عندما أعلنت حركة حماس فى منتصف شهر ديسمبر الماضى انها ستخوض الانتخابات التشريعية الفلسطينية وبالتالى ستشارك فى الحكومة الجديد، لم تكن مدعية ولا كانت ممن يلعبون بالكلمات أو يصطادون فى الماء العكر بعد تفشى موجة القلاقل فى قطاع غزة.. ولكنها كانت تعبر عن قناعة من جانب قيادة نضالية مارست العمل التحريرى بكل شرف ونزاهه وقررت فى لحظة حاسمة أن تتبنى استراتيجية وطنية تجمع بين وجهى النضال التحريريين العسكرى والسياسى..

جاء هذا القرار بعد مداولات داخلية على مستوى القيادة والكوادر والقواعد فى الضفة والقطاع وفى ضوء نتائج لقاءات مع منظمة فتح برعاية مصرية مرات واحتضان اوربى مرات اخرى، افسحت الطريق لحماس بعد عشر سنوات من النضال التحريرى المسلح لكى تكون عن طريق الانتخابات التشريعية التى سيخوضها ابناء الشعب الفلسطنيى يوم 25 الجارى شريكا فى تحمل المسئولية وفى صنع القرار، لذلك وفى ظل انتخابات حرة نزيهه تعود عليها الشعب الفلسطينى سواء على مستوى البلديات او المجلس التشريعى.. يتوقع المراقبون ان يترجم هذا الموقف عبر صناديق الإقتراع الثقل الحقيقى الذى تمثله هذه المنظمة على مستوى الشارع الفلسطينى ويعكس مدى اقتناع المصوتين بأهدافها النضالية عسكريا وسياسيا..
لهذا السبب هاجم عكفيا الدار مراسل صحيفة هآرتس السياسى فى مقال له يوم 19 من الشهر الماضى مجمل سياسات شارون على إمتداد السنوات الخمس الماضية باعتبارها الممهد الرئيسى الذى وضع حماس على القمة جماهيريا دون أن يستخلص العبرة من تجربته السابقة فى لبنان والتى خططت لأستبدال كوادر منظمة التحرير الفلسطينية هناك بالكتائب المسيحية، ففتحت الباب على مصراعيه لحزب الله ان يتربع quot; منفردا quot; على القمة ويغير من معادلة القوى فى المنطقة الحدودية المشتركة بين كل من لبنان وسوريا وإسرائيل..
وبدلا من أن يعبر ايهود اولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلى بالنيابة عن موقف مغاير لهذهالسياسات الفاشلة بعد أن وافق - بناء على إنتقاد من جانب المتحدث الرسمى بإسم البيت الأبيض وإتصال هاتفى من واشنطن - لسكان القدس المحتلة على الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات التشريعيه، قرر منع مرشحى حماس فى هذه الدائرة من ممارسة حقهم فى عرض برامجهم على أصحاب الحق فى الإختيار عبر الدعايات المتعارف عليها والتى سبق وأقرتها الشرعية الدولية والراقبة الاجنبية التى تابعت عن كثب الانتخابات السابقة ، مما دلل بما لا يدع مجالا للشك على أن ديموقراطية إسرائيل التى يشيد بها الغرب باعبتارها quot; الوحيدة فى المنطقه quot; ما هى إلا آلية مزيفة وكاذبة وخاطئة لأن الكثير من مشاهدى محطات وفضائيات التلفزيون حول العالم رأوا بأعينهم كيف أُهين مرشحى هذه المنظمة وطرحوا أرضا ليس بسبب جرم ارتكبوه ولكن لأنهم متمسكون بحقهم فى تمثيل مواطنيهم وفق معايير دولية راسخة متفق عليها..
لذلك لم يكن مستغربا أن تنشر صحيفة الاندبندنت البريطانية صباح يوم 18 الجارى تقريراً تابعت من خلاله تنامى التأييد لمرشحى حماس بعد هذا المنع وأيضا بعد اغتيال اسرائيل لواحد من قادتها، وتوقعت ndash; عبر هذه المتابعة - ان يُظهر الناخبون تضامنا ملموسا مع مرشحيها:
-من ناحية بسبب السلبيات التى وصمت تحرك بعض قيادات السلطة على إمتداد سنوات طويله مما أدى إلى إخفاق العملية السلمية ككل.
