الفردوس المفقود!
هناك حقيقة أخرى، على النخب العراقية السنية أن تحفظها عن ظهر قلب وترددها كالبسملة وهي، أن الدولة العراقية الحديثة التي تأسست في عشرينيات القرن الماضي، انتهت في التاسع من نيسان 2003 ، ومعها غابت، نهائيا، الرافعات التي كانت تقوم عليها: الجيش، الشرطة، أجهزة الأمن.
قد يطرح زعماء العراقيين السنة، هنا، أسئلة منها:
وهل كانت تلك الدولة حكرا على العراقيين السنة وحدهم، ومجرد بناية تابعة لدائرة الأوقاف السنية، أم أن جميع العراقيين شاركوا في بنائها وتنعموا بخيراتها، فتعلموا في مدارسها، وتعالجوا في مستشفياتها، وتعينوا في دوائرها، وبنوا مدنهم من خزينتها العامة ؟
هل كانت تلك الدولة ظالمة، فقط، لأن قادتها من العراقيين السنة، أم أن ظلمها ذو طبيعة سياسية نابعة، تاريخيا، من غياب المقومات الديمقراطية، ونابعة كذلك من الاختلافات الأيدلوجية السياسية والتي قادت إلى معارك سياسية ضارية حتى بين العراقيين السنة أنفسهم ؟ أو أليس صدام حسين وأحمد حسن البكر وحماد شهاب وصلاح عمر العلي وعبد الرزاق النايف وإبراهيم عبد الرحمن من العراقيين السنة العروبيين ومن سكنة المنطقة الغربية ؟ فلماذا، عندما وصلوا إلى السلطة عام 1968 صبوا عذابا لا يعرفه حتى ساكنو جهنم بحق طاهر يحيى وشامل السامرائي وشاكر محمود شكري وعبد العزيز العقيلي ونافع أحمد وعبد العزيز البدري وعبد الرحمن البزاز وعبد الكريم هاني، وهم عراقيون سنة مثلهم وعروبيون مثلهم ومسلمون مثلهم ويسكنون المنطقة الغربية مثلهم؟
ثم، ألم يشارك عبد مهدي المنتفجي في بناء تلك الدولة، بينما يشارك نجله هذه الأيام في رئاسة الدولة الجديدة؟
ألم يشارك أل الجلبي في بناء تلك الدولة، بينما يشارك نجلهم هذه الأيام في رئاسة حكومة الدولة الجديدة ؟
ألم يشارك أل الشبيبي في بناء الدولة السابقة، ويشارك نجلهم الآن في رئاسة البنك المركزي للدولة الجديدة؟
ألم يشارك علاوي الأب في بناء تلك الدولة، بينما يشارك نجله الآن في بناء الدولة الجديدة؟
ألم يشارك صالح جبر الأب في قيادة الدولة القديمة، بينما يشارك نجله هذه الأيام في العملية السياسية الجارية لتشكيل وبناء الدولة الجديدة؟
وقد يضاف إلى هذه الأسئلة سؤالا يطرحه، هذه المرة، فقراء العراقيين السنة ومستضعفوهم وهو:
إذا كانت تلك الدولة، منذ بدايتها الأولى، حكرا على العراقيين السنة وحدهم، فهل كان العراقيون السنة كلهم يتنعمون بنعيم واحد، والعراقيون الشيعة يعانون كلهم من عذاب واحد، تتساوى في ذلك النخب الحاكمة المتخمة الثراء وفقراء المدن والأرياف الذين كان مرض السل يحصدهم بالعشرات؟
أما كان العراقيون الشيعة والسنة يرددون "هوستهم" الشهيرة: "نوري سعيد القندرة وصالح جبر قيطانها"، وهم يعرفون أن الأول عراقي سني والثاني عراقي شيعي ؟
إن هذه الأسئلة ومئات مثلها هي، أسئلة منطقية ومشروعة، لكن المسألة هي أن هذه الأسئلة لم يعد لها معنى الآن، لأنها تتحدث عن ماء أريق وابتلعته الرمال. قد تكون هذه الأسئلة مفيدة لباحث أكاديمي، يعد بحثا عن طبيعة الدولة العراقية السابقة، لكنها تصبح بدون فائدة، لو تم اعتمادها، من قبل النخب العراقية السنية، كحجج في النقاشات السياسية العنيفة الدائرة هذه الأيام، لأن الزمن، ببساطة، تجاوزها.
وحتى إذا كانت الدولة العراقية السابقة بمثابة "الفردوس" لجميع العراقيين السنة، أو لنخبهم المختارة، فأنها أصبحت بعد التاسع من نيسان 2003 "الفردوس المفقود".
وذاك الفردوس المفقود، أو تلك الدولة لن تعود بتوازناتها وبمواصفاتها وبأجهزتها العسكرية السابقة، مهما جرى ومهما حدث، سواء ظلت القوات الأميركية أو انسحبت، سواء شارك العراقيون السنة في الجيش الجديد أو امتنعوا عن الانخراط فيه، وسواء سارت العملية السياسية بتوافقات سلمية أو نشبت حرب أهلية.

