بعد أن تمت خصخصة كل شئ فى مصر وخضوعها لمنطق مقاولين الأنفار وسماسرة الشقق المفروشة، لم أندهش حين أخبرنى الصديق الناشر فريد زهران الذى لم يكن قد تسلم كارنيه دخول الناشرين بسبب منع الموظفين عن ناشرى القطاع الخاص كارنيهات الدخول حتى منتصف اليوم الثانى كإجراء أمنى لدرجة أن يوم الأربعاء الماضى كان يوم رص الكتب على الرفوف وفتح الكراتين وتعليق اللوحات ومسمرة المواسير والقواطيع .....إلى آخره مما حول المعرض فى هذا اليوم إلى سوق التلات برغم أن المفروض أن يكون كل شئ جاهزاً قبل ميعاد المعرض، مماجعلنى أشك فى أن الرئيس مبارك زار معرضاً آخر لزوم التصوير التليفزيونى !، أخبرنى الناشر بأن معرض الكتاب تعرض لنفس منطق المقاولين السابق فقد أرسى على شركة خاصة وسلمته الشركة لشركات أصغر، وهكذا ضاعت ملامح المعرض بين منطق السوق وسيادة السوء !، وأعتقد أن المعرض بهذا الشكل قد دخل مرحلة الموت الدماغى والوفاة الإكلينيكية والغيبوبة المخية التى نظن فيها أن الجثة تعيش لمجرد أن خرطوم الأوكسيجين وجهاز التنفس الصناعى إلى جانبها، وهى فى الحقيقة ودعت الحياة ولم يعد إلا إثبات الموت فى الأوراق الرسمية وإستخراج شهادة الوفاة .
الورق الذى يكسب الجولة فى معرض الكتاب هو الورق الذى يغلف أكياس الشيبسى وبسكويت الشمعدان وساندوتشات الهامبورجر والطعمية السورى وصدور الفراخ ....الخ، وينافس هذه الأوراق الكتب السلفية التراثية المكتسحة معرض هذا العام، وبقراءة مافى الأكياس المعبأة تستطيع أن تقرأ عقل مصر الحالى، فأكثر من 90 % من الخارجين من الأجنحة وسراى العرض يحملون أكياساً بها عناوين غريبة وعجيبة معظمها عن عذاب القبر وفتاوى النساء وكتب فقهاء الوهابية من أمثال بن باز و إبن العثمين وغيرهم، ولو دخلت جناح الناشرين المصريين فى سراى هيئة الكتاب بدون أن تشاهد اللافتة ستتخيل أنك قد دخلت أحد كهوف تورا بورا أو مقر قيادة طالبان !، ولم يكتفى هؤلاء بإحتلال هذا السراى بل زحفوا على الأدوار العلوية لباقى الأجنحة حتى وصل الزحف إلى سراى ألمانيا المتنفس الوحيد للكتب التى تسبح ضد التيار والتى تصدر معظمها دور نشر لبنانية، وبالطبع يقع هذا السراى التنويرى فى موقع منزوى فى نهاية المعرض وكأنه عورة، ورغم أن المثقفين من مدمنى المعرض كانوا يحفظون مكانه إلا أنهم فوجئوا هذا العام بأن دور النشر السلفية قد إحتلت أيضاً معظم هذا السراى وكأنهم لايكفيهم إبتلاع ثلاثة أرباع المعرض .
الهاجس الأمنى يسيطر على معرض الكتاب، فهل من المعقول أن يضحى بمواعيد المعرض وأنشطته من أجل عيون بطولة الأمم الأفريقية، فيكفى أن النصف الأول مضروب من أجازة نصف السنة، فلماذا نضحى بالنصف الثانى، وهل تجمع مشجعى الثقافة إلى جانب مشجعى الكورة بمثابة إقتراب البنزين من النار ؟!، وإلى متى يظل كل نشاط وسلوك مصرى محكوماً عليه بالمرور من بوابة الأمن والنظرة البوليسية ؟، لاتخافوا من المثقفين فهم قوم تسكن أجسادهم الأمراض المزمنة ونيكوتين السجائر ونفسهم مقطوع وليست لديهم بلطجة مشجعى الكورة، ويكفى لتفريق تجمعاتهم عسكرى أمن مركزى، فإطمئنوا تماماً فهم لايملكون إلا صدورهم العارية.
