شهدت السنوات العشرالأخيرة تطورا كبيرا في مسار ترجمة الأدب العربي الى الفارسية فقد تضاعفت حجم الإصدارات الشعرية والروائية إثر جهود جيل من المترجمين الذين ينتمون الى الثقافتين العربية والفارسية بحكم نشأتهم وتكوينهم الثقافي في المناطق العربية من إقليم خوزستان الإيراني. ومن اللافت في تجربة هذا الجيل هو إنفتاحه على الثقافة العالمية المعاصرة من خلال الوسط الثقافي الايراني وتواصله مع ثقافات الشعوب الأخرى بما فيها الحركة الثقافية العربية عموما والحداثة الشعرية العربية،خصوصا بعد أن عوّضت المواقع الألكترونية عن جانب من غياب الكتاب الورقي. وبغض النظر عن نشاط المؤسسات الثقافية الايرانية المتخصصة بالتراث.فان انفتاح الثقافة الايرانية المعاصرة على الثقافة العربية الحديثة هو من المواضيع التي لم تأخذ حجمها الطبيعي في الاعلام العربي.فقد خصصت المكتبة الايرانية ومنذ سبعينات القرن الماضي أكثر من إصدار للشعر العربي الحديث كما ترجمت قصيدة أنشودة المطر أكثر من عشرة ترجمات لحد الآن، وقد أفردت العديد من الإصدارات الثقافية الايرانية ملفات عن الأصوات الشعرية الجديدة في الأقطار العربية.

ويرى بعض النقاد الايرانيين أن الدور الكبير الذي قام به عرب خوزستان في تنشيط عملية الترجمة من العربية الى الفارسية هو مؤشر مهم على بدايات ظهور جيل من الأدباء سيضطلع بحضور مميز في الأدب العربي عبر تقديم إضافة للمنجز الإبداعي العربي. فقد تجاوز هذا الجيل الأشكال الأدبية الكلاسيكية والفلكلورية وبرهن على مواهبه في مجال الأشكال التعبيرية الحديثة. ومن أجل دعم هذه المواهب لابد من انفتاح المثقفين والأدباء العرب على الثقافة العربية في ايران ومد جسور التعاون والتبادل الثقافي معها، كما يتعين على المؤسسات الثقافية الايرانية أن تأخذ بعين الاعتبار أن الثقافة العربية في داخل ايران وفي اقليم خوزستان تحديدا بإمكانها أن تكون محورا رئيسيا في عملية الحوار بين الثقافتين الفارسية والعربية خصوصا بعد أن سجلت حضورا كبيرا في داخل الحياة الثقافية الايرانية. وتكسب الجهود الابداعية المشار اليها سلفا أهمية كبيرة في الحوار بين الثقافتين العربية والفارسية،خصوصا وأن مسيرة هذا الحوار تأثرت سلبا بفعل انتشار المد القومي بين صفوف المثقفين الايرانيين والعرب على حد سواء، وذلك في العقود الثمانية الأولى من القرن المنصرم.

وعلى سبيل المثال ظهرت في الساحة الثقافية الايرانية شخصيات ورموز أدبية وثقافية دعت الى القطيعة مع الثقافة العربية باعتبارها ثقافة دخيلة لم تقدم أية إضافة مهمة لمسار الآداب والفنون الايرانية وإعادة الإعتبار للتاريخ والثقافة الايرانية في عهد السلالات الملكية قبل quot;الغزو العربيquot; لبلاد فارس. وقد إأخذت هذه الأصوات مكانة كبيرة في السجال الفكري الذي شهدته ايران مع إندلاع ثورة الدستور عام 1906 وإبان الاحتلال البريطاني- الروسي لايران أثناء الحرب العالمية الثانية،ويعتبر الروائي الايراني صادق هدايت أحد أهم رموز هذا التيار الذي لم يعد فاعلا في الحياة الثقافية الايرانية خصوصا وأن جيلا من النقاد الايرانيين تناولوا عبر الدراسات النقدية الرصينة زيف وتناقضات المشروع القومي خصوصا في ثلاثة جوانب نوجزها على النحو الآتي:

1 - ازدواجية هذا الخطاب في إرتكازه على التاريخ الامبراطوري الايراني القديم في علاقته مع الغرب وارتكازه على الانجازات الحضارية الغربية وفي مقدمتها الفكر السياسي الحديث واستقلال السلط التشريعية والتنفيذية عن بعضها البعض في مواجهة البلاط القاجاري.

