زهير كاظم عبود: تداعيات تنفيذ حكم الإعدام بصدام

حين كان يتم تنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص بحق أحد أبناء العراق، كان صدام يلاحق أهل القتيل بدفع ثمن الرصاصات التي تم استعمالها في القتل، إمعانا في زيادة عذابات العائلة واستخفافا بمشاعرهم الإنسانية ، وزيادة في التنكيل فأن السلطة تقوم بتزويدهم بإيصال بمبلغ الرصاصات التي قتلت أولادهم، حتى يبقى الأيصال في الذاكرة.
وليت الأمر كان يقتصر على ما ينص عليه قانون العقوبات العراقي في الإعدام شنقا حتى الموت، أو رميا بالرصاص كما تقضي القوانين العسكرية على العسكريين ، فقد كان يتم الإعدام أحيانا برمي الشخص من طائرة هيلوكوبتر أو دفعه من بنايات عالية ليتحطم على الأرض كما شاهدناه في الأفلام التسجيلية ، أو كما شاهد العالم وضع المفجر والعبوات الناسفة في جيوب الشهداء وقتلهم عن بعدهم بتمزيق أجسادهم، طرق جديدة لايمكن تصويرها أو شرحها ببساطة تبدأ من الموت بالعصي المكهربة إلى قطع الأعضاء التناسلية أو غلق المجرى البولي بخيط النايلون لأحتباس البول حتى الموت، أو النشر بالمنشار الكهربائي، إلى الدفن حيا في الحفر الترابية كما في الأنفال والمقابر الجماعية، طرق يبتدعها العقل الشرير المسيطر على أفكار القائد الأوحد والضرورة السابق والذي بطش بأبناء العراق وأذاقهم الويل والموت الزؤام والذي حول حياتهم الى جحيم لايطاق وعذابات جعلتهم يتمنون الموت على حكمه، دون إن يدرك السبب سوى نزواته الشريرة ، ودون أن يتعرف على قدرة الله في البطش ونهاية المتجبرين والظالمين.
عذابات العراقيين لايمكن اختزالها بموت صدام فقد مرت حقبة مظلمة من تاريخ العراق يتطلب الأمر زمنا ليس بالقصير حتى يمكن مسحها من الذاكرة العراقية المرتعبة من اسم الطاغية.
كما يتم تبليغ تلك العوائل بمقتضى المادة 293 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تقضي في جميع الأحوال إن يكون الدفن بغير احتفال، فلا مجلس عزاء ولاتشييع ولا أي احتفال أخر، هذا إذا تم تسليم جثة الشخص الذي يتم تنفيذ حكم الإعدام به، أو ممن يقضي في دهاليز وزنزانات الأمن العام والمخابرات والأمن الخاص والاستخبارات أثناء التحقيق معه ، فتكتم هذه العوائل أحزانها في صدورها، وتحبس دموعها سراً لتبكي خلسة حتى لاتتم مخالفة أوامر الطاغية فتنتهي العائلة.
أعداد العراقيين المغيبين حتى اللحظة لم يعرفه العالم ولاتعرف عليه الأعلام العربي والأجنبي، ولن يستطيع العديد من تصور أو تصديق تلك الفجيعة التي حلت بالإنسانية وبالعراقيين في ذلك الزمن المرعب، فثمة ألاف من الأمهات اللواتي لم يزلن حتى اليوم يبكين بحرقة وحسرة غياب جثث أولادهم وأزواجهم وأقاربهم من الذين لم يتم التعرف على قبورهم أو مصيرهم منذ اكثر من عشرات السنين.
هذه العوائل يسكنها الحزن وتملأ قلوب أفرادها الحسرات وتتحول أيامها الى دموع ونحيب وانكسار، ويستمر الحزن معها مادام ابنها ليس له قبر أو مصير معروف، وللمزيد من الاقتراب من هذه الحالات فأن ملف الكورد الفيلية لم يزل حياً و يضم قصصا لايمكن تصديقها في هذا المجال، من استخدام شباب الكورد الفيلية في التجارب الكيمياوية، الى دفنهم في مجاهل الصحراء، الى الأمر بإعدامهم بوسائل وطرق تنم عن خسة وانحطاط كانت جميعها تتم بأمر مباشر ومعرفة ودراية من المجرم المقبور صدام، وتحت أية تهمة سوى قوميتهم ومذهبهم وعقائدهم السياسية وأصالتهم العراقية.
