قاد الشيخ صباح الأحمد الكويت في أكثر الفترات حرجا إلى الاستقرار .. حين جمع أفراد الأسرة الحاكمة إلى كلمة سواء بضرورة ترتيب بيت الحكم الكويتي بما يخدم أمن ومصلحة واستقرار الكويت .
فبعد أن فرض الأمر الواقع نفسه برحيل الأمير الشيخ جابر الأحمد كان لا بد من وضع دستوري يضمن استقرار البلاد تمثل بانتقال السلطة لسمو الشيخ سعد العبداللة ولي العهد والمناداة به أميرا .. لكن الأمر مرتبط بضرورة قيام الأمير الجديد بأداء اليمين الدستورية في مجلس الأمة وهو مالا يستطيعه الشيخ سعد العبداللة نظرا لظروفه الصحية الحرجة .. وعاشت الكويت أياما كثر بها الهرج والإشاعات وازدادت الأقاويل بكل اتجاه .. وكان لا بد من كلمة سواء تجمع الكويتيين وتقود البلد إلى بر الأمان.. وفي مثل هذه الحالات تظهر القدرات الإدارية للقائد الحاكم الذي يعرف كيف يدر الأمور ويعرف متى يتدخل ويعرف متى يضع حدا للجدل والجدال.
وكان الدور التاريخي للشيخ صباح الأحمد بعقد سلسلة اجتماعات تشاورية مع أبناء الأسرة الحاكمة في الكويت أسفرت عن قيام أبناء الأسرة الحاكمة بكافة أطيافها وتفرعاتها بدعم الشيخ صباح الأحمد في قيادة البلد .. وإكمال مسيرته.
ما قام به أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت لا يعتبر انقلابا أبيضا على الشيخ سعد العبداللة، ولا هو بالتأكيد نكرانا أو تنكرا للدور الكبير الهام الذي قام به الشيخ سعد العبداللة في تاريخ الكويت حين كان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء أو حتى قبل ذلك، عبر تاريخه الطويل والمشرف في خدمة الكويت .. والكويت وشعبها وحكامها لا يتنكرون أبدا لأصحاب الفضل عليها أيا كان فما بالكم إذا كان بقدر وحجم الشيخ سعد العبداللة.. فمكانة الشيخ سعد ومحبته وقدره سيظل محفورا بالوجدان والتاريخ والذاكرة.. لكنها الأيام والأقدار ومشيئة الله عز وجل، أن يصاب الشيخ سعد العبداللة بمرض عضال يفقده القدرة على استكمال مسيرته في قيادة البلد .. وكان لا بد من إكمال المسيرة والحفاظ على أمن واستقرار الكويت .. فكان لا بد من مثل هذه اللحظات التاريخية والقرارات الفارقة التي قد تحدث شرخا في العاطفة لكنها تمثل جبرا كبيرا للواقع الذي نتمنى أن لا يهتز أو يتأثر.
من يعرف الشيخ صباح عن قرب يدرك مدى حرصه على الكويت وحبه لأهلها .. ويشعر بمدى النشاط والفكر المتفتق الذي يحمله بداخله ويسعى لتطبيقه على ارض الواقع، وهو الأمر الذي تبلور خلال العامين الماضيين أثناء توليه مسؤولية رئاسة الوزراء في الكويت وحجم الإنجازات التي تحققت خلال تلك الفترة... كما يستشعر الذين يعرفونه مدى التفتح الذي يتمتع به، وقدرته على استقطاب الآخرين والاستماع لهم .. ومدى عمق الخبرة السياسية والاجتماعية التي يتمتع بها.. والأهم من ذلك إيمانه العميق بالحرية والديموقراطية وسعة صدره لتقبل الرأي الآخر، واحترام من يختلفون معه .. إضافة إلى حلمه وكرم أخلاقه وعدم سعيه بالبطش بمن لا يتفقون معه أو يعارضون أفكاره .. بل يفسح لهم المساحة والمجال للتعبير عن آرائهم .. ودائما كان الشيخ صباح الأحمد يقف ضد اتخاذ أي قرار سياسي قد يؤدي إلى عدم استقرار البلد .. ودائما وفي أحلك الأوقات حين كان مجلس الأمة الكويتي يتشدد في مواجهة الحكومة واستجواب الوزراء كان الشيخ صباح يرفض مقترحات البعض باتخاذ أي قرار بحل المجلس.
والشيخ صباح الأحمد هو صاحب القرارات التاريخية الهامة في الكويت، وهو صاحب الرؤية الثاقبة لكثير من الإنجازات التاريخية التي تحققت.
وهو صاحب النظرة الحكيمة في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية .. وهو عميد دبلوماسيي العالم الذي حفظ الدبلوماسية وكون فيها مدرسته الخاصة التي تنطلق من ركائز كثيرة وعديدة كونها الشيخ صباح الأحمد بخبرة السنين والكثير من المسؤوليات التي تولاها.
لقد تدرج الشيخ صباح الأحمد في مسؤوليات الحكم جميعها، وتولى سلطة الحكم قبل أن يصبح حاكما.. واثبت نجاحه وقدرته .. لأجل ذلك كله .. استقبل أهل الكويت انتهاء الخلاف التاريخي ودعم الأسرة الحاكمة لتوجهات الشيخ صباح الأحمد بكل القبول والترحاب.
إن الفترة المقبلة من تاريخ الكويت بحاجة إلى توحيد وتوافق في الرؤية والأداء .. وبحتجة إلى بذل جهد كبير في تجاوز تلك الأيام العصيبة التي عاشتها الكويت، وهي بالتأكيد بحاجة إلى حاكم بقدر صباح الأحمد.
كاتب وإعلامي كويتي
[email protected]
التعليقات