يظن كثيرون أن أمريكا تمسك وحدها بأوراق اللعبة في الشرق الأوسط، ناسين وجود لاعب آخر أساسي في هذه المنطقة، يملك من الأوراق مثلما تملك أمريكا وأكثر، قادر على استخدامها لمصلحته، وقادر على تخريب مساعي أمريكا ومخططاتها، وقلب الطاولة في وجهها متى شاء.
لقد حالف إيران حظ كبير، فكل ما فعلته أمريكا في الشرق الأوسط، وكل ما دفعته من دم وجهد، ومال وسمعة، وما حققته وغيّرته وبدّلته، قد صب في معظمه لمصلحة إيران، وأعطاها من أوراق القوة والضغط، ما لم تكن تحلم به من قبل. فالقضاء على نظام بن لادن وطالبان في أفغانستان بالرغم من أهميته أمريكيا، إلا أنه قد خدم إيران كثيرا، من الناحية الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، فقد أتاح لها خفض قواتها العسكرية على الحدود الأفغانية، ووفّر عليها أموالا طائلة كانت تنفقها على هذه الجيوش الرابضة على الحدود الشرقية، وأشعرها بالأمن والاطمئنان.

لقد أزاحت الولايات المتحدة عن حدود إيران الشرقية هما ثقيلا، وعدوا عقائديا شرسا، لطالما كانت تخشاه إيران وتحسب له ألف حساب، وقف لها دوما بالمرصاد، واضطهد أتباعها الشيعة ونكل بهم شر تنكيل. وزوال هذا العدو عن حدودها قلب المعادلة رأسا على عقب، وأتاح لها صرف اهتمامها إلى ملفات وقضايا أخرى، لا بل جعل رجال القاعدة وطالبان يخطبون ودها ويستجدون عطفها، ويسعون إلى صداقتها ومساندتها، وحمايتها من أعدائهم الأمريكان، لعلها تجعل من أراضيها ممرا وملاذا آمنا، ومنطلقا لهم في حربهم ضد الولايات المتحدة عدو الطرفين اللدود.

كذلك الحال في العراق، فصدام حسين الذي أرعب إيران، وجعلها في خوف وقلق دائمين، والذي قهرها عسكريا، وأتعبها اقتصاديا، ثم جرعها كأسا من السم في وقف إطلاق النار، بعد أن أغرق أراضيها ومؤسساتها الخدمية بمئات آلاف اللاجئين من شيعة العراق الذين اضطهدهم وشردهم ونكل بهم، صدام حسين هذا أزالته أمريكا من أمامها، فأصبحت إيران في هناءة وفي واطمئنان، لا تخشى عدوا على حدودها غربا ولا شرقا، وفي الشمال أصدقائها، وأكثر من ذلك، فقد باتت مقاليد الحكم العراقي في أيد صديقة وحليفة لإيران، وصار بإمكانها قول كلمتها في هذا البلد، وتحريك أوضاعه لو شاءت، بما يخدم سياستها، ويعكر صفو أعدائها، وأمريكا، ويغرقها في الأوحال.
لقد استطاعت إيران أيضا إقامة علاقات طيبة جدا وممتازة- تؤهلها لأن تكون لاعبا أساسيا في الصراع العربي الإسرائيلي، ولو من خلف الكواليس- مع الفصائل الفلسطينية المسلحة (حماس، الجهاد، ...) المناوئة للسلطة الفلسطينية، والتوجهات الأمريكية، والرافضة لاتفاقات أوسلو، والمطالبة بتحرير فلسطين، كل فلسطين، والتي أثبتت على مدى السنوات الماضية قدرتها على إجهاض وتدمير أي اتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. إضافة لعلاقة إيران الوطيدة والمميزة بحزب الله اللبناني المسلح تسليحا عاليا، والمعادي لأمريكا، والذي يرى في إيران حليفا وصديقا وأخا يتوجب مساندته، والدفاع عن مصالحه، ومحاربة أعدائه، هذا الحزب القادر والمستعد في كل حين أن يجعل من شمال إسرائيل حدودا ملتهبة ومتفجرة، والقادر أيضا أن يقض مضاجع إسرائيل، ويدك مستوطناتها بصواريخ (الكاتيوشا) ويجعل ليلها نهارا، ونهارها ليلا، مما يؤثر بالتالي سلبا على الوضع في لبنان وتطلعات أمريكا.

إضافة لكل ذلك فإن إيران تمتلك ورقة ضغط أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وهي سلاح النفط والغاز الذي تعوم إيران على بحر منه، والذي يشكل شريانا حيويا لأمريكا وأوروبا واليابان. كما أن قدرتها على التأثير بأوضاع البلدان الخليجية النفطية، وقرب المفاعل النووي الإيراني (بو شهر) من دول الخليج، أكثر من قربه من طهران، يشكل هاجسا للخليجيين، والغربيين الذين يعتبرون هذه المنطقة مصدر حياة.

لقد صعدت إيران لهجتها ضد إسرائيل فطالبت بإزالتها من الخريطة العالمية، أو نقلها إلى أوروبا، لتضيف بذلك ورقة أخرى ضاغطة إلى أوراقها، تخيف بها أمريكا، والواقفين في وجه طموحاتها بأن تكون شريكا أساسيا في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديدة، وامتلاكها التكنولوجيا النووية.
إن إيران القادرة على التحكم بمضيق هرمز، والتي تمتلك مالا وفيرا، وسلاحا متقدما، وصواريخ متطورة، وأوراقا هامة كثيرة، تعني ما تقول عندما تهدد برد ساحق ماحق يصيب بالندم كل من يحاول النيل منها، فهي تدرك سر قوتها، وأهمية الأوراق التي تمتلكها، وسهولة استخدامها.

[email protected]