من القفازات المخملية إلى الحوار باللكمات
بعد التاسع من نيسان ظهرت دولة جديدة، وهي ما تزال في مرحلة التكون. وكل طرف من الأطراف العراقية يريد لهذه الدولة الوليدة أن تتشكل على مقاساته، وربما قال بعضهم في سريرته: ليأت من بعدي الطوفان.
وهذا الأمر لم يعد سرا. ربما كان سرا قبل سنتين، لكنه لم يعد كذلك الآن. وجميع المكونات العراقية "نقول جيدا جميع المكونات" نزعت الآن قفازاتها المخملية التي كانت تتظاهر بوضعها سابقا، وأصبحت اللكمات توجه تحت الحزام وفوقه. وكل طرف عراقي يعتقد أنه كلما كانت لكماته للطرف المقابل صاعقة وخاطفة، كلما أخاف المقابل وانتزع منه أقصى التنازلات، وأملى عليه أقصى الشروط.
الأحزاب الشيعية السياسية الدينية الحاكمة تريد لهذه الدولة أن تكون دولة شيعية دينية خالصة.
وقد كان زعماء هذه الأحزاب صريحين بما فيه الكفاية عندما أعلنوا بصوت عال وثبتوا ذلك في مسودة الدستور التي اشتركوا في كتابتها، بأنهم يريدون إقليما شيعيا.
والكورد يريدون أن يجدوا في هذه الدولة الجديدة انعكاسا لحجمهم السكاني. وهم، أيضا، لم يخفوا أن طموحهم المستقبلي الأكبر هو، أن تكون هذه الدولة الجديدة خطوة باتجاه تكوين دولتهم الكوردية القومية المستقلة. هذا إذا تحدثنا عن هذين الطرفين فقط. أما إذا تحدثنا عن بقية المكونات العراقية فأن القائمة تطول. فماذا عن موقف النخب العراقية السنية؟