2- وضع التاريخ الايراني السابق للاسلام في مصاف واحد من الرقي الحضاري مع أنه شهد فترات غير قصيرة الأمد إتسمت بإستبداد سياسي وقمع فكري خصوصا في العهد الساساني الذي شهد تحالف السلطة السياسية مع السلطة الدينية ممثلة بالموابذة الزرتشتيين،وهي صفحات سوداء بإعتراف الكثير من المؤرخين الايرانيين.

3- القفز على االدور الايراني في الحضارة الاسلامية والسعي الى عزله عن سياق التفاعل الخلاق مع الشعوب الاسلامية الاخرى والتقليل من شأن التاثير المتبادل في شتى ميادين الفن والابداع.

ولايسع المقال ذكر أسماء عشرات المؤلفات الايرانية القيمة التي كشفت عن تناقضات الخطاب القومي الايراني وتزييفه لحقائق التاريخ وساهمت في وضع حد لمده في النصف الأول من القرن الفائت، وقد دشنت بذلك مرحلة فكرية جديدة تستند الى الطرح العقلاني الرصين والخطاب الموضوعي الذي ينتصر لحقائق التاريخ ويحرص على الحوار مع الثقافات الأخرى.
لم يخل الجانب العربي بدوره من اطروحات فكرية عنصرية ضد العرق الفارسي ويمكن الاشارة في هذا الصدد الى كتابات كبار منظري الفكر القومي العروبي مثل quot;زكي الأرسوزيquot; وquot;ميشيل عفلقquot; كنماذج لطرح فكري عدائي تجاه الآخر، ومن المؤسف أن هذه العدائية إكتسبت بعدا تطبيقيا حينما أقدمت الحكومة العراقية في عهدي أحمد حسن البكر وصدام حسين على تهجير أكثر من ثمانين ألف عراقي بتهمة أصولهم الفارسية وقد سلبتهم جميع ممتلكاتهم وأعدمت أبنائهم.
وأعتقد أن االثقافة العربية قد تجاوزت هي الأخرى هذا الطرح الفكري المبتذل والهزيل بعد أن إنبرت العقول المتنورة للتصدي الى الفكر الرجعي الانغلاقي ودعت الى ضرورة الانفتاح على ثقافات الشعوب المجاورة خصوصا وأنها تشترك معها في تجربة التحديث في كافة الصعد والميادين.
وليس الهدف من التركيز على الأصوات العقلانية في كلا الجانبين، إنكار حقيقة وجود أصوات مازالت تجتر الخطاب الشوفيني و مقولات أكل عليها الدهر وشرب كالشعوبية والصفوية، لكنها لا تشكّل إلا هامشا سيطا وتكاد تقتصرعلى مجموعة من رفاق ينتمون لاحزاب قومية يتيمة وهي أطروحات في طريقها الى الزوال والإمحاء لأنها غير فاعلة لا على الصعيد الابداعي ولا على الصعيد الاقتصادي.

أن الهم الوطني أو تبني قضية سياسية معينة سيأخذان منحى شوفينيا اذا ما اعتمدا منهج إحتقار ثقافة الآخر إستنادا الى نصوص من التراث الشعري على غرار ما ساقه كاتب أهوازي في مقال نشره مؤخرا في quot;إيلافquot; تحت عنوان: quot;فكر الشعوبية في مناهج المدرسة الصفويةquot; فمن المعلوم أن الشعر الشرقي هو شعر انفعالي في جانب كبيرمنه وهناك أمثلة على شعراء عرب وفرس بلغ بهم الحال أنهم هجوا أنفسهم و أمهاتهم وآبائهم وقومهم،هي انفعالات قد تصلح لتدعيم وجهات نظر عنصرية ولكن يستحيل تعميمها واعتبارها جزءا من مخطط حركة منظمة كالـquot;حركة الشعوبية!quot;.

كما إنتقى كاتب المقال بعض الأبيات من شاهنامة الفردوسي وأوردها كدليل على إهانة الفردوسي للعرب ولم يذكر، بقصد أن من ذكرهم الفردوسي هم أعراب البادية الذين خصهم القرأن بنعوت لاتقل حدة عن الفردوسي، وأفرد لهم الفقه الاسلامي بابا يعرف بـquot;التعرّب بعد الهجرةquot; وأضيف لمعلومات زميلي الخوزستاني أن هناك أبيات أخرى للفردوسي يعتقد البرفسور الايراني quot;أحمد كريمي حكّاكquot; أستاذ الأدب الفارسي في جامعة واشنطن الأميركية أنها من جعليات الكتاب القوميين الايرانيين في القرن العشرين ولا أثر لها في النسخ الأصلية للشاهنامة أما المترجم البارع والأديب المصري الكبيرquot;محمد وهاب عزامquot; فهو وإن لم يغفلعدائية الفردوسي تجاه العرب، لكنه يؤكد على ان الفردوسي خصّ العرب بصلة قرابة مع الأبطال الأسطوريين للشاهنامة.بجرة قلم يشطب زميلنا الخوزستاني القيمة الفنية للشاهنامة من بعد أن ترجمتها العديد من الأمم باعتبارها كنزا من كنوز الأدب الأنساني والتي ترقى الى مصاف الأوديسة والإلياذة بل تفوق عليهما من نواح فنية حسب رأي نقاد عالميين.

