-1-
قالت الأخبار أن الأردن ينوي اقامة ساحة للحرية بعمّان، لكي يتمكن أصحاب الرأي من قول آرائهم بكل شجاعة وصراحة. وستكون هذه الساحة على شاكلة quot;الهايد باركquot; في لندن. وتعدُّ هذه الساحة - فيما لو قامت - أول ساحة للحرية في العالم العربي، بل وفي العالم الثالث عموماً. وهكذا يكون الأردن هو quot;الرائدquot; وهو quot;القائدquot; في مسيرة الديمقراطية في العالم الثالث عموماً . ويخرج من قائمة العالم الثالث لينضم إلى قائمة العالم الثاني، أو ربما العالم الأول ليس بقوته العسكرية، وليس بقوته الاقتصادية، وليس بقوته الاعلامية، وليس بقوته السياسية، وانما بادعاء الديمقراطية وبكيفية طلاء الحكم بقشرة الديمقراطية اللامعة، التي لا تلبث أن تقبع عند أول فركة إصبع قاسية، أو حكّة رأس سكين!
-2-
لا أدري كيف يفكر المسؤولون الأردنيون؟
وكيف يضعون دائماً العربة المتآكلة والمتهالكة أمام الحصان الهرِم؟
وكيف يقفزون دائماً إلى التزويق والتنميق، دون أن يحفروا عن الجذور، لكي يقتلعوها، وينبتوا مكانها نباتاً طيباً.
ساحة للحرية بعمّان.. عجبي!
أهذه هي نهاية المطاف في الاصلاح السياسي الأردني؟
هل حرر الأردن الإعلام الأردني من السيطرة الحكومية، قبل أن يقيم ساحة للحرية بعمّان؟
أليس الإعلام الأردني المقروء والمسموع والمشاهد هو تحت سيطرة ورقابة ومُلكية الدولة، كما هو الحال في الدول التوتاليتارية كمصر وسوريا والعراق السابق، ودول عربية أخرى؟
أما كان الأجدر قبل التفكير باقامة ساحة للحرية بعمّان، أن تتخلّى الدولة الأردنية عن ملكيتها للإعلام الأردني لكي تحرره من ربقة التبعية للدولة، وتطلق العنان للأقلام الحرة فيه أن تقول كلمتها في الحق ومحاربة الفساد المالي والإداري؟
أما كان الأجدر بالدولة الأردنية قبل التفكير باقامة ساحة الحرية بعمّان الغاء الرقابة على المطبوعات ومصادرة الكتب وحرقها وسجن الشعراء، واغلاق quot;دائرة المطبوعات والنشرquot; التي أصبحت مسلخ الثقافة الأردنية، ومجزرةً للفكر والكتب، مثلها مثل أية رقابة في أي دولة ديكتاتورية متخلفة؟
-3-
لماذا تقفز الدولة الأردنية على الحوائط والأسوار والسدود التي وضعتها على حرية الرأي، منذ أكثر من نصف قرن وما زالت حتى الآن، وتريد الآن أن تقيم ساحة للحرية بعمّان؟
لماذا لا تحفر الدولة الأردنية - إن كانت صادقة حقاً في توسيع هامش الحرية - على جذور الاستبداد والحكم المطلق الكامن في الدستور الأردني الذي كُتب منذ نصف قرن لشعب كانت نسبة الأمية فيه 90 بالمائة، وتقوم بتعديل نصوص هذا الدستور بعد أن بلغ الشعب الأردني سن الرشد الآن، ولم يعد بحاجة إلى وصاية الآباء والأجداد؟
لماذا لا نأخذ بأسس الديمقراطية الحقة، وننتخب رئيس الوزراء بدلاً من تعيينه وخلعه لأسباب نجهلها في كل مرة، ولا نعلم لماذا تم اختيار فلان، وتنحية علتان؟
هل حققنا كل هذه الاستحقاقات الديمقراطية لكي ننتهي إلى بناء ساحة للحرية بعمّان؟
عجبي!
-4-
ماذا سيقول الخطباء غداً في ساحة الحرية المزعومة هذه؟
هل مسموح أن يطالبوا غداً بتعديل الدستور، بحيث ينتقل الأردن من دولة ملكية مطلقة، إلى دولة ملكية دستورية؟
هل مسموح أن يطالبوا غداً بتعديل الدستور، بحيث يتم انتخاب رئيس الوزراء لمدة أربعة سنوات ولدورتين فقط، بدلاً من تعيينه بسبب انتمائه العشائري والقبلي، أو لخفة دمه، أو لسلاطة لسانة في مجادلة المعارضة، أو لتاريخه الأمني والعسكري، أو لمراوغته في الهروب من تنفيذ الوعود التي يأتي بها بحجم قنطار، ويذهب معها دون تذكار؟
هل مسموح أن يطالبوا غداً بالغاء وصاية الدولة للإعلام وتحقيق حرية الإعلام تحقيقاً غربياً، وليس على الطريقة العربية الناصرية، أو الطريقة العربية البعثية؟
-5-
ساحة الحرية المزمع اقامتها بعمّان نكتة.
ولقد سبق أن قال عدنان أبو عودة السياسي الأردني العريق في واشنطن، عندما سُئل عن رأيه، أن الديمقراطية الاردنية نكتة.
ولا شك أن ساحة الحرية المزمع اقامتها في عمان هي جزء من مسيرة الديمقراطية كما تزعم الدولة الأردنية.
وما دام الأصل نكتة، فماذا سيكون الفرع؟
ويا أمة سخرت من كذبها الأمم.
التعليقات