ويخطئ من يظن أن عملية إعدام الطاغية سيخفف من وطء الحزن المتراكم في صدور الأمهات، أو انه سيفرح أهالي الضحايا، فقد استطاع صدام إن ينبش أظافره في حياة العراقيين حتى يمكن إن يبقى في دائرة لعناتهم سنين طوال.
كان الطاغية يستمرأ عذابات الناس، ويعلم حقا مدى الكبت والألم الذي يغمر أرواحهم، وكان فرحاً ومسرورا بفجيعة الأمهات لفلذات أكبادها، فحق عليه أمر الله بأنه لايهمل شيء فأذاقه ألم مقتل أولاده وتبعثر عياله وهو لم يزل على قيد الحياة، واللهم لاشماته أذ تحقق قول الشاعر :
لاتظلمن إذا ماكنت مقتدرا فالظلم أخره يأتيك بالندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لن تنم
قوافل من الشهداء من جميع القوميات ومن كل الأديان والمذاهب، ومن كل القوى السياسية، خليط عراقي يضم الشيوعيين والإسلاميين والقوميين والبعثيين والمستقلين، عرب وكورد وتركمان وكلدان وآشوريين، مروا من تحت مقصلة الطاغية، وصعدوا الى المشنقة، لكنهم جميعا لم يتم ممارسة القانون عليهم، ولا تم تطبيق ما يمليه القانون.
في مناسبات دينية وعطل وأعياد رسمية كان صدام يتعمد تنفيذ حكم الإعدام بحق العراقيين، ومثلما منع قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي في المادة 290 تنفيذ حكم الإعدام في أيام العطلات الرسمية والأعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه، فقد تم تنفيذ الحكم القانوني البات به في هذه الأيام خلافا للإجراءات القانونية التي يوجبها القانون حكمة من الله عز وجل في إن تكون نهايته عيد الأعياد .
ومثلما كانت أوامر الإعدام تتم بإشارة أو رغبة يفهمهما الأتباع والأذيال فقد كانت تتم عمليات تنفيذ الأحكام دون أضبارة حكم ودون مراسيم جمهورية يوجبها نص الفقرة ب من المادة 285 التي توجب عدم تنفيذ قرار الحكم الا بمرسوم جمهوري وفق احكام القانون.
والعديد من ضحايا نظام صدام ممن قضوا أثناء التحقيق في الدوائر الأمنية التي كانت تكتفي بتسليم اهل الشخص الذي قضى نحبه ( ورقة شهادة وفاة) دون معرفة مصير جثث أولادهم وحتى دون معرفة التهمة وما أذا كان ولدهم بريئا أو مذنبا.
وعلى عكس ما كان يتم إتباعه مع المحكومين حيث كانوا يحرمون من كتابة وصاياهم أو أداء الصلاة أو أية ممارسة دينية، حيث كان يتم إلصاق شريط على فم المحكوم بالإعدام، حتى لاتتوفر أية فرصة للمحكوم إن يقول أية كلمة، ودون أي احترام حتى في أخر لحظات العمر، في الوقت الذي توفرت للطاغية صدام فرصة الحديث وحرية التعبير التي مارسها مع هيئة التنفيذ والتي عبرت عن تمسكها بنصوص القانون وباحترام المحكوم عليه.
أن قانون المحكمة الجنائية العراقية نص في المادة 16 منه على سريان قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 وقواعد الإجراءات وجمع الأدلة الخاصة بالمحكمة فيما يخص الإجراءات التي تتبعها المحكمة، ولادخل لأية بتأويل أو بتعديل هذه النصوص حيث لم يحدث ذلك مطلقا ولاقيمة لما يفسره ويبرره بعض حيث أن لا اجتهاد في مورد النص .
بالأضافة الى إن نص الجملة الأخيرة من المادة 27 من الفقرة ثانيا من قانون المحكمة التي أوجبت إن يكون التنفيذ (بمرور) ثلاثين يوما ، وكلمة مرور لاتعني (خلال) ولاتعني (ضمن)، لأن كلمة مر تعني عبر أو مرق ولايمكن تفسيرها تفسيرا آخر، لأن القانون أورد كلمة (خلال) مرات عديدة، أكد فيها على المعنى الواضح والصريح لكلمة (خلال)، كما في نص القاعدة 68 فقرة آ التي جعلت الطعن تمييزا بقرار قاضي التحقيق (خلال) مدة خمسة عشر يوما تبدأ من تاريخ التبليغ به أو اعتباره مبلغا.
كما إن قانون المحكمة الجنائية اعتمد في المدد على قانون أصول المحاكمات الجزائية حسبما أشارت له المادة 25 رابعا من القانون.
