مرّة أخرى يعود موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان ويطرح نفسه بقوة وحدّة كما في الأيام التي سبقت اندلاع الحرب اللبنانية في نيسان- أبريل من العام 1975. هناك من يحاول اقحام السلاح الفلسطيني في عملية واضحة كلّ الوضوح الهدف منها المساهمة في تغطية جريمة أغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وغيرها من الجرائم التي أرتكبت في لبنان أخيراً مستخدماً الفلسطينيين وقوداً في معركة يفترض الآّ تكون لهم علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد. والأكيد أنه كلّما اقترب اليوم الذي ستظهر فيه الحقيقة كاملة، ستطفو على سطح الأراضي اللبنانية مخلّفات النظام الأمني السوري ndash; اللبناني الذي لم يعد لديه سلاح سوى تلك الألغام التي زرعها طوال سنوات تحسّبا لمرحلة ما بعد خروج القوات السورية من لبنان. وقد خرجت بالفعل في أبريل- نيسان من العام الماضي، لكن الألغام التي زرعها السوريون عبر أجهزتهم ما زالت في مكانها وبينها السلاح الفلسطيني الذي يؤذي اللبنانيين والفلسطينيين وقضيتهم في آن.

من الواضح أن النظام الأمني المشترك الذي يعتبر المسؤول المباشر عن أغتيال رفيق الحريري وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني سيستخدم كلّ ما لديه من الغام وأسلحة لأثبات أن لبنان بلد غير قابل للحياة بعد خروج القوّات السورية منه وأنه أنما يكون quot;ساحةquot; سورية وأمّا لا يكون. وفي هذا السياق كان الرئيس بشّار الأسد واضحا كل الوضوح مع ممثلي المنظمات الفلسطينية المعارضة للسلطة الوطنية الذين التقاهم في أيلول- سبتمبرالماضي. في ذلك اللقاء الذي شدّد فيه الرئيس السوري على أهمية التصعيد العسكري في الأراضي الفلسطينية، حرص في الوقت ذاته على تأكيد ضرورة أحتفاظ الفلسطينيين في لبنان بسلاحهم الى حين يأتي فيه اليوم الذي يتأمن لهم حق العودة بموجب القرار 194... وذلك بغض النظر عمّا أذا كان في أستطاعة لبنان تحمّل السلاح الفلسطيني خارج المخيمات او داخلها.

هل من المنطقي بقاء لبنان اسير حق العودة للشعب الفلسطيني، علما بان واجب لبنان حكومة وشعبا توفير ظروف معيشية وأنسانية لائقة لأي لاجئ على أرضه؟ هل من المنطقي أن يدفع لبنان وحده ثمن الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني وأن يكون هذا الثمن مضاعفاً مرتين؟ مرة اولى عندما تتحوّل المخيمات مجرّد جزر امنية لا سلطة للدولة عليها ومصدر قلق للبنان واللبنانيين وتهديدا للأستقرار في البلد. ومرة ثانية عندما تصير منظمات فلسطينية تابعة مباشرة للنظام السوري ادوات في لعبة لا فائدة منها سوى القول للعالم أن لبنان ليس قادراً على حماية نفسه بنفسه وأن الخيار بين الفوضى المتمثلة بالفراغ الأمني من جهة وبين عودة القوات السورية من جهة أخرى كي تمسك دمشق مجدّدا بخيوط اللعبة وكي تحول دون تفجير مزيد من الألغام التي زرعت في السنوات الأخيرة عن سابق تصوّر وتصميم؟

كان تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي الألماني ديتليف ميليس في تشرين الأول- أكتوبر الماضي نقطة تحول على الصعيد الأقليمي وذلك بوضعه النقاط على الحروف وتأكيده صراحة أن أصابع الأتهام في أغتيال رفيق الحريري موجهة الى النظام الأمني السوري ndash;اللبناني. وهذا يعني بطبيعة الحال أن على النظام السوري مواجهة الحقيقة، أو أقله المباشرة في ذلك على غرار ما حصل في لبنان حيث صار قسم من ركائز النظام الأمني في السجن في أنتظار المحاكمة. وكل ما فعله النائب السابق للرئيس السوري السيد عبدالحليم خدّام حتى الآن هو أعطاء صدقية لميليس الذي خلفه في رئاسة اللجنة الدولية قاض بلجيكي يبدو أنه لن يكون نزاهة وأحترافاً منه.

