لا خلاف على أن غالبية الكتاب العرب عبرت طوال الخمس سنوات الماضية عن رأيها فى عنصرية شارون وأسلوبه غير الحضارى فى تصريف ملف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وعلاقات الهيمنة التى سعى لفرضها على الجوار العربى، ولم يكن منتظرا أن تبادر هذه الغالبية إلى تغير موقفها أمام ما نزل به من مرض يمكن أن يتعرض له أى إنسان.. فميراث الرجل اللا إنسانى ومواقفه العنصرية عسكريا وسياسيا أكثر من أن تمحى أمام لحظة ضعف بشرى..
وكيف تمحى من تاريخ المنطقة أول معاركه فى الميدان عام 48 عندما شن هجوما عسكريا بالعربات المصفحة ضد قرية حدودية أردنية آمنه وهدم البيوت فوق 56 من سكانها إنتقاما من مقتل امرأة إسرائيلية.. أو دوره فى توسيع المستعمرات الإسرائيلية فى الضفة والقطاع عندما عينه اسحق رابين وزيرا للزراعة عام 77 .. أو دوره فى أكبر جريمة فى حق الانسانية ونعنى بها مذبحة صبرا وشاتيلا.. وعودته إلى توسيع المستعمرات عندما عين وزيرا للبنية التحتيه.. أو دوره فى الإعتداء على المسجد الاقصى.. ومخطط الدرع الواقى الذى أعاد عندما قام بتنفيذه عسكريا احتلال مدن الضفة والقطاع بعد أن تولى الوزارة عام 2001.. أو حصاره لمقر الرئيس ياسر عرفات لأكثر من ثلاث سنوات متواصلة حتى توفاه الله.. أو بناء الجدار العنصرى وما ترتب عليه من نهب لمزيد من الأراضى لصالح إسرائيل ومن تشريد لالآف العائلات وتفتيته لمئات الهكتارات الزراعية.. الخ..
لكن الملفت للنظر أن يتناول بعض المحللون الغربيين حياة الرجل من نفس الزوايا، بل أن بعضهم يتهكم على الرئيس الأمريكى عندما يُصر على وصفه بأنه رجل سلام !!..
يقول روبرت فيسك فى مقال مطول له بصحيفة الاندبندنت يوم 6 الجارى quot; كان شاورن من أشد وأقصى القادة العسكريين، ويكفى انه مسئول وحده عن مذبحة صبرا وشاتيلا التى تعد لدى الجزء الأكبر من العالم الغربى وكل العالم العربى واليسار الاسرائيلى أفظع جرائم الحرب التى شهدها العالم فى القرن العشرين أما واشنطن ولندن فلا ترياها كذلك بطبيعة الحال quot;..
يتساءل فيسك كيف يكون ارييل شارون رجل سلام وماضيه السياسى لا يدل على ذلك quot; فقد عارض إتفاقية السلام مع مصر عام 1979 وصوت ضد الإنسحاب من الجنوب اللبنانى عام 1985 وعارض فى مشاركة إسرائيل فى مؤتمر السلام فى مدريد عام 1991 كما عارض خلال عملية التصويت التى قام بها الكنيست على اتفاق اوسلو عام 1993 وامتنع عن التصويت إلى جانب اتفاقية السلام مع الأردن عام 1994، وصوت ضد اتفاقية الخليل عام 1997 وهاجم بشدة إنسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبنانى عام 2000، الى جانب ذلك نفذ بكل قوة مخططات الإستيطان فى الأراضى التى إحتلتها إسرائيل بعد حرب 1967 وكان طوال الوقت يبذل كل جهده للبقاء فى الضفة الغربية لكى يضمها رسميا فى نهاية المطاف الى دولة اسرائيل.. ثم يقال بعد هذا كله انه رجل سلام quot;..
