لم يعان شعب من شعوب العروبة التائهة مثلما عانى الشعب اللبناني الصغير والجميل والمسالم من عصور المد القومجي المخابراتي المهزوم والذي إستطاع بحرفنة أصيلة أن يحرق لبنان على رأس شعبه وأن يحيله لهشيم وخراب مقيم، بعد أن كان موطنا للإبداع والتألق والعطاء والجمال!.
كما لا يستطيع أي شعب عربي آخر أن يزايد على تضحيات وعروبة وعطاء الشعب اللبناني بالنسبة لقضايا العرب المحورية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي أكلت بتحولاتها وتطوراتها وتداخلاتها من الجهد اللبناني وحتى من وحدته الداخلية والعلاقات بين قواه السياسية الشيء الكثير منذ أن إنطلق الكفاح الشعبي الفلسطيني في أوائل الستينيات يحاول لم الشعث ويطالب بحقوقه التاريخية المستلبة، فكان الشعب اللبناني وقواه الوطنية مسيحية ومسلمة خير عون ومساند لذلك الشعب ولم يبخل بالغالي والنفيس وقدم رغم قلة الإمكانيات أروع صور التلاحم القومي والإنساني، والجميع يعلم بقصة الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان وهي قصة مأساوية ذات فصول دموية مرعبة، والتداخلات التاريخية التي نظمت تلك العلاقة، وصفحات تاريخ لبنان المعاصر تحمل صورا مؤلمة لحلقات صراع ودماء لم تكن ضرورية ولا حتمية ولكنها حدثت لتشكل مع قضايا أخرى جزءا فاعلا من عملية التدهور والإنحطاط التي عاناها الوضع اللبناني الداخلي والذي أدى للحرب الأهلية المهلكة المعروفة الكبرى والممتدة من 1975 وحتى 1990 وما كان يدور قبل ذلك منذ نهاية الخمسينيات من حملات شد وجذب وإستقطاب إستخبارية لأنظمة عربية معينة ومن حروب صغيرة للآخرين على أرض لبنان والتي جعلت من ذلك البلد ساحة لتصفية الحسابات بين البعثيين والناصريين وكل قوى المخابرات الغربية و الشرقية، واليوم وبعد جريان مياه عديدة تحت كل الجسور، وتحرر لبنان تحررا حقيقيا لأول مرة منذ إستقلاله عام 1943 لا زالت العديد من النتوءات المزعجة تشوه الوجه اللبناني وتهدد إستعادته الكاملة لعافيته، فعملاء النظام السوري المهزوم لم تزل لهم قواعدهم المعروفة والسرية وخلاياهم الناشطة والنائمة، وثعابين المخابرات السورية لم تزل تسرح وتمرح في المرج اللبناني مهددة بضربات مفاجئة قد تحدث في أي لحظة، والأخطر من هذا وذاك أنه ومع الفوضى الإقليمية القائمة في الشرق الأوسط يظل لبنان بمثابة ساحة إختبار للعديد من القوى المتطلعة لإنتزاع مكاسب إقليمية ما على حساب أمن الشعب اللبناني وحريته، وتظل قائمة التحديات الداخلية في حالة توتر شامل في ظل حالة الغموض لشكل وطبيعة المنطقة المستقبلية مع تزايد حالات الصراع الإقليمية والتي دخلت منعطفات تاريخية وحساسة، ولكن يبقى للسلاح الفلسطيني المخزن في لبنان وللبندقية الفلسطينية التي تعمل في لبنان وتوجه فوهتها لغير الهدف المعلن ولصالح النظام السوري بالتحديد دوره الخطير والمتأزم في بناء الملف الأمني اللبناني الحساس، وإذا كانت بعض الجماعات اللبنانية الحليفة للنظام السوري الآيل للسقوط تتعهد بدواعي وطنية صرفة بالسيطرة على سلاحها فإنه لا ضمانة لذلك أمام السلاح الفلسطيني السائب والمخصص أصلا لعملاء النظام السوري من الفلسطينيين وخصوصا جماعة جبريل ضابط المخابرات السورية المعروف وآخرين يعرفهم الشعب اللبناني، وكان الله في عون السلطات اللبنانية وهي تحاول إنتزاع الشوك السوري المسموم من اللحم اللبناني الحي، وكان الله في عونهم وهم يعملون لتنظيف مسيرة نصف قرن كامل كانت حافلة بكل صور التدخل والتداخل وتدمير الوطن اللبناني من الداخل، فالمهمة صعبة ومعقدة، ولكن ثمة حقيقة ساطعة في لبنان الجديد والحر تتمثل في أنه لا مكان ولا مجال (للزعرنة) والفوضى وتحدي إرادة وحرية الشعب، وجمهورية الفاكهاني الفوضوية لن تعود، ومن يريد تصفية الحساب مع الإسرائيليين فأمامه الحدود مفتوحة وليفتح جبهة الجولان المغلقة (حتى ظهور المهدي)! ثم نرى بطولاته هناك، أما العودة (لزعرنة) وإنفلات السبعينيات وشعاراتها الطفولية، فقد تجاوزها الزمن، وقيامة لبنان الجديد الحر لن يعرقلها الزعران من صبيان بعث سوريه النافق. فمن المعلوم أن طريق القدس لن تمر ببيروت بل أن لها طرقا أخرى يعرف سلوكها من يريد ذلك حقيقية؟ رهاننا على شعب لبنان الحر فقد أثبت أنه في مستوى التحدي ودماء شهدائه الأحرار الأبرار هي منارات الهدى وهي الدليل الناصع في ليل العروبة المكفهر الحالك.. من لبنان الصغير ترسم خارطة الحرية والمستقبل.
- آخر تحديث :
التعليقات