لا يمكن محاربة الطائفية بمشروع طائفي مواز
منذ سقوط نظام صدام حسين، والزعامات العراقية السنية لم تكف عن الحديث عن دولة عراقية، تبتعد عن المحاصصة الطائفية، ويجد فيها كل عراقي فرصته، وفقا لمؤهلاته، لا وفقا لهويته الطائفية. وهذا الكلام صحيح وسليم تماما، ولا تقوله الزعامات السنية فقط، إنما يجد قبولا من قبل أطراف داخل المكونات العراقية الأخرى، بما في ذلك داخل العراقيين الشيعة أنفسهم، سواء داخل الجهات الشيعية العلمانية أو داخل بعض القوى الدينية السياسية الشيعية. ولكن، كيف يتحول هذا المطلب من شعار نظري إلى حقيقة ملموسة على الواقع؟
لا يمكن أن يجد هذا الشعار فرصته الحقيقية في التطبيق إلا بأسلوب واحد ووحيد هو، تقديم مشروع مضاد للطائفية. فمن يناهض الطائفية عليه أن يقدم مشروعا مضادا لها، لا أن يقدم مشروعا طائفيا موازيا. وهذا أمر لم تفعله، مع الأسف، حتى الآن الزعامات العراقية السنية. فقد ظلت هذه الزعامات تتحدث عن شجبها للطائفية، فقط لإحراج الطرف الأخر، لكنها في واقع الحال، تتصرف وفق مشروع طائفي مضاد، بل وبطريقة استفزازية طائفية مضادة. وهذه الروح الاستفزازية تتجلى، أول ما تتجلى، في الشتائم التي يكيلها زعماء العراقيين السنة لأقرانهم من الزعامات العراقية الشيعية. فإذا أردنا تفكيك الخطاب الذي دأبت هذه القيادات على ترديده، فسنجد انه يتضمن ما يلي:
التفريق بين سواد العراقيين الشيعة وبين الزعامات الشيعية الحاكمة. الأولون عراقيون وعرب أقحاح، والزعماء الشيعة الذين يحكمون، عملاء لإيران، صفويون، شعوبيون، وصلوا على ظهور الدبابات الاميركية، يريدون سلخ عروبة العراق... الخ. وحتى المرجع الشيعي السيد علي السيستاني لم يسلم من الغمز واللمز، رغم مواقفه العراقية المعتدلة المشهود لها.
إن هذا الكلام، بصراحة، مؤلم. ونحن نفهم أن ينشره صحافي يتدرب على تدبيج المقالات الفضائحية، في صحيفة من الدرجة العاشرة، ولا يشعر بمثقال من المسؤولية. لكنه لا يليق بزعامات تطرح نفسها لقيادة جميع العراقيين.ولنفترض، لغرض الجدل ليس إلا، أن القادة العراقيين الشيعة الذين في الحكم، هم بهذه الصفات، فماذا عن ملايين الشيعة، العرب الأقحاح؟ أو أليست هذه الملايين هي التي أدلت بأصواتها وأوصلت هولاء القادة إلى سدة الحكم؟ ثم، لماذا تتهم الزعامات العراقية الشيعية وحدها بالتنكر لعروبة العراق، والانكفاء على الشأن الإقليمي، وعدم إعطاء البعد العربي ما يستحقه من اهتمام؟ ألا يحق للزعامات العراقية الشيعية الحاكمة الآن، أن تسأل: وما الذي فعلته القيادات العراقية السنية للقضية العربية، وهي على رأس هرم الحكم منذ بداية تكوين الدولة العراقية الحديثة؟
فالعراق احتكر حكمه، على الأقل منذ 18 تشرين 1963 ، العروبيون السنة وحدهم، فما الذي قدموه لقضية الوحدة العربية، مثلا، غير الطعن فيها ومناهضة الدول العربية؟ وكان الرئيس العربي جمال عبد الناصر قد مات وفي قلبه غصة من العروبيين في العراق، وما زال العراقيون يتذكرون كيف أن إذاعة البعث العربي في العراق، كانت تصف عبد الناصر، حتى قبل سويعات من موته، بأنه "صرصار، لا يستحق حتى أن يبصق عليه". ولنفرض، مرة أخرى لغرض الجدل ليس إلا، أن القيادات العراقية الشيعية الحاكمة جاءت على ظهور الدبابات الأميركية، فهل جاءوا وحدهم، أم بمعية أشقائهم ومواطنيهم السنة ؟ ماذا يقال بشأن الأساتذة، النقيب والباججي والياور وأيهم السامرائي ومضر شوكت وعدنان الدليمي وحاجم الحسني ومشعان الجبوري و... ؟
بعد أقل من شهر واحد من سقوط صدام حسين، صرح السيد مشعان الجبوري، وهو الآن رئيس كتلة المصالحة والتحرير، وعضو في البرلمان العراقي، وأحد المتحدثين باسم العراقيين السنة: " أنا صديق للقيادة الأميركية وبدأت هذه الصداقة منذ شعرت بجديتهم في إسقاط صدام حسين وعندما التقت مصالحي ومصالح الشعب العراقي مع أميركا أيدناها في حربها." / صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 25 مايو 2003 / ماذا لو قال هذا الكلام السيد عبد العزيز الحكيم أو الدكتور إبراهيم الجعفري أو بحر العلوم أو مسعود البرزاني أو جلال الطالباني؟ يقينا، أن كلامهم سيصبح أغنية ترددها الزعامات العراقية السنية، بمناسبة وبدونها.لكن، هل أن الأسماء التي ذكرناها توا وغيرها من الشخصيات العراقية السنية المشاركة في العملية السياسية الجارية، خونة للعراق، أو خونة لطائفتهم السنية؟
أخشى ما نخشاه أن تقول الزعامات العراقية السنية أن هولاء ليسوا لهم علاقة بالعراقيين السنة. وإذا فعلت ذلك، فأن هذه الزعامات تسمح لنفسها أن تحتكر وحدها، وبتعسف فج، حق الحديث عن العراقيين السنة، وبالتالي فأنها لن تختلف، في هذا الخطأ القاتل، عن بعض الزعامات العراقية الشيعية التي تحتكر لنفسها حق التحدث باسم جميع العراقيين الشيعة، وتعتبر أي عراقي شيعي لا يؤيد وجهات نظرها، خائنا لطائفته. وحتى ننتهي من هذه المسألة، فأننا نقول أن على الزعامات العراقية السنية أن لا تنسى بأن قائمة الإتلاف الشيعية الحاكمة، شأنها شأن القائمة الكوردية وبقية القوائم الأخرى، لم تصل للحكم بمؤامرة تم تدبيرها ليلا، ولم تصل بانقلاب دموي، بل ولم تصل على ظهور الدبابات الاميركية، إنما وصلت على "ظهور" الناخبين العراقيين، ونتيجة انتخابات، قد نقر بتلاعب حدث فيها هنا وهناك، لكننا لا نستطيع الطعن في شرعيتها وديمقراطيتها.

