بقرار من مجلس الوزراء،أعلنه في مؤتمر صحفي الدكتور إبراهيم الجعفري- رئيس وزراء الحكومة العراقية المنتهية ولايتها، قررت وزارة الصحة زيادة رواتب الاطباء العاملين في مجال التخدير ومساعديهم، وبنسبة 100% للذين يمارسون اختصاصاتهم في دوائر الصحة في المحافظات و 50% للعاملين منهم في دوائر صحة محافظة بغداد، ومنحهم مخصصات بدل خطورة تبلغ 150 الف دينار شهريا. وفي وقت سابق،كانت الوزارة قد قررت زيادة رواتب العاملين في مجال الطبابة العدلية كافة، وبنسبة 100%، وزيادة مخصصات الصيادلة العاملين في المؤسسات الصحية الحكومية..

الغريب في الأمر أن الزيادة إستثنت الصنوف الأخرى في المؤسسات الصحية العراقية، ولم تشمل اَلاف الكوادر الطبية والصحية، ومعاوني الأطباء، ومساعدي المختبر، وغيرهم من الفنيين، والممرضين، والممرضات، ممن يؤدون دوراً كبيراً في الخدمات الطبية والصحية التي تقدم يومياً، نهاراً وليلاً، وأثناء الحوادث الطارئة، وفي العطل والأعياد الرسمية، بخلاف ما أعلنه ناطق رسمي في وزارة الصحة بأن وزارته quot; تسعى لتحسين الوضع المعاشي لجميع العاملين في دوائر الصحة، نظراً للجهود الإستثنائية التي يبذلونها لا سيما في الحوادث الطارئةquot;..

حيال هذا التمييز الصارخ تظاهر منتسبو مستشفى إبن سينا التعليمي في الموصل، داخل حرم الجامعة، ومنتسبو مستشفى مدينة الطب في بغداد، إحدى أكبر المستشفيات العراقية، والملاكات الصحية من منتسبي دائرة مدينة الطب، امام مبني وزارة الصحة، ومنتسبوا العديد من مستشفيات ومؤسسات صحية أخرى في بغداد والمحافظات، ممن لم يشملوا بزيادة رواتبهم، مطالبين الحكومة بتحقيق المساواة من خلال شمولهم جميعا بزيادة رواتبهم التي تشمل بدل العدوى والخطورة، لا سيما وأن المنتسبين غير المشمولين هم على تماس أكبر مع المصابين أثناء الحوادث، والمرضى المصابين بأمراض معدية، ما يعرضهم لمضار أكبر، ومخاطر عديدة، كالتهديد بالقتل والإختطاف ودفع الفدية، التي يتعرضون لها يومياً.

وقد هددت التظاهرة التي جرت في مدينة الطب ببغداد، والتي نظمها اتحاد ذوي المهن الطبية،باعلان الاضراب العام والشامل عن العمل في كافة المؤسسات الصحية الحكومية ابتداء من يوم الاربعاء الذي يلي عيد الاضحى، لعدم شمول منتسبي المهن الطبية بمخصصات بدل الخطورة. وطالب الاتحاد، الذي يمثل الممرضين والفنيين العاملين في الحقل الطبي، بعدم التفرقة بين الكوادر الصحية والطبية والعاملين في قطاعات الكهرباء والداخلية والدفاع نظرا لصعوبات العمل والمخاطر المحدقة بهم لكونهم يعملون ليل نهار، والوضع في العراق لم يهدأ جراء التفجيرات المستمرة والاعمال الارهابية واكتظاظ مستشفيات مدينة الطب بالقتلى والجرحى، وهو ما يتطلب بقاء الممرضين الى ساعات متواصلة من العمل الشاق لتقديم العلاج. وأكد احد منظمي التظاهرة بان الكوادر المتوسطة في الصحة تبذل جهودا كبيرة في المؤسسات الصحية، وان القرار كان جائرا بحقهم. وأوضح مسؤول شؤون التمريض في مستشفى الجهاز الهضمي في مدينة الطب بأن التظاهرة تهدف الى تنبيه الحكومة العراقية الى المخاطر التي تلحق بالممرضين والعاملين في المختبرات، مشيراً الى أن العديد من العاملين بالمختبرات الكيمياوية تعرضوا للاشعاع، نظرا لعدم توفر الملابس الواقية، بالاضافة الى اصابة عدد من العاملين في المختبرات التحليلية بالتهابات الكبد الفيروسي نتيجة انتقال العدوى من المصابين. وأكد ذلك أحد الممرضين، الذي أصيب بالتهاب الكبد الفيروسي، بقوله: quot;لقد شفيت للتو من المرض بعد ان انتقلت العدوى لي من مريض مصاب به، أثناء العمل، وانهيت اجازتي، وعدت الى العمل في المستشفى، ولم يصرف لي بدل الخطورةquot;.. من جهته، دعا الدكتور عمار الصفار- وكيل وزارة الصحة العراقية، العاملين في مستشفيات مدينة الطب بالعدول عن قرار الاضراب والعودة الى العمل، غير ان المتظاهرين رفضوا ذلك الى حين تحقيق مطاليهم..
إن وزارة الصحة تعرف جيداً حجم الخدمات التي يقدمها منتسبوها وأهميتها الراهنة للمواطن العراقي اليوم، وهم يؤدون واجبهم الإنساني بجهود مضاعفة، وأعدادهم أقل بكثير مما كانت عليه، وفي ظروف إستثنائية، وخطيرة جداً، في ظل تصاعد الأعمال الإرهابية، التي طالت المئات منهم على نحو مباشر، اختطافاً وقتلاً وجرحاً، مما إضطر المئات منهم الى مغادرة العراق، بحثاً عن الأمان ولقمة العيش الكريم، وفي ظل تدهور حال المؤسسات الطبية والصحية، حيث قلة الكادر، وشحة الأدوية، وتخلف المعدات الطبية، التشخيصية والعلاجية. وفوق هذا هيمنة أحزاب الإسلام السياسي ومليشياتها، التي لاعلاقة لها بالطب والصحة،على إدارة العديد من المستشفيات، والتحكم بأمورها، الى جانب عشعشة الفساد الإداري والمالي وتعمقه في مؤسسات الوزارة ومديرياتها،بدلاً من إجتثاثه- كما وعد أكثر من وزير، مما خلق إحباطاً وتردداً واسعاً، وسبب الفوضى والإرباك في العمل، وسرقة ونهب الأدوية والمعدات وغيرها. وأدى أن لا يستلم المئات من الأطباء والمساعدين لرواتبهم بإنتظام ولعدة أشهر..

الواقع المرير، الذي يعيش في أجوائه منتسبو المؤسسات الطبية والصحية العراقية، يدعو وزارة الصحة، ويلزمها بإنصافهم جميعاً،أطباء، وممرضين، وفنيين، ومساعدين، أينما كانوا وحيثما وجدوا في مؤسساتها الطبية والصحية، سواء كانت مستشفيات،أم مستوصفات، أم طبابات، أم عيادات، أم مختبرات، أم للأشعة، والوقوف الى جانب مطالبهم العادلة، وفي مقدمتها تحسين ظروفهم المعاشية والحياتية، إذا أرادت للخدمات الطبية والصحية للمواطنين ان تتواصل وتتطور !