أما نيال فيرجسون فيستعرض فى صحيفة صنداى تايمز يوم 8 الحالى أيضا السياسات التى لجأ اليها شارون طوال توليه مسئولية رئاسة الحكومة الإسرائيلية لتهميش السلطة الوطنية الفلسطينية وتكبيل قدراتها quot; كل عمل سياسى أو عسكرى أقدم عليه لم يقصد من ورائه القيام بدور رجل الدولة الحريص على مستقبلها وإنما على أمنها فقط، لم يقدم للجانب الفلسطينى أى موقف سياسى يعزز من سياساته تجاه شعبه إلى الحد الذى يمكن معه القول أن أسلوب تعايشه مع الفلسطينيين لم يكن سوى خدعة ميكيافيليه فرضها عليهم عدو عنيد، لقد كان يعتمد فى تشدده على الإدارة الأمريكية التى أيدت كل تصرفاته بلا تخفظ بل ومنعت عنه قرارات دولية ذات شأن عندما إستخدمت حقها فى الإعراض اكثر من مرة داخل مجلس الامن.. حتى الدولة الفلسطينية التى قالت واشنطن انها تدعم قيامها بحيث تُخلق مُسورة بجدار عنصرى يحرمها من ان يكون لها سماؤها و مياهها أو أن تكون لها سياستها الخارجية الحرة أو يكون لها جيشا تستخدمه فى الدفاع عن شعبها أن يكون لها قدس شرقية، لم تكن لتعيش لأنها ساعة الإعلان عنها ستولد ميته quot;..
وفى نفس اليوم يقول هنرى سيجمان رئيس المجلس اليهودى الأمريكى السابق فى مقال له بصحيفة الاوبزيرفر quot; لقد نكث شارون بكل وعوده مع رموز السلطة الفلسطينية ولم يتقدم خطوة واحدة لحماية مستقبل دولة اسرائيل quot;.. ويهاجم الإسرائيلون الذين يعتقدون أن شارون هو الشخص الوحيد الذى يمكن أن يجد حلا لصراع دولتهم مع الفلسطينيين والعرب.. يقول quot; إنهم لا يعرفون شئ، شارون ليس لدية أى إستعداد لتقديم تنازلات يكون من بينها مثلا إعادة الأرض التى إحتلتها إسرائيل إلى الفلسطينيين وفق الإقتراح الذى تقدم به الرئيس الأمريكى السابق بيل كلنتون عام 2001 أو تعويض العرب الذين صادرت إسرائيل أراضيهم وأقامت فوقها كتل استيطانية كبيرة ملاصقة لحدود ما قبل حرب 1967 أو السماح بأن تكون الأجزاء العربية من القدس عاصمة لدولة فلسطين quot;.. ويرى سيجمان أن الإنسحاب الآحاى من غزة لم يكن خطوة تهدف إلى quot; ارسائ دعائم السلام quot; وإنما إلى تجربة quot; سابقة quot; يمكن إذا نجحت أن تتكرر بالتدريج على مستوى مستوطنات الضفة الغربية بحيث تحتفظ إسرائيل فى نهاية المطاف بسيطرتها عليها كمنفذ لتفريغها من سكانها الأصليون بترحيلهم قسرا الى الجوار العربى أو إلى صحراء النقب وقطاع غزة، هروبا من الضغط الديموجرافى الذى يهددها..
وينهى الرجل مقالته قائلا quot; يتحمل شارون جزءاً كبيراً من مسئولية الفوضى التى يعيشها قطاع غزة وأغلب مناطق الضفة الغربية، لأنه نكث بكل وعوده مع محمود عباس وهو يعرف أنه لو وفى بها فستساهم فى تخفيف العبء عن الفلسطينيين وستمنح المصداقية لعباس.. ولأنه لا يريد هذه ولا تلك، تنكر لكل الوعود التى قطعها على نفسه وأشهد عليها أصدقاؤه فى الإدارة الأمريكية quot;..
أما هارفى موريس فيقول فى إحدى الصحف الأمريكية quot; تمكن شارون عن طريق الجمع بين القوة السياسية الغاشمة والمكر الدبلوماسى من تحويل قسم كبير من المؤسسة السياسية الإسرائيلية إلى مجرد كومبارس quot;.. ثم يتساءل quot; هل أداء مثل هذا الشخص ndash; الذى كان يتطلع إلى فترة ولاية ثالثه - البعيد عن الالتزام المتعطش للحرب يؤسس لقيام سلام أو يمهد لفض اشتباك دام عدة عقود يفتح له الطريق ليحصل على قلادة
صانع السلام ؟؟ quot;..
وعن سياسته مع الجانب الفلسطينى يقول موريس quot; حتى اللحظة الأخيرة كان يصمم على إكراه مسئولى السلطة على الإذعان لمشاريعه التصفويه أرضاً وبشراً مما ساهم فى وقوع الفوضى والشلل الوظيفى التى يعيشها الفلسطينيون هذه الأيام quot;..
إستشارى إعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]
التعليقات