في عراق اليوم الذي رسمت معالمه حرب (حرية العراق)، أينما تولي وجهك ثمة (سفير) أو (وزير) أو (مدير) أو (أمين عام) كردي!!، وفي الجانب الآخر أينما أستدرت ثمة (جثث) و(مآتم) و(لطميات) و (مواكب عزاء) شعبية شيعية!! وأحزان وجثث ممزقة ورؤوس مقطوعة وحيث يتبارى أهل الإرهاب الزرقاوي والسلفي في تقطيع أوصال (الروافض)!! كما يقولون!! وفي ظل إستكانة وصمت غريبين من جميع المرجعيات الإسلامية التي لم تتوقف كثيرا عند (مقاتل الشيعة) وتصفيتهم على الهوية؟، الإخوة الأكراد عبر أحزابهم وقياداتهم المتفتحة والناهلة من فكر الحضارة والتمدن يبذلون الغالي والنفيس من اجل رفعة قومهم وتنمية وتطوير شعبهم، بينما تتحرك (العمائم البيضاء والسوداء) وفق برامج (تنموية) وأساليب (تعليمية) وحكم ومواعظ فلسفية يعود أحدثها للقرن الرابع الهجري أي قبل إثنا عشر قرنا ويزيد!.. يحزن قادة الكرد وينتفضون لهيبة ودماء وتضحيات شعبهم، بينما يتصرف قادة الجماعات الشيعية وفق منطق أساسه أن (الشيعي هو مشروع شهادة)!! وإن (قرابين فقراء الشيعة هي هدايا لصاحب الزمان)!! قد يصعق البعض من كلامي هذا!! وسأرمى بمختلف التهم والإفتراءات لعل أقلها الإتهام بالوهابية (نسبة للموسيقار محمد عبد الوهاب)!! وليس للشيخ الحنبلي المعروف!! فأنا علماني الإتجاه لا تهمني مثل تلك التصانيف؟ ولكن بربكم أليس ما قلته هو الحقيقة العارية التي يخجل أو يخاف و يحجم عن قولها غالبية أهل القلم من العراقيين من النخبة الشيعية المثقفة خصوصا الذين يمارسون التقية في التعبير عن آرائهم، ويؤثرون السلامة في وضع عراقي طائفي محتقن لم يعد يحتمل المزايدات والمساومات!، خصوصا وأن المراهنات على إشعال فتيل الحرب الأهلية قد قطع مراحل متقدمة مع إمتداد أخطبوط إرهاب السيارات المفخخة لمدينة البصرة لتشمل أحياء فقراء الشيعة ومحروميهم في حي الحسين (الحيانية) وأماكن أخرى؟ مع قيام عصابات طائفية مدعومة من الأجهزة السرية الإيرانية في قيادة مخطط تهجير السنة وإغتيال بعض عناصرهم وتعكير جو الألفة الطائفية المستمر منذ قرون بين شيعة البصرة وسنتها، فالسنة في البصرة يشكلون نسيج إجتماعي مهم للغاية، وهم ليسوا أقلية طارئة على الإطلاق وأعتقد أن كل من يعرف البصرة يعلم أن في (الزبير) و (صفوان) و (الفاو) و(أبي الخصيب) وغيرها تتواجد نسب سكانية كبيرة وأنا شخصيا أنتمي لوالد سني ولوالدة شيعية أي أن السنة هم (الأعمام) و الشيعة هم (الأخوال)! ولم أشعر في حياتي بوجود توتر من أي نوع من شأنه تعكير العلاقات الإنسانية والعائلية، فإن يكون المرء شيعيا أو سنيا فالقضية أشبه بأن يكون المرء شيوعيا أو قوميا.. لا أكثر ولا أقل؟ ولكن العصابات الطائفية التي تهيمن على مفاتيح الحياة السياسية والأمنية في البصرة اليوم وجلهم كان ينتمي لفرق وعصابات البعث البائد وأجهزته الأمنية والمخابراتية لهم رأي آخر وسياسات مبرمجة وفق أجندات تدميرية للمجتمع العراقي المتنوع! والبصريون يعرفون جيدا بأن العديد من أهل التقوى والفضيلة ولابسي العمائم المنافقة اليوم كان بعضهم راقصا وعازفا وشاعرا في فرق نظام البعث البائد!! ولكنها الهوجة الجاهلية والهجمة البويهية/ الصفوية التي خلطت الأخضر باليابس؟ ليتحول جلادو الأمس القريب لدعاة (المهدي المنتظر) اليوم!! في أكبر عملية نصب ونفاق في تاريخ العراق الحديث وهو تاريخ عريق مليء بكل صنوف وأشكال النفاق التي أفاضوا (أئمة أهل بيت النبوة) في الشكوى منها؟.