ما العمل، والقيادات العراقية السنية تقول الشيء ونقيضه؟
قبل أيام قال الأستاذ عدنان الدليمي، الأمين العام لمؤتمر أهل السنة، بأن عدم مشاركة السنة في الانتخابات الماضية "أدت إلى إلحاق الضرر بهم". وكنا، شخصيا، نتمنى لو أن الأمين العام لمؤتمر أهل السنة استبدل عبارة "السنة" بعبارة "العراقيين الذين قاطعوا الانتخابات"، حتى يستقيم القول مع ما تردده الزعامات العراقية السنية بأنها ضد المحاصصة الطائفية ومن اجل عراق يعتمد تكافوء الفرص. وعلى أي حال، وكما ذكرنا في مناسبات سابقة، فأن الوقت لم يفت بعد، رغم أننا بدأنا نسمع، مؤخرا، من يريد أن يتراجع عن هذه البادرة. فقد أعلن، قبل أيام، الأستاذ صالح المطلك بأنه "لن تكون هناك نزاهة في الاستفتاء المقبل" على الدستور.
إن كلام الأستاذ المطلك لا يمكن اعتباره إلا تهربا من تحمل المسؤولية وعدم مواجهة الواقع، كما هو، وليس كما يراد له أن يكون. وهو كلام ينذر بعاقبة غير محمودة، لأن ترجمته الحقيقية هي: إما أن يتم فرض المطالب فرضا، وإلا فلا.وعلى أي حال، وحتى يطرح زعماء العراقيين السنة أنفسهم كممثلين، ليس فقط للعراقيين السنة، وإنما لجميع العراقيين، كما يقولون، عليهم أن يفكروا وأن يعملوا كزعماء عراقيين. وهذا يتطلب، في رأينا، القيام بالخطوات التالية، الآن وليس غدا، بل هذه اللحظة وليس بعدها:

أولا/ أن تتفق الزعامات العراقية السنية الدينية والسياسية والعشائرية على موقف موحد، يتمثل في وقف فوري للعمليات المسلحة الجارية الآن، وبكل أنواعها، وتوعز لأتباعها بالتخلي عن السلاح / نقول جيدا التخلي، ولا نقول تسليم السلاح، لأننا لم نصبح طوباويين بعد/ على الأقل منذ الآن وحتى ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة في منتصف ديسمبر القادم. وتقرن ذلك بإدانة قاطعة وحاسمة وتكفيرية للعمليات التي يقوم بها تنظيم الزرقاوي، والقيام بإنذاره هو وجماعته، بشن قتال لا يرحم ضده، إن لم يوقف عملياته العسكرية.
نعم، على الزعامات العراقية السنية أن تخير الزرقاوي والغرباء الذين معه، بين الموت الزؤام وبين الانصياع لأوامرها، وأن لا تكتفي بدغدغة مشاعره لأنه، ببساطة بدون مشاعر، وأفعاله في العراق تندرج في خانة الجرائم ضد البشرية. ناهيك عن أن الزرقاوي ألحق ضررا بالغا بالعراقيين السنة أنفسهم، ربما لم تلحقه أية جهة معادية لهم. وأكثر من هذا، فأن الزرقاوي والغرباء الذين وفدوا معه، يطبقون سياسة الأرض المحروقة، ونسف كل جسور العودة، لأنهم ببساطة لا يملكون، داخل العراق، شيئا يخسرونه، بينما يخسر العراقيون السنة بلادهم كلها. فعندما تشتعل الحرب الأهلية ويحترق العراق، فان النار تحرق الجميع.

ثانيا/ وإذا لم تحدث أي أعمال عنف، منذ الآن وحتى موعد الانتخابات القادمة، وينعم العراقيون بفترة من الاستقرار والهدوء الحقيقيين، فأن ذلك سيرتبط في ذهن الرأي العام العراقي بجهود الزعامات العراقية السنية، وهو أمر سيزيد من شعبيتها، ويعزز هيبتها في أوساط عموم العراقيين، الشيعة قبل السنة، ويظهرها أمام جميع العراقيين بأنها ليست شخصيات كاريكاتيرية لا نفوذ لها ولا سطوة على ما يحدث داخل البلاد من أعمال عنف، وإنما هي شخصيات مسموعة ومطاعة. وخلال فترة الهدوء واستتاب الأمن هذه، تقوم القيادات العراقية السنية بشن حملة مكثفة وشاملة، تتضمن شعارات ومطالب عراقية ديمقراطية، غير طائفية، يلتف حولها الإسلاميون والعلمانيون من مختلف الطوائف والمناطق والأديان والإثنيات.

