لماذا ؟
لماذا اخترنا أداة الاستفهام هذه عنواناً لهذا الكتاب*؟
الاجابة على ذلك واضحة.
فالثقافة العربية منذ زمن طويل، معروفة بأنها ثقافة الأجوبة، وليست ثقافة الأسئلة.
الأسئلة في معظم الأحيان ليست ممنوعة فقط، ولكنها محرّمة أيضاً.
وما من أمة عاقبت السائلين على أسئلتهم كما عاقبت الأمة العربية سائليها.
فكل المثقفين والفلاسفة والفقهاء والشعراء والحكماء الذين سجنوا وعذبوا وشنقوا طيلة 14 قرناً مضت، كانوا ضحايا أسئلتهم.
الثقافة العربية منذ 14 قرناً كانت وما زالت في معظمها ثقافة الأجوبة الجاهزة، بدون أسئلة.
أجوبة مجانية قديمة جاهزة ومجترة، ولكن الأجوبة عن أسئلة العصر غير موجودة.
ومن هنا جاء عنوان هذا الكتاب: لماذا؟
وسبق هذا الكتاب، كتابنا الآخر المتسائل: quot;أسئلة الحمقىquot;.
ولماذا هنا في هذا الكتاب، هي أسئلة قليلة، من بين ملايين الأسئلة التي تعجُّ بها صدور العرب، ولا يستطيعون طرحها على المفتي والخطيب والفقيه والمثقف والسياسي والحاكم والحارس والحاجب، لأن السؤال غالٍ، ويكلّف أحياناً حياة الانسان، في مجتمعات العبودية الأحادية.
فليس بين شعوب الأرض شعب يملك من الأسئلة بقدر ما يملك العرب الآن.
وليس بين شعوب الأرض شعب لا أجوبة عن أسئلته، كما هو حال العرب الآن.
العرب في الماضي والحاضر أمة الأجوبة التي لا سؤال عنها. وليست أمة الأسئلة التي لا جواب لها.
إن سرَّ تقدم الشعوب الأخرى ورقيها، أنها سألت كثيراً وأجابت قليلاًً. ونحن أجبنا كثيراً وسئلنا قليلاً. وكانت معظم اجاباتنا مجانية ومجترة عن أسئلة قليلة ماضية.
الحضارة والثقافة المبدعة هي الحضارة والثقافة السائلة.
والأمة السائلة هي الأمة الناقدة لنفسها نقداً ذاتياً مريراً.
حضارة وثقافة النقد الذاتي، هي الحضارة المبدعة.
وخلو الثقافة العربية من الأسئلة هو سرَّ موت الفلسفة العربية التي لمعت حيناً من الدهر، ثم خبت وانطفأت نهائياً بعد القرن العاشر الميلادي وإلى الآن.
ألم نقفل باب الاجتهاد دهوراً طويلة؟
ألم نقل: ما أقفله السلف لا يفتحه الخلف؟
ألم نحرم تدريس الفلسفة والمنطق؟
ألم نقل: من تمنطق فقد تزندق؟
أليست الفلسفة والمنطق محرمة حتى الآن في مدارس بعض الدول العربية؟
إن أمة بلا فلسفة هي أمة ميتة سريرياً؛ أي أن قلبها ما زال ينبض، ولكنها عاجزة ومشلولة عن الحركة عن العمل والتفكير، لأن عقلها معطّل ومشلول. ويحتمل أن تموت نهائياً، ويتوقف قلبها عن الخفقان في أي لحظة، نتيجة لتصلب شرايينها وارتفاع ضغط الدم فيها، الناتج عن قلة الحركة والسمنة المفرطة.
قال الفيلسوف نيتشة :
من أراد أن يرتاح فليعتقد، ومن أراد أن يكون من حواريي الحقيقة فليسأل.
ونحن لا نريد أن نرتاح، ولا أن نُريح الآخرين.
لا نريد الاعتقاد المسبق، اعتقاد العجائز لكي نرتاح.
نريد أن نُصلى بنار أسئلة الحقيقة.
ونريد أن نُصلي الآخرين بنار أسئلتنا.
إن مهمة المثقف العضوي الحقيقي هو أن يحيل الأجوبة اليقينية الراسخة المؤكدة القديمة إلى أسئلة مقلقة وحرجة جديدة. وبهذا وحده يمكن لنا أن نجدد الثقافة العربية، ونجعل منها ثقافة السؤال.
وثقافة السؤال هي أعلى مراتب الثقافة.
هي ثقافة الابداع . وهي حلم المثقفين الليبراليين، وهدفهم الكبير.
وهذا الكتاب يطرح أسئلة كثيرة، ويحاول الاجابة عنها بطرح أسئلة جديدة. وعليكم أن تجيبوا أيضاً عنها، ولكن بابتداع أسئلة جديدة.
فالجواب الشافي هو في السؤال الشافي.
فاسألوا يا قوم كثيراً، اسألوا كثيراً ومن جديد، حتى وأن كانت هناك أجوبة مسبقة لأسئلتكم.
فإجابات الأمس ليست عن أسئلة اليوم.
فلكل عصر أسئلته.
وهذه بعض أسئلة عصرنا.
من مقدمة لكتابي الجديد quot;لماذا؟ اسئلة العرب في مطلع الألفية الثالثةquot; الذي سيصدر في ربيع هذا العام عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان
التعليقات