أحدثت تصريحات واعترافات عبد الحليم خدام صدمة كبيرة تصل لمستوى السكتة القلبية لدى أصدقاء النظام البعثي السوري وعملائه على حد سواء، فهم في حيرة و تخبط إزاء ماهم فاعلون وقائلون إزاء هذه الاعترافات من الرجل الثاني في النظام طوال مايزيد على ثلاثين عاما، و من أهم رموزه بعد الرئيس، وكان هؤلاء الأصدقاء والعملاء يقفون أمامه بخشوع وإحترام، ومستعدين لمنازلة أي كاتب أو صحفي أو سياسي يجرؤ على نقده أو التعرض له، فهو ورئيسه وحزبه من التابوات (المحرمات) التي لا يجوز المساس بها. وكنّا نحن القلة من الكتاب الذين فتحنا نار النقد على هذا النظام منذ مالا يقل عن عشرين عاما، نركز على ملفات : الفساد والجرائم الاقتصادية التي نهبت ثروات سورية ولبنان لحساب حفنة فاسدة من عائلة الرئيس وأقاربه وأصهاره ورموز النظام الساسيين والمخابراتيين والعسكريين، والجرائم السياسية التي حولت سورية ولبنان إلى سجن كبير، ما زالت فروع هذا السجن تعجّ بآلاف السجناء السياسيين ونشطاء الرأي وحقوق الإنسان، وسياسة الدجل والتضليل التي مارسها هذا النظام العبثي ليجعل من نفسه أكذوبة كبرى اسمها الصمود والتصدي والتوازن الإستراتيجي مع العدو لتحرير الجولان وكامل فلسطين من النهر إلى البحر!!!، وقد انطلت هذه الأكذوبة على غالبية الشعوب العربية التي تهيجها الشعارات العاطفية، متناسين أن هذا النظام طوال أربعين عاما لم يطلق رصاصة على إسرائيل من حدود الجولان المحتل، ولم يحاول تنظيم مقاومة داخلية للاحتلال حتى ولو كانت مقاومة سلمية، رغم قرار الاحتلال بضم الجولان إلى دولة إسرائيل، وكان من أشد شروط مخابراته العسكرية (الضابطة الفدائية) مع فصائل المقاومة الفلسطينية هي عدم القيام بأية عملية عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي انطلاقا من الحدود السورية، ومقابل ذلك يسّهل وصولهم لجنوب لبنان لمحاربة إسرائيل من الحدود اللبنانية، وظلت الحدود السورية مع الجولان حتى هذه اللحظة ساكتة صامتة بفضل الرفاق أصحاب التوازن الإستراتيجي وبناة أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط، والطيران الإسرائيلي يحلق بأمان فوق الأراضي السورية بما فيها القصر الرئاسي للرئيسين القائدين: الأسد الأب والابن دون مواجهته بالمدفعية أو الصواريخ المخزّنة لحين إتمام التوازن الإستراتيجي.
عندما كنّا ننتقد النظام البعثي السوري من خلال فتح هذه الملفات والتعرض لرموز الفساد والقمع بما فيهم عبد الحليم خدام، كنّا نواجه من أصدقاء النظام وعملائه بالتجريح والصراخ والاتهامات بالعمالة للموساد والمخابرات البرازيلية لأننا انتقدنا التابو المحرّم البعثى الأسدي و الخدامي، والآن بعد أن جاءت هذه الإتهامات والحقائق على لسان خدام !!..تصوروا على لسان خدام نفسه، ماذا سيفعل أصدقاء النظام الفاسد القمعي الديكتاتوري..وعملاؤه أيضا؟؟. يمكن رصد المواقف التالية لأصدقاء النظام وعملائه في الأيام الماضية التي أعقبت القنبلة الخدامية:

أولا: تناسي فريق من الأصدقاء والعملاء دفاعهم المقدس عن القديس خدّام ورفاقه، وبدأوا حملة تشهير حسب أوصافهم ضد : الخائن، المرتد، المنشق، المرتشي، الفاسد، العميل، دافن النفايات النووية، النصّاب الذي يملك من المشاريع والأملاك الحرام بما يزيد عن مليار دولار، فقاموا بفصله من الحزب وإصدار فتوى بعدم جواز إستعمال صفة (السيد) عند ذكر إسمه النجس، والمطالبة بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى للحزب القائد والوطن الأم والرئيس المفدى. وكل إتهامات الفساد واللصوصية صحيحة، ونحن مع محاكمة خدام بسببها، ولكن سؤالنا لأصدقاء النظام وعملائه بما فيهم ببغاوات ما يسمى زورا مجلس الشعب السوري: هل إكتشفتم هذا الفساد والجرائم فجأة؟. وكيف يتحول القديس إلى لص وفاسد في لحظة؟. ولماذا كنتم تهاجموننا بأوسخ التهم والألفاظ عندما كنّا نهاجم هذا الفاسد وحزبه ورؤساءه قبل عقدين من الزمن؟. وهل السيد الرئيس الأب والإبن لم يعرفا هذه الجرائم منذ عقود من الزمن ؟.وهل هما بريئان من جرائم أشد مرارة وعنفا ووحشية؟ ولماذا سكتا وأقفلا ملف دفنه وإبنه للنفايات النووية في البادية السورية، وهل تمّ ذلك بدون علمهما ومباركتهما، وإلا لماذا كان يتم إعتقال كل من يجرؤ على فتح هذا الملف!. أليس لأنه كان يطال الرئيس الأسد شخصيا؟. لماذا كانت أفعال خدام هذه في زمن ولائه للصوص والمجرمين حلالا ومشروعة وتصبّ في خدمة التوازن الإستراتيجي، وعندما إنشق عنهم إكتشفوا جرائمه وأصبح مارقا ومرتدا؟. ونفس السيناريو المضحك المبكي سوف نسمعه مجددا عن أي قديس من الحزب سوف ينشق لاحقا!!!.

ثانيا: سكوت مطبق لبعض أصدقاء وحلفاء القديس السابق خدّام، خاصة قيادة حزب الله في لبنان !!. والمستغرب والمستهجن هو سكوت قيادة حزب خلفيته إسلامية دينية، منذ سنوات طويلة على القمع والفساد واللصوصية في قيادة حزب البعث السوري والتغني بالتحالف الإستراتيجي معه، وتناسي آلاف السجناء والمفقودين اللبنانيين والسوريين!!. كيف ينسجم هذا مع تعاليم الله تعالى الذي ينسب الحزب اسمه له؟. هل يقبل الله تعالى هذا الفساد والجرائم والقمع واللصوصية التي كشفها شاهد من أهلها؟. وهي ليست جديدة وكانت معروفة ودخل السجون الآلاف بسبب الحديث عنها!. وضمن نفس السياق كان وما يزال حزب الله يتغنى بالدفاع عن القدس وفلسطين، وفي الوقت ذاته يسكت سكوت الطرشان على سوء المعاملة التي يلقاها اللاجىء الفلسطيني في لبنان دون أن يتحرك الحزب ونوابه ووزراؤه لتخفيف معاناة الفلسطيني الممنوع من العمل في سبعين مهنة وممنوع من إدخال الإسمنت للمخيمات لتعميرالمنهار منها ! وحلفاء الحزب في حركة أمل ارتكبوا مجازر بحق المخيمات بدعم من البعث القائد وجيشه المرابط في لبنان !!. لا أعرف أي فهم لتعاليم الله تعالى التي تنص على العدل والمساواة و(أنّ أفضلكم عند الله أتقاكم)، يسمح بموالاة الظالم والفاسد والجائر (والظالمون مالهم من ولي ولا نصير)، هذا في القرآن الكريم، ولكن في سياسة حزب الله فكل الموالاة والنصرة للنظام البعثي الظالم الفاسد على حساب آلآف السجناء والمفقودين السوريين واللبنانيين وسرقة ثروات الشعبين لعقود من الزمن علانية دون وقفة إيمانية من حزب الله إزاء ذلك، وضمن السياق نتذكر (أن أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر) و(الساكت عن الحق شيطان أخرس) و(إنه لا يفلح الظالمون)!!.

وبعد كشف هذه المواقف لأصدقاء النظام البعثي السوري وعملائه، ليس من الصعب أن نعرف سبب التخلف العربي وسيادة الأنظمة الاستبدادية القمعية، لأن موالاة الظالمين والمستبدين الفاسدين جعلت (صناعة الاستبداد) صناعة عربية بعلامة تجارية مسجلة بامتياز، ما عاد يشرّف شعوب موالاتها والهتاف لها بالروح والدم، سوى الشعوب العربية حتى الآن!!. ويبقى الأمل في التحرك السلمي الجماهيري للشعب السوري كما تنبأ خدام ليتحرر من عبودية مجرمي البعث، لأن هذا النظام إنتهت صلاحيته الإنسانية وما عاد يشرّف الشعوب العربية استمراره، رغم صراخ وهتافات الخائفين والجبناء والمنافقين!!.

[email protected]