عقب الإعلان عن النتائج الغير الرسمية للانتخابات النيابية الأخيرة في العراق، والتي ادعت فيها قائمة الائتلاف الشيعي الموالية لإيران حصولها على الأغلبية، صدرت تصريحات وبيانات من مسؤولين إيرانيين كبار عبروا فيها عن فرحتهم وسرورهم بهذه النتيجة رغم إنها نتيجة غير رسمية و مطعون بشرعيتها بسبب ما رافق الانتخابات من عمليات تزوير كبيرة اعترفت المفوضية المستقلة للانتخابات عمليا بحصولها وهو ما استدعى تدخل دولي لإعادة فرز الأصوات والبحث في الطعون المقدمة. و لكن رغم ذلك كله فان المسئولين الإيرانيين أصروا على نزاهة الانتخابات واعتبروا النتيجة التي أعلنتها (قائمة الائتلاف) بمثابة نصر كبير لهم إلى الحد الذي وصفها إمام جمعة طهران المؤقت الملا quot;احمد خاتميquot; بأنها عمليات فتح المبين الثانية وهو الاسم الذي حملته معركة استعادت منطقة الشوش و الكرخة من الجيش العراقي والتي تعد من اكبر المعارك التي خاضها الجيش الإيراني ضد القوات العراقية.
ولكن لماذا يقبل شيعة العراق أن تنوب عنهم إيران في اتخاذ قراراتهم المصيرية وتصبح متحدثة باسمهم. هل هم من فوض إيران بذلك؟. أهم شيعة في العراق أم عراقيون شيعة؟ وهل المناطق التي يسكنونها جزء من الأراضي الإيراني أم إنها جزء من تراب الدولة العراقية؟. ثم من المقدم على الأخر مصلحة العراق أم مصلحة طائفة في العراق؟.
هذه الأسئلة قد تتبادر لذهن أي إنسان حين يستمع لما يصرح به قادة النظام الإيراني وما يصدره المراجع الإيرانيون في الحوزة الدينية في مدينتي النجف العراقية وقم الإيرانية من فتاوى تتعلق بالشأن العراقي عامة وشأن العراقيين الشيعة خاصة. هذا عوضا عما يردده قادة ومسؤولي بعض الأحزاب الشيعية العراقية التي توحي للمتابع وكأن العراق مزرعة فستق إيرانية أو أنه حوض سمك كافيار يقع على بحر قزوين و تدور الخلافات حوله بين الدول المتشاطئة وتريد إيران أن يتم حل الخلاف على أساس توزيع الحصص من خلال فرض الأمر الواقع و يبقى موقع العراقيين الشيعة في هذا الخلاف من وجهة نظر القيادات الإيرانية مجرد فلاحين يعملون في تلك المزرعة ويتلقون أجورهم من المالك أياً كان هذا المالك، أو أنهم صيادو اسماك في بحر قزوين تحدد مكان وحجم صيدهم الاتفاقيات التي وقعتها السلطات الإيرانية المختصة.
هذه هي باختصار نظرة القيادة السياسية والدينية الإيرانية للعراقيين الشيعة ودورهم في القضية العراقية. والمتابع لمجريات الأحداث لا يمكنه أن يجد نظرة أخرى لدى الإيرانيين تتجاوز هذه الواقع. فالفتاوى الدينية التي باتت تترادف من قبل المراجع في حوزتي النجف وقم بشأن موقف الشيعة العراقيين من الاحتلال الأجنبي لبلدهم تدل بوضوح أن الإيرانيين قد وضعوا أنفسهم موقع الناطق الرسمي والمقرر الوحيد لموقف العراقيون الشيعة ودورهم من أحداث العراق.
