-1-
النصر السياسي الديمقراطي الكبير الذي حققته حركة حماس اليوم بفوزها بأكثر من سبعين مقعداً في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وضمانها للأغلبية الفلسطينية، وأحقيتها بناءً على ذلك بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة ، يضعها ليس فقط في مواجهة اسرائيل وجهاً لوجه، من وراء نقاب، كما كان عليه الحال قبل الانتخابات، وأيام كانت في المعارضة الفلسطينية، وبعيدة من نار الحقيقة السياسية الواقعية، ولكن في مواجهة العالم كله. اليوم رفعت حماس عن وجهها الأقنعة، وتقدمت للعالم بوجه مكشوف، تقول أنا هنا لقيادة الشعب الفلسطيني في بناء دولته الجديدة. حسناً!
فكيف ستتعامل quot;دولة حماسquot; الفلسطينية مع العالم، وهي لا تعترف به، ولا بقيمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟ فالعالم كله بما فيهم معظم العرب في صف، وحماس وحزب الله والاخوان المسلمون له والقاعدة والإعلام العربي المؤيد لهم في صف آخر.
-2-
نجاح حماس اليوم بالانتخابات التشريعية الفلسطينية رحمة من السماء للفلسطينيين والعرب والعالم، من أجل فتح هذا الورم الديني السياسي أمام شمس حقيقة العالم الجديد.
وانتقال حماس من المعارضة إلى الحكم هو ما كنا نريده ونطالب به منذ زمن، لكي تعرف حماس وباقي الفصائل الدينية السياسية العربية أن الذي يده في النار، ليس كمن يده في الماء. وأن الشعارات الجماهيرية والوعود الرومانسية لا تصلح أوراقاً رابحة على الموائد السياسية المعاصرة.
يدُ حماس اليوم انتقلت من الماء البارد (المعارضة) إلى داخل كوّة النار (الحكم) . وعليها أن تواجه العالم بأفكارها وبطريقة حكمها في المستقبل؟
-3-
حماس سوف يكون لها شريك في فلسطين رضيت أم أبت. وهذا الشريك هو اسرائيل فقط. وعليها أن تتعامل مع هذا الشريك، لكي تحلّ تلال مشاكل الشعب الفلسطيني التي لها أول، وليس لها آخر. فكيف ستتعامل حماس مع هذا الشريك غداً ، وهي التي لا تعترف به أصلاً، وتسعى للقضاء عليه وعلى دولته؟ وفلسطين كأية صراع سياسي بين طرفين، لن يحله إلا الطرفان المتخاصمان، وبزواج شرعي، إلا إذا كانت حماس تعتبر نفسها مريم العذراء، التي ستلد النبي فلسطين، دون مناكحة من بشر!
-4-
هذا هو الامتحان الأكبر أمام حماس، وهي التي وضعت نفسها فيه، ولم يضعها أحد فيه. فحماس كانت جماهيرياً أقوى في المعارضة مما ستكون غداً في الحكم، عندما ستواجه استحقاقات لا بُدَّ منها وإلا أصبحت محاصرة من العالم كله بما فيهم العرب، الذين هم في جُلّهم جزء من هذا العالم أيضاً ، ومن شروطه العامة في الحياة والتعامل الدولي.
-5-
حماس سعيدة اليوم بفوزها العظيم، ومبروك عليها هذا الفوز العظيم. ولكنها أمام تلال من المشاكل والقضايا عليها أن تتصدى لها وهي التي تفتقد إلى التجربة السياسية. فهي تحكم لأول مرة في تاريخها. وهي ستحكم أعسر وأصعب حكم عربي ربما في التاريخ كله، نتيجة لتعقيدات القضية الفلسطينية. جماهير حماس سعيدة جداً بهذا النصر العظيم. ولكن النصر ليس هنا يا سادة، وانما يوم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، فهل لنا أن نعرف ما هي الخطوات السياسية السحرية، التي ستتبعها حماس غداً لكي تحقق لنا هذا الحلم الوطني العزيز؟
-6-
إن حماس مضطرة لأن تتخلّى عن الكثير الكثير من أفكارها وشعاراتها ليس برغبتها، ولكن بحتمية المرحلة التي دخلتها الآن، فيما لو أرادت تحقيق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته. إن أفكار وشعارات المعارضة التي كانت حماس ترفعها قبل الانتخابات التشريعية والتي هيّجت بها الشارع الفلسطيني العاطفي ودفعته إلى التصويت لها، لن تنفع حماس في مرحلة بناء الدولة القادمة. فإذا كانت حماس قد نجحت في الانتخابات التشريعية بفضل فساد فتح وفشلها وتسيبها، وبفضل حلفها مع ايران وسوريا وحزب الله وباقي الفصائل الدينية المسلحة، فإن هذا الحلف لم يمكنها من النجاح في الحكم إلا إذا اعتبرت حماس بأن هؤلاء الحلفاء هم مفاتيح العالم، وباقي العالم هم (فراطة) هامشيون. فكل أبواب العالم مقفلة في وجه حماس، ما لم تقم حماس بثورة سياسية وفكرية داخل الثورة الحماسية.
نعم هذه الانتخابات التشريعية سوف ترغم حماس على القيام بثورة داخل الثورة. كما سترغم الاخوان المسلمين وأي حزب ديني يصل إلى الحكم غداً على القيام بهذه الثورة في داخله، عندما يواجه العالم وقيمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أصبحت أمامه وتتحداه، بعد أن كانت خلفه ويتحداها.
التعليقات