من ضمن الكتب التى ستثير الجدل كتاب د.أحمد راسم النفيس الذى يجيب فيه عن تساؤل مهم وهو لماذا إختار مذهب الشيعة بدلاً من السنة؟! وهو من إصدار المحروسة، وكتب المفكر الإسلامى المنفى أحمد صبحى منصور فى دار الجيل والإنتشار العربى بسراى 4 والتى يجيب فيه عن تساؤل شائك آخر وهو لماذا أصبح قرآنياً؟، وهناك كتابان صادمان آخران من إصدارات رياض الريس عن جناية البخارى وجناية سيبويه، أما كتاب quot;بنى بجم
quot; للكاتب الساخر بلال فضل فهو يتمرد ويسبح خارج المياه الإقليمية للقصة القصيرة التقليدية ويلمس بصدق وعذوبة مناطق جديدة بكر عصرية جداً، وكنت أتمنى أن يضم إليها قصة زبادى والشات التى كتبها أخيراً فى الدستور والتى أعتبرها قصة عبقرية حقاً .
أسعار الكتب اللبنانية نار وعلى العكس أسعار الكتب السلفية ماء سلسبيل، ويعتبر رقم مائة جنيه رقم عادى جداً فى سوق الكتاب اللبنانى، ودور النشر الشهيرة ذات العناوين الجريئة المغردة خارج السرب يتجاوز سقفها سقف الجيب المصرى المتوسط الذى هو عماد حركة شراء الكتب، فأغنياء الحرب والإنفتاح أحياناً يشترون الكتاب على حسب لونه الذى يتماشى مع لون الأنتريه، وأحياناً على حسب حجمه الذى يضفى ثقافة زائفة على صاحب البيت، ولذلك فالطبقة المتوسطة هى رمانة الميزان فى سوق الكتاب، وعلى دور النشر التى تتجاوز الخطوط الحمراء مثل رياض الريس والجيل والإنتشار العربى والطليعه والمدى وطوبقال المغربية ..وغيرها من دور النشر غير التقليدية أن تتوجه إلى الطبقة المتوسطة المصرية بطبعات شعبية رخيصة حتى ولو خاصمت الفخامة، فالقارئ المصرى محاصر بين مطرقة كتب الخرافات وسندان فتاوى الفضائيات .

bull; المجلس الأعلى للثقافة يكسب فى معرض الكتاب
فى الركن البعيد الهادى المستخبى بسراى 4 يقبع جناح المجلس الأعلى للثقافة وصندوق التنمية الثقافية أمام جناح المجلس الأعلى للآثار، وهذا الركن بالفعل كنز على بابا الملئ بياقوت الكتب ومرجان العناوين ولآلئ الترجمات، ويكفى المجلس الأعلى للثقافة فخراً مشروع الألف كتاب بترجماته المتميزة، فهذا المشروع يقتحم أحراشاً مجهولة بالنسبة للمثقف المصرى ويحاول أن يعدل الميزان المقلوب للإستهلاك الثقافى المصرى الذى رجحت فيه كفة كتب الخرافات والغيبيات على كتب الفلسفة والعلم والفن، وقد إستقطب المجلس الأعلى مترجمين عظام من أمثال د.مستجير وشوقى جلال وإمام عبد الفتاح، والسلسلة الجديدة التى يشرف عليها د.إمام عبد الفتاح إمام تلميذ د. زكى نجيب محمود المخلص هى سلسلة فريدة من نوعها تعرض للقارئ تعريفات فلسفية وأدبية وعلمية بمنتهى السلاسة البعيدة عن السطحية وبمنتهى الجدية البعيدة عن التعقيد والألغاز، ومن ضمن نجاحات المجلس فى معرض هذا العام مجموعة أعمال يحيى حقى، هذا الكاتب الكبير الذى لم يوف حقه بعد، إنه الكاتب الوحيد فى مصر الذى توقف عن الكتابة حين أحس أنه لن يقدم جديداً وهو البئر الذى لاينضب، وهو الكاتب الوحيد الذى إختار جرائد مجهولة للنشر فيها إحتراماً لقلمه وحريته، ومن ضمن جواهر هذا الكنز المجلدات التى تجمع دراسات وأبحاث الإحتفاليات المختلفة للمجلس مثل إحتفالية رفاعه الطهطاوى ومحمد على والمازنى، إنه بالفعل كنز أنصحك عزيزى القارئ الباحث عن المختلف والذى لم يؤجر عقله مفروشاً لأى تيار، أنصحك أن تطرق باب هذا الكنز، وكلمة السر إفتح يامجلس !.

