عقدت الرابطة النمساوية العراقية للتنمية مؤتمرها الأول في العاصمة النمساوية فيينا،من الحادي والعشرين إلى الثالث والعشرين من شهر يناير لعام 2006، تحت شعار (يدا بيد من أجل عالم آمن)، وقد شارك فيه عشرات من الباحثين والمفكرين العرب والأوربيين، منهم على سبيل المثال فقط: جمال البنا، صالح القلاب، محمد عبد المطلب الهوني، عبد القادر الجنابي، رجاء سلامة، آية الله آصف محسني، إياد جمال الدين، حسن موسى، فؤاد ساناش، حسين العادلي ، و آية الله مهاجراني وزير التربية الإيراني السابق ومستشار الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ، العفيف الأخضر، عزيز الحاج، محمد الحمادي، وكاتب هذه المقالة وآخرون، ومن الأوربيين البروفسور يوهان بريتس رئيس المعهد الدولي للصحافة، و الدكتور جونتر يوتسر سفير ومفكر ألماني، يرأس الأكاديمية الألمانية للأمن،وقد شارك في المداخلات والمناقشات عدد كبير من الحضور من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية والأوربية. إفتتح المؤتمر يوم السبت الموافق الحادي والعشرين من يناير الدكتوررياض الأمير المنسق العام للمؤتمر، حيث أعلن: (أن الأعمال الإرهابية التي إجتاحت العالم ولا زالت تهدده بإسم الإسلام والإسلام ودينه السمح براء، حرمتنا هذا اليوم من مشاركة نخبة من المثقفين والسياسيين العرب والمسلمين للوصول إلى فيينا، رغم الجهود التي بذلتها الجهات الرسمية النمساوية، مما يؤكد على أن عالمنا يحتاج اليوم قبل كل شيء إلى وضع تصور لما يحيق به من مخاطر، وكذلك من أجل وضع الحلول الصائبة لتجنب إنتشارخطر التطرف وعدم الإعتراف بالآخر وكذلك من أجل التعايش السلمي بين القوميات والديانات في الدولة الواحدة أو الدول المختلفة). وسوف أحاول في هذه المقالة إبراز أهم مميزات هذا المؤتمر وأهم الأفكار التي طرحت في أوراقه ومداخلاته دون اللجوء لتلخيص أو عرض كل ورقة على حدة.

أولا: هذا المؤتمر هو الأول من نوعه الذي عالج الموضوع والظاهرة الأساسية التي تسيطر على العالم أجمع، وهي ظاهرة العنف والإرهاب التي نشرت الخوف والفزع وبددت نسبة عالية من جهود التنمية والتطور في العالم، ولم ينج منها لا العربي ولا المسلم ولا الأوربي ولا الأمريكي، وبذلك يكون التصدي لدراسة الأوجه المختلفة للظاهرة بادرة نوعية غير مسبوقة للرابطة النمساوية العراقية للتنمية، التي بذل سكرتيرها العام الدكتوررياض الأمير جهدا نوعيا لإنجاح المؤتمر و عقلنة نقاشاته وكذلك الدكتور أمير البياتي، وقد توفرت في المؤتمر الترجمة الفورية من وإلى اللغات العربية والإنجليزية والألمانية وبكفاءة عالية، قام بها شباب عرب من جنسيات مختلفة، تؤشر على مقدرة هذا الجيل العربي الذي ترعرع في المنافي الأوربية.

ثانيا: الحضور الفاعل لرجال الدين المتنورين بعيدا عن فقه الإرهاب الظلامي، أمثال الأستاذ جمال البنا المفكر المصري المعروف وآية الله أصف محسني من أفغانستان والشيخ إياد جمال الدين من العراق وآية الله مهاجراني من إيران. ركّز هولاء في كافة مداخلاتهم على رفض ربط الإرهاب الحالي بالإسلام رغم أن غالبية مرتكبيه ينتمون للعرب المسلمين، وذلك قياسا على أنه لم يسبق أن وصف الإرهاب بأنه مسيحي عندما كان يتم التعرض للإرهاب في إيرلندا وأسبانيا من قبل جماعات مسلحة إيرلندية وأسبانية. وقد أضاف على ذلك وزير الإعلام الأردني السابق الأستاذ صالح القلاب: (أن ربط هذا الإرهاب في الإعلام الغربي بالإسلام كدين هو أفضل خدمة يقدمها هذا الإعلام للثلاثي الظلامي إبن لادن والزرقاوي والظواهري، لإنهم بذلك يثيرون عواطف المسلمين العاديين ويجيشوهم من خلفهم).

ثالثا: التركيز على أن الإرهاب الحالي يعطل الحوار بين الحضارات مع إقرار أغلب المتحدثين عدم موافقتهم على نظرية صراع الحضارات، بما فيهم الدكتور جونتر يوتسر، وتأكيد البروفيسور يوهان بريتس هلى (ضرورة بناء عالم جديد قائم على الثقافة المجردة بعيدا عن تأثيرات الدين، مع الإقرار أن تنوع العالم شرط لبقائه، وأن للديانات الثلاثة جوانبها وتفريعاتها الأصولية مما يعني خطأ ربط الإرهاب بديانة معينة دون غيرها).

