ازداد الموقف الإسرائيلي / الأمريكي المتعنت تجاه حماس تعقيدا بعد أن وجه الرئيس الروسي الدعوة لقادتها لزيارة بلاده لتبادل وجهات النظر حول مستجدات ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وبرغم أن وزيرة الخارجية الأمريكية لم تعترض بنفس لهجة الإعتراض والإزدراء الإسرائيلية إلا أنها طلبت من موسكو أن تفرض على زائريها الأجندة التي تعمل كل من واشنطن وتل أبيب على إكسابها الصبغة الدولية قبل أن تسمحا لمنظمة حماس بالتحدث بإسم الشعب الفلسطيني..

الدور الروسي بهذه الدعوة لا يبدأ من فراغ كما يدعى المسئولون الإسرائيليون ولا هو صائد في الماء العكر كما تردد أبواق إعلامهم.. فهو وان كان قد تقلص إلى حد كبير وسار في ركاب الوسيط الأمريكي المنحاز مسافة أطول مما يجب خلال السنوات السبع الأخيرة، إلا إنه موجود ويمكن أن يكون فعالاً إذا إستطاع القائمون على أمره أن يوقفوا كلية إعتمادهم لحل مشاكلهم الإقتصادية والإنسانية على القوى الغربية ومصادرها المالية..

مرة أخرى أرفض رفضا باتا أن فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني جاء مخالفاً لكافة توقعات الأجهزة المختصة وإستطلاعات الرأى خصوصاً الإسرائيلية والأمريكية، فكل الدلائل التي تركت بصماتها على الأرض الفلسطينية كانت تشير إلى ذلك، الأمر الذي صدم الجميع هو أن الحركة بعد فوزها لم تتلون سياسياً بما يتفق والرغبة العارمة في الجلوس على كرسي السلطة ولم تبادر إلى بذل الوعود، ولكنها التزمت بمنهجها الذى آمنت به والذي إنتخبت في ضوء مبادئه : وهو ضرورة مقاومة المحتل حتى يرحل وتعلن دولة الشعب الفلسطيني المستقلة ذات السيادة..

عند هذه النقطة وجدت إسرائيل أنها في مواجهة ند غير مُستسلم لإغواءات المناصب الرسمية، فأسرعت إلى تجريب اللآءات التي إعتادت عليها : لا لإنفراد الحركة بتشكيل حكومة فلسطينية.. لا لسداد ما لديها من أموال خاصة بالشعب الفلسطيني حتى لا تستخدم في الإرهاب.. لا للإعتراف الأوربي أو الأمريكي بحماس، قبل أن تعترف هي أولاً بإسرائيل وبكافة الاتفاقات التي أبرمتها السلطة الوطنية معها وقبل أن تعلن أن المقاومة إرهاب يجب العمل على وقفه نهائياً وإلى الأبد..

إنها تريد من حركة حماس أن تكون إمتداداً لمنظمة فتح التي تولت مسئولية الشعب الفلسطيني منذ عام 94 وحتى اليوم.. لماذا إذن سعى الشعب الفلسطيني إلى التغيير السلمي وإختار برنامجاً إنتخابياً مُخالفاً لبرنامج الحزب الحاكم ؟؟ ولماذا إذن تطالب الدول الغربية من الحكومات الشرق أوسطية المتسلطة اللجوء إلى آلية تداول السلطة وإحترام رغبات الشعوب إذا كانت هي لا تحترم إرادة الشعب الفلسطيني ؟؟ ولماذا تضع هذه الأنظمة العريقة في الديموقراطية وحقوق الإنسان شرط الأعتراف بإسرائيل قبل السماح بتشكيل حكومة السلطة الوطنية كما يريدها الشعب الفلسطيني ؟؟..

المطالبة أولاً باعتراف حماس بدولة إسرائيل فخ يجب الانتباه له جيداً، لأن كافة المؤشرات التي تتوافر على الساحة الأوربية سواء المطالبة بوقف المعونات أو فرض الحصار السياسي أو الضغط من أجل إجراء انتخابات فلسطينية أخرى quot; معدلة quot;.. تؤكد أن النية الإسرائيلية / الأمريكية مبيتة لإعادة إستخدام أسلوب التسويف والإستنزاف والمماطلة الذى سبق استخدمه بنجاح مع منظمة فتح منذ ما قبل اتفاق اوسلو وإلى اليوم مع حكومة حماس، حتى تنتهى إسرائيل من تنفيذ برنامجها الإستيطانى الذى يتضمن : التهام الضفة الغربية بأكملها وإستكمال الإستيلاء على شرقي القدس ووضع اليد بالكامل على ضفة نهر الأردن..