bull; قرار حظر التبول للمثقفين فى معرض الكتاب !
أطالب وزير الثقافة الفنان فاروق حسنى أن يقوم بعملية فدائيةً ويدخل دورة مياه معرض الكتاب !، وأعد الوزير الفنان ألا تدرجه واشنطن ومخابراتها المركزية على قوائم الإرهابيين، وأنا متأكد من أن الوزير لن يستطيع الصمود والتصدى لمدة ثانية واحدة حتى ولو إنضم إلى تنظيم حماس !، فدورات مياه معرض الكتاب لايرضى الوزير أن تدخل فيها الكلاب التى تحرس فيلته فى الجيزه، ومن المضحكات المبكيات أن صديقى عندما قضى حاجته وبعد أن أفرغ مثانته هناك وجد أن تيار المياه قد نزل كاملاً من دون نقصان على حذائه الأجلاسيه اللميع، فقد كانت المبولة مخرومة تيمناً من مسئولى المعرض بخرم الأوزون حتى يسايروا ركب العلم والحضارة !، الرائحة تزكم الأنوف والمشهد يتفوق على أفلام الرعب وطفح البلاعات المسدودة يؤهل المعرض ويرشحه لإقامة بطولة السباحة الدولية والتزحلق على جليد الأمونيا والإفرازات البشرية والنفايات الآدمية، وأقترح على القضاة أن يستبدلوا حكم دخول دورة مياه معرض الكتاب بحكم الإعدام شنقاً أو بالكرسى الكهربائى، وأنا متأكد من أن المحكوم عليه سيصرخ من داخل القفص طالباً الحكم الأخير، وأعتقد أن هناك لبساً عند مسئولى معرض الكتاب فهم يعتبرون المثقف المصرى كائناً فضائياً بلامثانة وبدون قولون أو أمعاء غليظة، وبذلك فهو مخلوق لايدخل الكنيف ومثقف لايعرف بيت الراحه أو مكان الأدب برغم أنه ينتمى إلى طائفة الأدباء !، ياسادة المعرض ليس مجرد رفوف كتب وعرض عناوين، ولكن لابد لمن سيتجول فيه أن يحس بالراحة والأمان والآدمية على الأقل، ولذلك أقترح على الوزير الذى سمح للمثقفين بحرية التجول فى المعرض أن يصدر قراراً بحظر التبول فيه حفاظاً على الحد الأدنى من إنسانيتهم، أو يصدر قراراً آخر بالتعاون مع وزارة البيئة بالإستفادة من المعرض فى إقامة مصنع للنشادر والأمونيا والسماد البلدى فى نفس مكانه وتكليف أحد الفنانين بنحت نصب تذكارى على شكل كومبينيشن وعلى المتضرر شد السيفون !.
[email protected]