وطبعا فإن الحديث عن مآسي شيعة العراق الذين تتلاعب بمقدراتهم قوى غير مسؤولة ولا أمينة لمعنى المواطنة يجرنا للحديث عن الصراعات الدموية والتصفوية الفظيعة بين عصابات (المجلس الإيراني الأعلى)! وعصابات البعث الشيعية الممثلة ب (مقتدى وشركاه من الخالصيين والكبيسيين)!!، وعمليات الموت المجانية والإعدامات والخطف بالجملة التي يذهب ضحيتها يوميا عشرات من الشيعة تقف خلفها تلك القوى المتنافسة والمخترقة من الجماعات السلف/ بعثية وبقايا تنظيمات المخابرات العراقية، ولقد تعرض الشيعة وما زالوا يتعرضون لحملات من الإمتهان والإبتزاز واللصوصية طاولت حتى الشعائر العبادية حيث يتنافس (الصدريون) و(البدريون) على (السقاية والرفادة) لمواسم الزيارة من أجل نهب (نذور) و(تبرعات) فقراء الشيعة! وحتى الإعلام العراقي الرسمي الفاشل والموجه طائفيا للأسف قد تحول لمواكب لطم مخجلة، وبات صورة غوغائية لعراق مغرق في التخلف والندب واللطم الشامل!! ولا أدري ما هو دور (هيئة الإعلام العراقية) التي ينحدر غالبية أعضاؤها من عناصر كانت مقيمة طويلا في عواصم الغرب! فهل تعلموا اللطم في حسينيات بريطانيا العظمى؟ وهل تحول شاعر قصيدة (من قاسيون أطل يا وطني فأرى بغداد تعانق الشهبا)!!ل(روزخون) ومتعهد لحفلات اللطم!! إنها مفارقة غريبة ومواقف مضحكة و محزنة تؤشر على حجم الفجيعة العراقية!.
في مقابل حروب أمراء الطوائف (الشيعية) والمستمرة فصولا مأساوية لا يعلم إلا الله مداها و أبعادها، كيف يتصرف الأكراد من خلال قيادتهم التي رغم صراعاتهم المستفحلة وإستمرار الإنشقاق بين (أربيل) و(السليمانية) يظلون في حالة بناء سياسي متواصل ومستمر وإتفاق شبه تام على تسلم المقاليد في الدولة العراقية من خلال أعلى المناصب الداخلية والخارجية، فغالبية سفراء العراق الجديد هم من الأكراد! حتى أن عواصم خليجية مهمة سيشغل السفارات العراقية فيها سفراء من الأكراد! ومن أقصى المغرب العربي وحتى الشمال الأوروبي هنالك كفاءات كردية تشكل لولب الدولة العراقية الراهنة دون أن يغفل الأكراد أيضا تهيئة الظروف وتوطئة الموقف الستراتيجي لإحتمال إقامة (دولة كردستان الجنوبية المستقلة) في القريب العاجل والتي قد تشكل البداية لقيام (كردستان الكبرى)!! بينما يكتفي قادة (العمائم الشيعية المقدسة) بحث أتباعهم على (طقوس الموت المجانية) و إنتظار قرب قدوم (المهدي المنتظر) الذي وحده سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا!! وهي القضية التي ظلت تخدر الملايين منذ قرون وحولها اليوم أهل العمائم لمهزلة حقيقية أمام شعوب العالم الحرة!... قولوا لي بربكم.. من هو الغبي؟ ومن هو الذكي؟.

[email protected]