك العراقي، وخلع السلطان الأعظم.
والسُنَّة العرب العراقيين هم الذين اقاموا العراق ولم يقعدوه، بعد تحطيم صنم هًُبل في الفتح الثاني. فشكلوا الجماعات الإرهابية القاتلة كـ "جماعة أنصار السُنَّة"، و "الجيش الإسلامي السري"، و "جيش محمد"، و "جماعة أنصار الإسلام"، و "جيش المجاهدين"، و "كتائب ثورة العشرين"، و "جماعة القاعدة في بلاد الرافدين"، و" المقاومة الإسلامية الأصولية"، و "المقاومة المسلحة للمسلمين الصوفيين". وقد تعمّدت أن أعدد هذه الجماعات واحدة واحدة، لكي يدرك القارئ أحجام أسراب الجراد وخطورتها التي تقوم بغزو العراق. وليعلم القارئ أن هذا ما ظهر لنا من أمر بلاء الجراد، أما ما خفي فهو أعظم وأشد فتكاً.
وكان الله في عون العراق.
ففي كل يوم يفقّس العرب السُنَّة في العراق جماعة جديدة لمحاربة الحكومة المنتخبة، وقتل الرئيس المنتخب، وتمزيق الدستور، والبصاق على الفيدرالية التي تليق بالعراق ولا يليق العراق بها، لأن قطار الديمقراطية لم يصل بعد بكافة عرباته إلى المحطة العراقية. فلا فيدرالية دون ديمقراطية، ولا ديكتاتورية مع الفيدرالية. والفيدرالية تعني الحداثة في أسمى صورها.
العرب السُنَّة في العراق كأسراب الجراد، الذي يأكل في طريق الأخضر واليابس، ويترك الأرض قاعاً صفصفاً. فلقد أكلوا الأخضر واليابس في العراق وتركوه قاعاً صفصفاً.

-4-

العرب والعالم يتصورون بأن الفجر لن ينبلج بدون السُنَّة، وأن الشمس لن تشرق بدون السُنَّة، وأن السماء لن تمطر بدون السُنَّة، وأن الربيع لن يأتي بدون السُنَّة، وأن وأن وأن.
ولكن العراق تحرر بدون السُنَّة ورغماً عن أنوفهم وما نفعت معارضتهم ولا ميليشياتهم. والانتخابات جرت بدون السُنَّة، رغم أنهم وقفوا باسلحتهم كقطاع الطرق يمنعون العراقيين من ممارسة حقهم في اضاءة قنديل الديمقراطية وشمعة الحرية. والحياة تسير في العراق دون السُنَّة، رغم أنهم حاولوا ونجحوا في "المثلث السُنيّ" من تدمير الحياة في العراق.

-5-
واليوم يقف السُنَّة العرب العراقيين في حلق الدستور العراقي كالشوكة في الزور، ولكن الشعب العراقي العظيم بحلقه الواسع الذي ابتلع الديكتاتورية والطغيان، قادر على ابتلاع شوكة السُنَّة العرب بسهولة، كما سبق وابتلع شوكاً كثيراً وغليظاً في العامين الماضيين، وفي هذا العام كذلك.
اليوم يقف السُنَّة ضد الدستور العراقي، وهو موقف ليس بخاف على أحد. فالسُنَّة منذ 1400 هم ضد الدساتير الموضوعة حتى ولو كان 999 و 99 بالمائة من مواد هذا الدستور من القرآن والسُنَّة. فلا دستور لدى السُنَّة غير كتاب الله ذاته. فكل موضوع ممنوع ومبغوض. إلا أن السُنَّة وحكام السُنَّة، لا يعملون بكتاب الله ، ويتخذون منه زينة، وبهرجة، ومظلة، وستر عورة.

-6-
السُنَّة الآن يرفضون ببلاهة، الفيدرالية (أرقى نظام سياسي في العالم) كما رفضوا بالأمس الديمقراطية.
بل إن الفيدرالية في واقع الأمر ، هي التي ترفضهم.
لماذا؟
لإن الفيدرالية تعني نهاية استبداد فئة بأخرى، وقد اعتادت السُنَّة العربية في العراق، أن تستبد بباقي فئات الشعب العراقي. وبلغ هذا الاستبداد أوجه في عهد الطاغية صدام.
ولأن الفيدرالية لا تصلح للمجموعات المتخلفة، سدنة الديكتاتورية، وعبدة المستبدين الطغاة.
كيف تصلح الفيدرالية للسُنَّة الرافضة لكل حداثي وحديث، وهم قوم متخلفون لا يرقون إلى مستوى الشعب الكندي الفيدرالي، ولا إلى مستوى الشعب السويسري والنمساوي والألماني والبلجيكي الفيدرالي ؟ بل هم لم يرقوا إلى مستوى الشعب الهندي والمكسيكي والبرازيلي الفيدرالي.
الفيدرالية تستعصي على فهم ووعي العرب السُنَّة العراقيين.
السُنَّة العرب في العراق هم من دعاة الاستبداد ويرددون علينا : "أطع حاكمك ولو جلد ظهرك وسرق مالك".

-7-
الباحث السياسي كينيث بولاك صاحب أول كتاب عن (الشارع العربي)، كتب مقالاً في "النيويورك تايمز" حدد فيه خمس طرق لتحقيق النجاح في العراق:
أولاً: التركيز على سلامة المواطنين، وتوفير الحوافز السياسية والاقتصادية التي تجعلهم يعارضون التمرد.
ثانياً: توفير القوة البشرية اللازمة لإنجاز المهمة.
ثالثاً: تجاوز بغداد حيث أصبحت بغداد تمثل عنق زجاجة لكل ما يجري في العراق.
رابعاً: قياس الشعبية الحقيقية للأحزاب المشاركة في الحكومة.
خامساً وهو الأهم: شراء شيوخ السُنَّة العرب. فليس هناك أدنى شك في أن اجتذاب السُنَّة العرب، وعلى وجه الخصوص القبائل التي تعتبر الداعم الرئيسي للتمرد، والسماح لها بالانضمام للحكومة العراقية، وجعلها تشعر بأنها تمتلك نصيباً في النظام يمثل عاملاً مهماً للغاية في تحقيق الاستقرار الطويل الأمد.
ويقول بولاك: "شراء الأعداء قد يبدو للوهلة الأولى تقليداً غير أميركي. ولكن الحقيقة هي أنه تقليد قديم في العراق. فطيلة التاريخ الحديث للعراق، كان شيوخ القبائل العراقيين من السُنَّة العرب، يحصلون على الأموال من القابضين على السلطة في بغداد، سواء كانوا من الأتراك، أو الإنجليز، أو الطغاة البعثيين. ومما يشجع على اتباع هذا النهج أن بعض شيوخ القبائل السُنَّة العرب، قد قاموا بمبادرات للاتصال بالسلطات الأميركية، والحكومة العراقية، يعرضون فيها حفظ السلام في مناطقهم، مقابل دفع الثمن المناسب".