-ومن ناحية ثانية بسبب مطالب الاصلاح والتغيير الجادة التى تعد بها المنظمة التى إختبر الشارع الفلسطينى مصداقيتها، عندما نفذت أغلب ما قطعته على نفسها من وعود وتعهدات.
أما صحيفة الجارديان فقالت فى نفس اليوم أن صورة رجل الأمن الإسرائيلى الذى كان يقتاد محمد ابو الطير مرشح حماس، الذى قضى فى السجون الإسرائيلية حوالى 30 عام، بلا إنسانية أو رحمة لإيداعه الحجز.. وكذلك مشاهد الأعتداء التى تعرض لها المتحدث الرسمى بأسم المنظمة أمام عدسات البث الاعلامى المباشر من القدس quot; وفر لمرشحى حماس دعاية إنتخابية لم يكن أحد يتوقعها quot; !!..
زيف الديموقراطية الإسرائيلية يتجلى فى أوضح صوره عندما نقارن بين موقف حماس المستقبلى المؤسس من ناحية على تجربة نضالية لها عمقها ومن ناحية ثانية على رؤية استراتيجية واقعية أشادت به صحيفة الديلى تلغراف البريطانية يوم 13 الجارى عندما نقلت من بيانها الإنتخابى الفقرة التى تقول فيها quot; إن شعبنا ما زال فى مرحلة التحرير الوطنى ولديه الحق فى العمل على استعادة حقوقه وإنهاء الاحتلال باستعمال كل الوسائل بما فى ذلك المقاومة المسلحة التى تدعم حقه فى تأسيس دولته وعاصمتها القدس quot;.. وبين قرارات الإعتقال الغاشمة والحبس الاحتياطى غير القانونية التى صدرت ضد ناشطى هذه المنظمة بالاضافه الى قرارات حرمانهم من القيام بجزئية الدعاية المتعارف عليها فى كافة النظم الغربية التى تعرف حقيقة معنى الترشح لتمثيل جماهير الشعب فى الدوائر الانتخابية..
هذه المقارنة المبنية على واقع مشاهد ملموسه وموثقه جعلت غالبية المراقبون الدوليون يصفون بيان حماس بأنه quot; ينأى بها عن التطرف quot; ويزيح الستار عن وجهها القادر على القيام بعمل سياسى نابع من حقائق متواجدة على أرض الواقع الفلسطينى المعاش.. ويدمغون قرارات إسرائيل بالعنصرية التى لا ترى الحقائق وتعيش فى أوهام السلطة الأحتلالية التى عفى عليها الزمن، والتى لولا الدعم الامريكى ما كان لها وجود منذ أمد بعيد..
من داخل اسرائيل يرى دانى روبنشتاين المحلل السياسى بصحيفة هآرتس أن قرار الكونجرس الأمريكى بوقف الدعم الذى تقدمه واشنطن للسلطة الفلسطينية إذا فاز مرشحوا حماس فى الانتخابات التشريعية بعدد يسمح لهم بالمشاركة فى الحكومة الفلسطينية القادمة، عمل فاشل وغير عملى لأنه quot; يرفض أن يصدق قاعدة التأييد الجماهيرية التى تتمتع بها هذه الحركة على مستوى الشارع الفلسطينى برغم أبواق التحذيرات الأمريكية ومدافع التهديدات الإسرائيلية quot;..
ويسخر الكاتب فى الوقت نفسه من توقعات يوفال ديسكين رئيس جهاز الأمن العام ( الشاباك ) الإسرائيلى بأن يعكس فوز المنظمة بعدد كبير من المقاعد على مستوى المجلس التشريعى quot; تأثيرا سلبيا على الشارع الفلسطينى quot; حيث يتساءل quot; كيف يزكى الواقفون وراء فوز حماس فى الإنتخابات البلدية مرشحيها فى الإنتخابات النيابية، ثم يكون لذلك أثر سلبى علىحياتهم quot;..
ويختم الكاتب مقاله قائلا quot; إذا أدى فوز حماس إلى تفعيل العملية السلمية بما لا يتوافق ومخططات الجانب الإسرائيلى سيئة السمعه، فلن يكون السبب ممثلوها فى المجلس التشريعى وفى المجلس التنفيذى الفلسطينيين.. ولكن سيكون السبب هو الجانب الاسرائيلى الذى لا يرى أبعد من موقع قدميه والذى لا يريد ان يعترف بفشل سياساته المتعاقبه خصوصا على يد ارييل شارونquot;..

إستشارى إعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]