يبدو منطقيا بالنسبة الى النظام السوري أن يرفض التعاطي مع الواقع المتمثل في تقرير ميليس وقرارات مجلس الأمن وكلام خدّام، خصوصاً أن أي صفقة يعقدها، هذا أذا وجد من يعقد معه صفقة، ستشمل أشخاصا في أعلى الهرم السياسي والأمني ليس قادراً على تسليمهم الى التحقيق الدولي. كذلك، يبدو منطقياً أن تعمل القيادتان المصرية والسورية على أقناع الرئيس بشّار الأسد بأن الخيار الوحيد امامه هو الأمتثال لما تطلبه منه لجنة التحقيق الدولية ، لا لشيء لأن ربط مستقبل نظامه بما يراه النظام الأيراني مناسباً له ليس سوى ممارسة لعملية هروب الى امام خشية مواجهة الحقيقة. ولكن ما يبدو غير منطقي وجود أنسان فلسطيني، مهما بلغت درجة العمالة لديه للنظام السوري أو لغيره من الأنظمة في المنطقة، على أستعداد لألحاق الأذى بلبنان واللبنانيين واطلاق النار على موظفين عاديين في بلدية بلدة الناعمة جنوب بيروت لمجرد أنهما مرا في منطقة قريبة من قاعدة فلسطينية...هذا الأنسان الفلسطيني الذي يقدم على مثل هذا العمل المشين، أرضاء للنظام السوري، لا يخدم أسرائيل فحسب بل يؤكد أيضاً أن هناك منظمات فلسطينية لا همّ لها سوى التخريب على كل ما يمكن أن يخدم القضية الفلسطينية.

في كل الأحوال، يفترض في الفلسطينيين وغير الفلسطينيين الذين يستخدمون السلاح في لبنان لخدمة أسيادهم في المنطقة أن يتذكروا شيئاً واحداً هو أن لبنان تغيّر وأن الرهان على أنقسام اللبنانيين ليس وارداً. والدليل على ذلك أن كل اللبنانيين مسيحيين ومسلمين وقفوا في وجه من أطلق النار على الموظفين اللبنانيين لأنهما تجرّآ على الأقتراب من قاعدة فلسطينية لا فائدة منها سوى تأكيد أن هؤلاء الفلسطينيين من حملة السلاح على أستعداد لأن يكونوا مجرد مرتزقة عند هذا النظام العربي أو ذاك بدل السعي الى العودة الى فلسطين .

عاجلاً أم آجلاً، سيترتب على الفلسطينيين تسليم سلاحهم في لبنان. عاجلاً ام آجلاًrsquo; سيكتشف عملاء أسرائيل الذين أطلقوا النار على مواطنين لبنانيين يتجولان في أرض بلدهما أنهم ليسوا سوى مجرد عملاء وأن النظام السوري لن ينقذهم لأنه في حاجة الى من ينقذه. عاجلاً أم آجلاً سيكتشف هؤلاء أن لبنان تغيّر وأن المسلم اللبناني سيتصدّى لهم قبل المسيحي. عاجلاً أم آجلاً سيكتشفون أن هذا الكلام صحيح وأنه يصب في خدمة الفلسطينيين والعرب الذين لم يتخلوا عن الشعب الفلسطيني يوماً. سيكتشفون ان هذا الكلام صحيح لأنه لو لم يكن صحيحاً لما أستطاع الشعب اللبناني أخراج القوات السورية من لبنان. من كان يتجرأ قبل أقلّ من سنة على أن يحلم حتى بذلك أو أن يخبر زوجته أن مثل هذا الحلم الجميل راوده؟