وأعمالا للقاعدة الفقهية التي تقول أن لاأجتهاد في مورد النص فأن التنفيذ يكون (بمرور) ثلاثين يوما إتباعا لنص الفقرة ثانيا من المادة 27 من قانون رقم 10 لسنة 2005 قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا.
وأشارت المادة 252 من الأصول إن الطعن التمييزي (خلال) ثلاثين يوما تبدا من اليوم التالي لتاريخ النطق بالحكم، وان على المحكمة بموجب المادة 254 إن ترسل اضبارة الدعوى الى محكمة التمييز (خلال) عشرة أيام من تاريخ صدور قرار الحكم ولو لم يقدم الطعن فيه إذا كان الحكم وجاهيا وبالإعدام أو السجن المؤبد.
وفي جميع الأحوال فأن قرار الحكم الصادر بحق المدان صدام أصبح باتا وواجب التنفيذ بمصادقة الهيئة التمييزية على قرار الحكم ، وأصبح الأمر بعد ذلك من اختصاص السلطة التنفيذية التي عليها إن تتبع الطرق القانونية وتلتزم بنصوص القانون وخصوصا ما يخص الباب الثاني من الكتاب الخامس من قانون أصول المحاكمات الجزائية الخاص بالتنفيذ فيما يخص تنفيذ عقوبة الإعدام.
كما إن القانون يوجب إن يتم بحضور هيئة التنفيذ المتكونة من احد القضاة وعضو الادعاء العام ومندوب عن وزارة الداخلية ومدير السجن وطبيب السجن أو أي طبيب تندبه وزارة الصحة ويمكن الإذن لمحامي المدان بالحضور إذا طلب ذلك، وماحصل من تلاسن وهتافات لايمثل إلا استخفافا بهيئة التنفيذ وتدخلا صارخا في الإجراءات وأستخفافا بضحايا العراقيين، لأن أهل الضحايا لايمكن اختزالهم وحصرهم بمن حضر من خارج عملية التنفيذ، كما إن الهتافات لم تكن تمثل الفجيعة العراقية ولا المحنة العراقية التي طالت كل العراق.
ومن غرائب المصادفة أن يكون نفس المكان الذي شهد إعدام المئات والآلاف من العراقيين الأبرياء، يشهد عملية إعدام قاتلهم الذي لم يكن يدور في مخيلته قطعا إن يكون هذا المكان نهايته التي يعرفها والتي أدمن التعامل معها يوميا.
وفي الوقت الذي لم يتم التعرف على مقابر تضم أعداد كبيرة من أهل العراق، فقد استلم أقارب المحكوم عليه جثة صدام، وفي الوقت الذي لم تزل جثث العديد من أهل العراق وخصوصا الكورد الفيلية غائبة ولم يتم التوصل اليها أثناء التحقيق لعدم الاهتمام به ولعدم منحه المساحة التي يستحقها، فأن جثة المحكوم عليه موجودة وتم دفنها من قبل عشيرته، وفي الوقت الذي لم تزل جراح العراق تنزف والضحايا تتقدم بقوافل تعمد ارض العراق يلف جثمان صدام بعلم العراق الذي كان يحكم العراق بالحديد والنار تحت رايته، والذي لم نزل لانستحي من إن نجلس تحته ونتحدث تحت ساريته وأن يحضر معنا في المؤتمرات والمنتديات ليس لنا أمكانية إن يلتفت نوابنا الى تغييره وخصوصا وهم يعودون زرافات ووحدان من بيت الله الحرام.
ستتحمل السلطة التنفيذية المسؤولية القانونية عما حصل من أخطاء في التطبيق وفي الإجراءات المتبعة، لكنها في كل حال من الأحوال تقوم بتطبيق قرار حكم قضائي بات ومكتسب للدرجة القطعية بعد تصديق الهيئة التمييزية لقرار الحكم لايمكن الا تطبيق عقوبته ، وقبل كل هذا علينا إن نفسر الصدفة حيث أقام صدام المفرمة الشهيرة لأجساد العراقيين في نفس المكان الذي تم شنقه، ولم تزل أرواح المثرومين تتعالى بالصراخ وهي لم تؤد الشهادتين، والألم يقطعها وينهش ارواحها، بينما لم تأخذ عملية الشنق السهلة سوى لحظات انفصلت الروح عن الجسد، ومن المصادفة إن يتم قبر مئات الآلاف من العراقيين في مجاهل الأرض العراقية لايتعرف عليهم اهلهم ويستقر جسد صدام في قبر عينه وعرفه وشيده عند سلطانه.