رابعا: التفريق بين المقاومة والإرهاب بشكل واضح، مع الإقرار بحق الشعوب المحتلة في مقاومة الإحتلال، والإقرار من أكثر من مفكر وباحث أن ما يديره الزرقاوي وإبن لادن هو إرهاب واضح، يتجول من مكان إلى آخر دون هدف سوى الإرهاب، بدليل أن ضحايا هذا الإرهاب غالبيتهم العظمى من العرب والمسلمين كما يحدث في العراق منذ الإطاحة بالنظام الديكتاتوري البائد، حيث يستهدف هذا الإرهاب تحديدا المدنيين العراقيين عبر مخطط يهدف إثارة الفتنة الطائفية كما حدث في إعلان الإرهابي الزرقاوي الحرب على الشيعة العراقيين، وفي الوقت ذاته لم يوفر السنة من مواطنيه الأردنيين...فهذا الإرهاب المتجول لا هدف له سوى الفتنة والرعب والقتل، أو كما أوضح الدكتور رياض الأمير السكرتير العام للرابطة النمساوية العراقية للتنمية و المنسق للعام للمؤتمر، (إن الهدف من هذا الأرهاب هو بناء مجتمع يعيش على تحت وطأة الخوف والتسلط، حيث توجهه الأفكار المتطرفة وإحتقار إنسانية الإنسان، وهي في الواقع أفكار ليست فقط موجهة من أجل تكفير المسلمين وإنما تكفير جميع الناس)...لذلك كان هناك إجماع حول ضرورة إدانته والتصدي له فكريا وثقافيا بنفس مستوى التصدي الأمني والعسكري، وقد حصل إقرار من المتحدثين الأوربيين أن أوربا وأمريكا تستطيع التصدي لهذا الإرهاب أمنيا وعسكريا، لكن التصدي له ثقافيا و فكريا فهو من مسؤوليات المفكرين ورجال الدين العرب والمسلمين.

خامسا: ضمن الأفكار الخاصة بالتصدي الفكري والثقافي لهذا الإرهاب الظلامي، كان هناك شرح لدور البرامج التعليمية كما في الورقة التي قدمها كاتب هذه المقالة، مع لوم شديد للعديد من الدول الأوربية التي فتحت أبوابها للعديد من هولاء الظلاميين الذين يدعون للعنف والإرهاب علنا مستغلين سماحة القوانين الأوربية الخاصة بحرية الرأي والإعلام، وكما قال عبد القادر الجنابي في مداخلته: (حرب إسقاط نظام صدام حسين، أماطت اللثام عن حقيقة وهي أن الإعلام بكل أطيافه لا يمتلك الإستقلالية اللازمة، بل هو مسيّر بالمعنى البائس للكلمة، وأنّ الذين يقفون وراء هذا الإعلام تنقصهم ما يسمى بالإنضباط السلوكي الأخلاقي في تغطية عمليات الإرهاب، فقد جعلوا من هذه الجريدة أو تلك القناة مستودعا تتحول فيه الكلمات إلى مفرقعات تنفجر في دماغ المشاهد والقارىء، فتقطع أوصالا كل حواس الفهم. كما أننا رأينا في أكثر من مرة أن هذا الإعلام لم يحدد موقفه من كل قضية الإرهاب، فهو يعطي شرعية لجانب منه، ومن وقت إلى آخر يدين جزءا ضئيلا من هذا الإرهاب، فقط لأن هذا الجزء يصيب هيبة ما ينطق بإسمه هذا الإعلام أو تلك الجريدة...).

أما البيان الختامي فمن المهم قراءته خاصة ممن هاجموا المؤتمر قبل إنعقاده وقبل قراءة أوراقه وسماع مناقشاته..فمن أهم توصيات المؤتمر:
أولا: التأكيد على أهمية عرض الإسلام بوجهه الإنساني والعقلاني المشرق والداعي إلى التعايش وقبول وإحترام الآخر بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو الفكر أو الجنس.
ثانيا: إدانة كافة أشكال وأساليب العنف والإرهاب ماديا و معنويا ومهما كانت المبررات.
ثالثا: الدعوة إلى الحوار والتعايش السلمي والتعاون والتكامل بين الحضارات وبين القوميات والأديان.
رابعا: دعوة رجال الدين من مختلف الأديان والطوائف للقيام بمسؤولياتهم في تطويق كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب.
خامسا: التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية.
سادسا: الدعوة لترسيخ الوحدة الوطنية العراقية على أساس المواطنة والديمقراطية والتعايش السلمي بين كافة الأديان والقوميات...والحفاظ على بعده العربي والإسلامي.
سابعا: دعوة الدول الكبرى لإحترام خصوصيات وخيارات الشعوب القائمة على الأسس الديمقراطية وتأكيد مسؤوليتها في إطفاء بؤر التوتر خدمة للعدل والسلام في العالم.

إن هكذا توصيات مدعومة بالعديد من أوراق البحث والمناقشات الثرية، لا يمكن أن تصدر عن مؤتمر قومي عربي، يعقد في أية عاصمة عربية، وهذه هي ميزة حرية الرأي في الدول الغربية، فهم يدعونك لتقديم وجهة نظرك مهما إختلفت معهم، لا أن تكون بوقا لهم، وهم حتما لا يحترمونك في هذه الحالة...مؤتمر نوعي مهم بكل المقاييس، من الضروري أن يكون حلقة أولى في مؤتمرات قادمة لمزيد من الحوار العربي الإسلامي الأوربي، من أجل عالم آمن قائم على العدل والمساواة، خال من العنف والإرهاب.
[email protected]