يكفى فى هذه المرحلة أن يتكرر الاعتراف بدولة الاحتلال، ذلك الاعتراف الذي يشهد عليه العالم ومنظمة أممه المتحدة.. اعتراف المـُحتل بالدولة التى تستعمره وتجثم فوق أرضه وتستنزف مقوماته المادية والمعنوية، هو سيد الاعترافات.. إعتراف المطالبة بالتحرير والاستقلال هو اشهر إعتراف مرت به كل الدول التي كانت مُستعمَرة وآخرها دولة جنوب أفريقيا التي لم تعترف بالوجود الأبيض الإستعماري إلا من خلال التفاوض معه حول مائدة التباحث التي أدارتها وأشرفت عليها الشرعية الدولية..
إسرائيل هي الدولة الوحيدة بين الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة التي ليس بملف قبول عضويتها خريطة تبين حدودها الجغرافية، رغم منافاة ذلك للبنود التى تنص عليها لائحة قبول العضوية بهذه المنظمة الدولية.. هي الدولة الوحيدة القابلة للتوسع على حساب الشعب الذي تحتل أرضه منذ يونيه 67، رغم معارضة ذلك جملة وتفصيلاً للاتفاقات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقة بين دولة الإحتلال وحقوق الشعب المـُحتل.. هي الدولة الوحيدة التي تحتل مساحات ومصادر مياه فوق أراضى تابعة لدول مجاورة لها، وترفض الإنسحاب منها طواعية تطبيقاً لقرارات دولية بل وتهدد باحتلال أراضى أخرى إذ لم يُستجب لاستفزازاتها ومطالبها العنصرية..
المطلوب إذن من حكومة فلسطين الجديدة التي ستشكلها حماس منفردة أو بالتعاون مع تيارات سياسية أخرى، أن تعترف بـ :
1 ndash; إسرائيل ذات الحدود الهلامية القابلة للتوسع أفقياً ورأسياً على حساب الشعب الفلسطيني حتى يتنازل لها عن الضفة الغربية والقدس الشرقية..
2 - إسرائيل الرافضة للانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد الخامس من يونيه 67 رغم منطوق القرار 242 في هذا الخصوص بحجة حاجة سكانها الذين تستوردهم من دول اخرى، إلى أراضى للعيش فوقها حتى لو كان ذلك على حساب أصحاب الحق الشرعيين الذين شملهم قرار التقسيم رقم 181 لسنة 47..
3 - إسرائيل التي تعيش على حساب أمن وإستقرار وسلامة شعوب دول الجوار والذين تقاسهم مصادر مياههم وتفرض عليهم حدود مخترقه وغير محمية وتسعى لشراكة غير منصفة معهم بدعم من مصالح وإحتكارات أمريكا في المنطقة، حتى إذ لم يتحقق لها في الوقت الراهن النفوذ السياسي من النيل إلى الفرات ضمنت الهيمنة الاقتصادية والتقنية على دائرة من الأرض ربما أوسع من ذلك..
وفوق كل ذلك مطلوب منها أن تعترف بإسرائيل التي سوفت وماطلت منذ توقيع اتفاق اوسلو ولم تف بتعهداتها بل وتراجعت عن الكثير منها إلى مستوى إعادة احتلال الأراضي الفلسطينية التابعة للسلطة لوقف حركتها النضالية التحريرية..
فماذا ستستفيد حركة حماس وحكومتها المنفردة أو الائتلافية من وراء مثل هذا الإعتراف بإسرائيل، إلا تكرار تجربة منظمة فتح حين اعترفت بها فزاد هذا الاعتراف م

معاناة الشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال الإسرائيلي العنصري البغيض المتمسك بحقه في مواصلة النضال والتضحية لنيل إستقلاله وإقامة دولته ذات السيادة غير المنقوصة الراغب فى السلام الدائم المستقر القائم على الحق و العدل..
في مواجهة هذه المحاولة العبثية على حركة حماس أن تستنفر قواها الداخلية من أجل توحيد صفوف الشارع الفلسطيني بكل فصائلة السياسية وتياراته الفئوية وتوجهاته الدينية والأيديولوجية لكي تعكس مفردات الخطاب الفلسطيني الموحد الذي تباعدت حروفه بسبب التنازلات التي قدمتها السلطة بقيادة فتح دون أن تحصل على المقابل المعادل لها فوق الأرض..

على منظمة حماس أن تسعى إلى تشكيل قيادة نضالية تضم الجميع في موازاة القيادة السياسية المشتركة، تنطلق كلتاهما في توجهاتها من رؤية جماعية بدون نغمة تتمسك بحقها في العزف خارج النوتة، لأنها جميعاً متفقة على ضرورة التمسك بقرار الشرعية الدولية رقم 181 لسنة 47 الذي يرسم الحدود الفاصلة بين دولتين أولاهما فلسطينية والثانية إسرائيلية وبقرارها رقم 194 لسنة 49 الذي ينص على فرض حل دولي عادل لمشكلة اللاجئين وبقرارها 242 الذي يفرض على إسرائيل الإنسحاب من الأراضي التي إحتلتها عام 67..

استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]