نماذج من الكتابات الشوفينية

الروائي الايراني صادق هدايت:
لقد كان الذنب ذنبنا حينما علّمنا العرب طريقة إدارة الحكم وعلم الدواوين ووضعنا القواعد للغتهم والفلسفة لدينهم وخضنا حروبا من أجاهم ضحينا فيها بأعز شبابنا،وقدمنا لهم العلوم والآداب والفكر على طبق من ذهب ولكن يا للأسف فانهم من عرق يختلف اختلاف السماء عن الأرض عن عرقنا ولابد أن يكون هذا الاختلاف قائما. هؤلاء العرب بوجوههم المحترقة وملامحهم الوحشية انما خلقوا للغزو والنهب والخيانة ولابد أن يعودوا الى مضاربهم في البادية ليعيشوا في خيامهم جوار البعران ويأكلوا الجرذان.

الكاتب العربي اسماعيل العرفي:
quot;لما كان الدين الاسلامي،في مفهومه الخاص،هو دين العرلاب القومي الفذ،الذي هو نتاج عبقريتهم الألهية الخلّاقة، ومنظار رؤيتها الكونية الشاملة، وحامل رسالتهم الروحية العامة وكذلك لما كان هو رابطتهم الروحية التي تشد الى كان تخريبه إذن...بعضهم شدّا تلاحميا وثيقا... كان تخريبه إذن...تخريبا لأول وأضخم دعائم كيانهم القوميالأكبر... وقد كان حقد الشعوبية مفرطا جدا على الدين الاسلامي,,, وقد أمضت الى أبعد ما يكون في العمل على تخريبه، بحيث لم تدع جانبا من جوانبه البرانية أو الجوانية إلا حاولت إفساده بشكل من الأشكال.ولقد كان النجاح حليفها في هذا المضمار، إذ تسنّى لها، في النهاية، أن تحيل هذا الدين الأحادي الجامع الى خليط غريب متنافر من الملل والنحل والشيع والفرق والطوائف الهجينة الممسوخة، التي لايكاد يكون بينها وبينه اي تشابه أوتماثل أو صلة أو علاقة، لا من حيث المقومات الأصلية والخصائص الأصلية ولا من حيث المزايا والسمات الأصيلة، ولقد كان تمذهب الشعوبية الكاذب بالدين الاسلامي عاملا أول من عوامل نجاحها التخريبي ذاك، فبواسطة ما كان يوفره لها هذا التمذهب المضلل من حماية ووقاية كليتين دائمتين ضد جميع ما يمكن أن تتعرّض له من متاعب وعقبا وأخطار، أتيح لها بكثير من اليسر والسهولة أ تثبت في ثنايا هذا الدين التوحيدي الحنيف كل ما كانت تبغي بثه من سموم الشك والكفر والإلحاد والزندقة، ثم أن تفسد من بعد ذلك كل علم من علومه الأساسية الكبرى، وقد أفرزت الشعوبية خلال نشاطها الديني الزائف عددا ضخما من رجال الفقه والحديث والسيرة والتصوف والفلسفة ممن لعبوا أدوارا إفسادية خطيرة لاتزال آثارها السلبية الهدامة باقية أو ماثلة حتى اليوم، وممن كان بينهم العديد من الذين تسنموا مراكز دينية رفيعة، ونالوا صيتا علميا مدويا، وعرفوا بمذهب فقهي أو تصوفي أو فلسفي مشهور، وق دنال هؤلاء الفقهاء والمحدثون والمفسرون وكتاب السيرة والمتصوفة والفلاسفة الشعوبيون امتيازات علمية واسعة،جعلتهم يطغون من حيث السمعة التاريخية على أندادهم من العلماء المسلمين غير الشعوبيين، ولم يكن ذلك ناجما، بطبيعة الحال، عن كفاءة وجدارة واستحقاق بل عنم اختلاق وتزوير وتلفيق...quot;