ثالثا/ وهذه الحملة يجب أن ترافقها، سواء حظي الدستور العراقي بالأكثرية، أو تم رفضه خلال الاستفتاء، جهود جبارة ومتواصلة لتشكيل قائمة انتخابية عراقية "ونشدد على كلمة عراقية"، بمبادرة من القيادات السنية وبمشاركة من يريد من جميع أطياف الشعب العراقي.
والأفضل، في رأينا، أن تسند رئاستها إلى شخصية عراقية ديمقراطية وعلمانية، ولا يهم أن تكون سنية أو شيعية./ أليس ما يطالب به زعماء العراقيين السنة هو، رفض المحاصصة الطائفية ؟/ لكن شرط أن تكون شخصية مرموقة، تحظى بإجماع عراقي معقول. ويا حبذا لو كانت هذه الشخصية من أوساط الشباب الذين لم تلوثهم بعد المكائد السياسية. وفي هذه الحال، فأن هذه القائمة، أو هذا التجمع، سيجد له مناصرين كثيرين عند الشيعة، ربما قبل السنة، وعند المسيحيين والصابئة، قبل المسلمين، وعند الكورد، قبل التركمان.

رابعا/ سيكون خطأ قاتلا، لو قدمت هذه القائمة المقترحة، نفسها ك"عدو" لقائمة الإتلاف، أو لأي قائمة انتخابية أخرى. القائمة التي نقترحها يجب أن تكون "منافسة" للقوائم الأخرى، ومنفتحة على الجميع، ولا معيار لها في الشعبية غير معيار الأصوات التي توضع لصالحها داخل صناديق الانتخابات. وإذا نجحت هذه القائمة في التوصل لبرنامج مشترك مع قائمة الإتلاف والقائمة الكوردية والقوائم الأخرى، فهذا عز الطلب، وغاية الغايات.

وإذا سار هذا التجمع على طريق وطنية NATIONAL وسطية، توفيقية، توافقية، وشديدة المرونة، وأظهر تفهما لخصوصية القضية الكوردية واستيعابا لمطالب القائمة الكوردية، وتلبية معقولة لمطالب التركمان والمسيحيين والصابئة وغيرهم من المكونات العراقية، فانه سيجد في القائمة الكوردية الحالية في البرلمان حليفا استراتيجيا له في المستقبل، مثلما سيجد في القوائم الانتخابية الأخرى، أيضا، حليفا له. وسيجد، كذلك، أن أقساما واسعة من العراقيين الشيعة في الوسط والجنوب، سواء من التيار الصدري، أو من الناس الذين خيبتهم تجربة قائمة الإتلاف في الحكم، سيصبحون حلفاء، أيضا. وعندها ستوجد تحت قبلة البرلمان القادم قائمة سنية شيعية عربية كوردية علمانية إسلامية قد تصبح، ربما، قائمة الأكثرية. وآنذاك ، فليتبارى المتبارون وليطرح المطالبون مطالبهم، كل مطالبهم. وما من طرف سيقول للطرف المقابل: أنت لا تمثل الشعب. لأن الجميع أوصلتهم للبرلمان أصوات الناخبين.

هل هذا الذي قلناه أمر ممكن، أم انه تحليق في عالم الأوهام؟
نعم إنه ممكن، لكن فقط إذا نظرنا للسياسة باعتبارها فن الممكن، أو فن المشي على بيض دون أن يتكسر، أو فن إخراج الأفعى من جحرها، أو فن الاحتفاظ بشعرة رفيعة بين السياسي وخصمه وعدم قطعها، يشدها خصمه فيرخيها هو ويرخيها خصمه فيشدها هو.أما إذا فسرنا العمل السياسي كعملية استعراض للعضلات، أو كوسيلة للحصول على مزيد من الأمجاد الشخصية، أو وضعنا كرامتنا الشخصية قبل كرامة القضايا الكبرى التي ندافع عنها، أو استخدمنا السياسية أداة لطلب المستحيل، فإننا سنعقد البسيط ونبسط المعقد، وآنذاك سنجد أنفسنا أمام المستحيل بعينه.