قرأت كثيرا ما كتب عن سوريا وانشقاق خدام.
نعم النظام السوري مخطئ. وخدام مخطئ.
نعم.. موقف مجلس الشعب السوري مهزلة.
وموقف المسؤولين السوريين مهزلة اخرى..
لكن ذلك يجب ان لا يدفعنا الى الهجوم على سوريا كما لو اننا نهاجم اسرائيل.
لا يجب ان يتحول موقفنا من النظام، الى موقفنا من الانسان.
سوريا لا تحتاج اليوم من يقطع اوصالها. سوريا تحتاج من يكون صادقا معها في الرأي، ولو كان قاسيا.
لكن ما اقرأه اليوم هو خلاف كل ذلك. فبين شامت بها، ومتشف بسياستها، تقع معظم مقالات كتابنا. وهذا خطأ اعظم من اخطاء السياسة السورية نفسها.
كل العام اليوم يقف ضد سوريا. من امريكا الى فرنسا. واذ ليس من حقنا ان ندعم المخطئ ان اخطأ، فليس من حقنا ايضا ان نقف ضده قبل ان نعطيه فرصة تصحيح الخطأ. والمخطئون كثر في العالم العربي.
انا لست ادافع عن نظام بطش كثيرا.. لكني ادافع عن شعب.
عندما تحادثت مع مجموعة اصدقاء عن اهمية ان يتعاون النظام السوري مع العالم حتى يمكن للعرب ان يساعدوه ويقفوا معه، وجدت ان النظرة التي يحملها الكثيرون هي ان سوريا حالة ميئوس منها.
بعضهم قال انه لا يمكن لسوريا ان تتطور الا بعد ان يذهب البعث.
بعضهم الآخر قال انه لا يمكن لسوريا ان تتحسن الا بسقوط الرؤوس الكبيرة ولو بقي البعث.
في رأيي ان تحديد سيناريو واحد او اثنين فقط لا يخدم القضية. فليست المسألة هي في البعث، او في الرؤوس الكبيرة.
المسألة ابعد من ان تتعدى حدود اسمين او ثلاثة او عشرة اسماء.
المسألة تتعقل بثقافة امة كاملة. لو ازيح البعث السوري او ذهب اسم او اثنين او الاسماء العشرة كلها، فلن يتغير حال المجتمع بالضرورة، ان لم يتغير التفكير السوري نفسه. تفكير الانسان السوري نفسه. تفكير الشارع السوري نفسه.
هو حال مشابه تماما، مطابق تماما، للشارع العربي بأسره.
لا يمكن ان تغير نظاما دون ان تتغير عقلية الشارع الذي يحكمه النظام.
اطاحت اميركا بالنظام العراقي. لكن البطش ما انتهى، ولا الديكتاتورية انتهت، ولا الظلم انتهى.
فهل نريد عراقا جديدا في سوريا؟
اذا ليس هو بقاء شخص او ذهابه ما سيغير المجتمع للافضل.
ما يضمن الأفضل هو تطور ثقافة المجتمع ككل. هذا التطور هو ما ينبغي ان ينصرف اليه الجهد.
نتساوى في ذلك كلنا: سوريون وعراقيون ومصريون وخليجيون ومغاربيون..
نحن نريد اصلاح سوريا، لا قطع رأسها. والاصلاح، كما تؤكد قياداتنا العربية، كل يوم، يجب ان ينبع من الداخل، لا من الخارج.
المثقفون الذين يقولون، ايضا، ان التغيير يجب ان ينبع من الداخل، هم انفسهم الذين يقولون ان سوريا حالة ميؤوس منها، ويصفقون لاميركا وفرنسا لمزيد من الضغط عليها.
القيادة يمكن ان تسقط في اي وقت، او تبقى، لكن ذلك لن يضمن ان تصبح سوريا في وضع افضل او اسوء، ما يضمن الوضع الافضل هو تتطور الشارع السوري نفسه، تطور الخطاب الموجه له، لا كلمات التحريض والاثارة والعنف.. فلسنا نريد عراقا آخر.