ومن هذه الفتاوى ما جاء على لسان آية الله كاظم الشيرازي المعروف بالحائري أحد مراجع حوزة قم الإيرانية الذي أكد ( أن مواجهة الاحتلال في الوقت الراهن ليست في صالح الشيعة ). إضافة إلى فتاوى السيستاني العديدة والتي من بينهم وجوب المشاركة في الانتخابات البرلمانية واعتبار من يقاطعها من أهل النار و إنها بمثاب بيعة الغدير الثانية ( في إشارة إلى موضوع غدير خم ). وهناك عشرات الفتاوى المشابه لمراجع آخرين تطالب الشيعة بعدم مواجهة الاحتلال واعتبارها قوات تحرير !. وقد وصل الحد بهذه المرجعيات إلى محاربة كل من حاول تجاوز هذه الفتاوى و إعلان المواجهة مع المحتلين. ومثالا على ذلك الهجمة الشرسة التي يشنها أذناب تلك المرجعية حاليا ضد هيئة علماء المسلمين السنة والمرجع الشيخ جواد الخالصي والمرجع السيد احمد الحسني البغدادي باعتبارهم خارجين على الثوابت التي حددتها المرجعية الإيرانية و إعلانهم موقفا مغايرا لمواقفها متهمة إياهم بضرب المصالح الشيعية.
وهذا ما قيل من قبل بحق السيد محمد صادق الصدر حيث سبق للمرجعيات الإيرانية اتهامه بالعمالة للنظام العراقي والطعن بعلميته و مرجعيته والسبب بطبيعة الحال هي عروبته و وطنيته العراقية الأصيلة التي منعته من التبعية للمرجعية الفارسية.
ولكن لماذا يرضى العراقيون الشيعة أن تحدد لهم ايران ومراجعها ما يجب فعله أو عدم فعله. ترى هل العراقيون الشيعة تنقصهم المعرفة بمصلحتهم الوطنية وان الإيرانيون هم الأقدر على تشخيص تلك المصلحة و الأحرس عليها من العراقيين أنفسهم ؟. أم أن الأمر ناجم عن عدم وجود مرجعية شيعية عراقية أصيلة قادرة على أخذ زمام المبادرة من أيدي المرجعية الإيرانية وقطع دابرها ؟. فإذا كان الأمر كذلك أذن لماذا كل ما نهضت مرجعية شيعية عراقية أصيلة يتم محاربتها وتسقيطها من خلال الطعن بعلميتها أو بنزاهتها كما سبق وحصل مع السيد الصدر وما حصل مع مراجع آخرين كبار ؟. لماذا يساهم العراقيون الشيعة في تمكين المرجعيات الإيرانية من الصعود على حساب المرجعيات العراقية العربية ؟. هل الأمر مرتبط بما يروجه العنصريون من ملالي الفرس من أنهم الأعلم والأكثر أيمانا حسب الروايات و الأحاديث التي وضعوها على لسان النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) وأئمة أهل البيت (ع) ومنها تلك الرواية التي تقول أن الرايات السود التي تصاحب خروج المهدي الموعود تخرج من بلاد فارس وأن النبي (ص) قال لأصحابه أنكم تقاتلونهم على التنزيل ويقاتلونكم على التأويل (وهو يعني قوم سلمان الفارسي )، ولو كان العلم في الثريا لتناولته أيادي الفرس،. ترى هل لهذه الأحاديث الموضوعة وغيرها من الروايات والأحاديث الأخرى التي تحط من العرب وترفع من مكانة الفرس اثر في هذا الانصياع الأعمى للمرجعية الإيرانية.
فإذا قدرنا هذا هو حال العامة من الشيعة أذن فما بال البقية الباقية منهم؟ فهل انصياعهم يأتي بسبب أن اغلب قياداتهم السياسية تعود بأصولها لبلاد فارس كما هو حال رؤساء الأحزاب والحركات وعدد من أعضاء الحكومة الحالية؟ أم ان هناك جهات دولية كبرى هي التي أعطت إيران هذه المكانة والقدرة لكي تصبح وكأنها المقرر و المسؤول عن شيعة العراق إلى الحد الذي أصبح فيها الشيعة وكأنهم جالية إيرانية في العراق لا عراقيون شيعة.
كاتب المقال رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي
التعليقات