يقف رئيس مجلس الأمة الكويتي جاسم الخرافي موقفا لا يحسد عليه أبدا فهو الآن وسط أجواء المواجهة الساخنة بين طرفي الصراع الذي أصبح واقعا على الساحة الكويتية بين قطبي الحكم الشيخ سالم العلي والشيخ صباح الأحمد، اللذان يواجهان بعض بطرق غير مباشرة .. ويستخدمان كافة الوسائل دون أن يقفا بوجه بعضهما البعض، ولا نستغرب مستقبلا إذا رأيناهما متصافحين ( وعفا الله عما سلف ) لأن هذا هو طباع الحكام طباع أهل الكويت اللذين يختلفون لكنهم لا يفجرن في خصومتهم.
الرئيس الخرافي أمام مرحلة تاريخية هامة .. ويقف على أعتاب التاريخ بلحظات يصعب أن تتكرر ونجده يسعى بكل جهد وحكمه كي تحل الأمور دون الحاجة إلى اللجوء لإجراءات من شأنها أن تحدث شرخا في الذاكرة الكويتية .. وهو الأمر الذي بدا واضحا من خلال عدم استعجاله لاتخاذ قرار بشان الموقفين المتناقضين .. تحديد جلسة لسمو الأمير الشيخ سعد العبداللة لأداء اليمين بناء على طلبه.. والموقف الثاني متمثل بطلب مجلس الوزراء بتفعيل المادة الثالثة من دستور دولة الكويت بعدم أهلية الأمير الحالي الشيخ سعد بسبب ظروفه الصحية الحرجة.
إن هذه الأيام الحرجة والمراحل التاريخية تتجلى بها حكمة السياسي القدير .. القادر على اتخاذ القرارات التاريخية بشجاعة وحكمة .. وأن يضع مصلحة الوطن والمواطنين نصب عينية.
لقد أمضى جاسم الخرافي سنوات طويلة من حياته في العمل السياسي سواء كنائب في مجلس الأمة أو وزيرا للمالية .. أو رئيسا لمجلس الأمة في دورتين متعاقبتين .. وفي عمله السياسي فإن للخرافي مآثره ومزاياه كما له سلبياته وأخطائه.. لكنه بالتأكيد واحدا من رجال الكويت المخلصين الذين حملوا على عاتقهم المسؤولية واجتهدوا في إدارتها.
لقد عاصر الخرافي كلا من الشيخ سعد العبداللة والشيخ صباح الأحمد ورافقهما سنوات طويلة في العمل السياسي من مواقع مختلفة .. وهو اليوم يقف موقفا شديد الحساسية والخصوصية .. وتقع على عاتقة مسؤولية كبيرة في إدارة هذه الأزمة الحالية التي نكرهها جميعا .. وهو الآن مطالب بأن لا يكف عن بذل كافة المساعي الحثيثة لاحتواء هذه الأزمة قبل أن تتفاقم، والتي نتمنى أن تحل في إطار الأسرة الواحدة دون أن تصل إلى أروقة مجلس الأمة خاصة بعد أن انتقلت إلى اجتهادات الصحافة وتكهنات الكتاب ومادة خبرية تتداول حسب أمزجة الفضائيات.
إن القادة التاريخيين تصنعهم الأحداث الجسام وتثبت كفاءتهم الأيام العصيبة .. ولا أشد أو أصعب من هذا اليوم الذي تعيشه الكويت وهذا الموقف الصعب الذي وضعنا به اختلاف أقطاب الأسرة الحاكمة الذين لم يعرفوا كيف يتفقون فيما بينهم دون أن تتصعد خلافاتهم وتتدخل فيها أطراف أخرى.
إن المناصب الكبرى والقيادية ليست وجاهة يسعى إليها أصحابها للاستمتاع بالسلطة في أيام الرخاء .. بل هي الإيمان العميق لأصحابها بقدرتهم على الإدارة السليمة وإتباع الحكمة وقت الشدة والعسرة .. وهذه الأيام الشديدة نحن أحوج ما نكون إلى أصوات الحكماء وآرائهم وأفكارهم وبعد نظرهم.
الجميع اليوم مطالبون بالوقوف صفا واحدا مع الكويت .. وأن تتحد كلمتهم لتواجه أي أصوات شاذة تحاول أن تتسرب لآذاننا لتشوه واقع الديموقراطية والحرية الجميل التي كنا ننعم بها .. وتشوه ما كنا ندعيه بأننا أسرة واحدة متماسكة بالضراء والسراء وأن مصلحة الكويت هي الغالبة.
الجميع من أبناء الشعب الكويتي .. من يتفقون ومن يختلفون، حضر وقبائل، سنة وشيعة، حكوميون معارضون، يساريون وإسلاميون .. وكافة التصنيفات التي يجب أن تزول اليوم .. وتندمج .. وتسيح في بوتقة حب الكويت ومصلحتها.
اليوم هو يوم الرئيس جاسم الخرافي.. الذي يثبت فيه حبه لهذا الوطن وحرصه على مصلحته ومستقبله.
اليوم يقف الخرافي موقفا تاريخيا صعبا للغاية يجب أن يكون فيه بصف الكويت وأهلها ومصلحتها.
إنه أمام موقف تاريخي حرج يجب أن يعرف كيف يخرجنا منه جميعا .. فنحن والبلد اليوم أمانه في عنقه.
اليوم هو المحك التاريخي أما الرئيس الخرافي .. الذي نتمنى أن ينتصر فيه للكويت وأهلها ومستقبلها .. ليكون بحق الرئيس الذي سيخلده التاريخ.


كاتب وإعلامي كويتي
[email protected]