***

علي شايع: صدام.. حتى في الإعدام

إذا كان لكلّ امرئ من اسمه نصيب،فإن لصدام نصيب الاسم كلّه..
بما حملته رحلة الجريمة في سيرة الرجل،حتى سقط نظامه تحت هجومquot;الصدمة والترويعquot;كما كان يطيب للسادة الأمريكان تسميتها. والذين أحسب ان دلالة الاسم هذه وضعوها لاعتبارات،يدور دويّها أبعد من اللغة ودلالاتها،رغم ما تفعله مجموعة كلمات من تغيير وانقلاب يغيّر التاريخ والمواقف احيانا،كالذي أحدثه ذلك الهتاف أثناء إعدام صدام.لحظة انقلبت الصورة ليبدو المشهد quot;أقرب إلى طقس الانتقام القبلي العشائري، منه إلى بلوغ العملية الدستورية العراقية لذروتهاquot;،وهذا سطر اختصر فيه الكاتب الأمريكي فريدمان سواد الحِبر الأعظم في آراء من قالوا ومن علقوا عن تلك الدقائق،ممن شغلهم كثيرا،أيضا، قول لبسام الحسيني، مستشار رئيس الوزراء نوري المالكي، في وصفه إعدام صدام لهيئة الإذاعة البريطانية،: quot;انه هدية عيد قدمناها لكافة أفراد الشعب العراقيquot;..تلك الكلمات التي صارت تُحسب وتُعدّ كأنفاس الساسة منذ أيام،بعد أن تبينوا إنها ليست زوبعة ستخمد في فنجانها العربي،فحدث بحجم زوال صدام من الوجود سيبقى الحدث الأهم،والذي لم ينافسه بعدد المشاهدين والمتابعين،غير حدث آخر كبير هو مشهد زوال البرجين في نيويورك.مع فارق ما تركه كل مشهد منهما من آراء وردود فعل متناقضة،فالصورة التي ستبقى للتأريخ، ستحمل معها تلك الآراء إلى quot;الأبدية التي هي كومة أخطاءquot; حسب وصف شاعر عراقي.

صدام العرب وصدمتهم

الحوار الذي دار بين المدان وبين الشاهد على عملية إعدامه،يحمل في الذهنية العربية صورة رجلّ مُصفّد يصعد المشنقة،هو بالضرورة بريء لإننا لم نشهد بعد عملية إحقاق حق،كالتي حصلت في العراق- مع رأي شخصي هنا لي أقف فيه ضد قانون الإعدام بصورة عامة - وكل الذين مرّوا في الذهن العربي الحديث والقديم أيضا يحملون صورة البطل الضحية،المجادل حتى لحظة حتفه.أما صورة المدان بقتل الملايين فهي صورة غائبة عن الذهن العربي ولم تفلح سلسلة المحاكمات الطويلة لصدام وأعوانه في أدنى تغيير يمكن أن يقال خلاله إن العرب مُتعوا نعماء حقيقة ما ينادي به الشعب العراقي،فالبقر تشابه عليهم،واختلطت الصورة في فورة إعلام عجيب،هيئ طويلا لأكثر ما رأيناه وسمعناه،ولم يهيئ لهم من أمرهم رشدا،وإلا كيف يمكن تفسير انقلاب الوضع بهذه الصورة التي حولت صدام الى أسطورة عربية جديدة،وجدت لها قشة تقصم بها ظهر البعير العراقي الذي حمل هم صدام أكثر من غيره.

كيف يمكن تفسير التغيير الجذري عند الكثيرين بعد أن رأوا جدل المدان صدام مع شاهد إعدامه؟ أم إن في الأمر سرا آخر كشف عنه صدام أثناء حواره وتلاوته الشهادتين؟ .فهل أعلنت صداما شهادته شهيدا؟. هكذا كنت أتمنى أن أسأل أكبر مرجعية إسلامية تجمع عليها الأكثرية، وبالفعل حملت سؤالي الى فتاوى للشيخ الراحل بن باز والموجودة في موقعه على الانترنت فقرأت ما نصّ من سؤال عن جواز لعن صدام حتى وان نطق بالشهادتين :
هل يجوز لعن حاكم العراق؟ لأن بعض الناس يقولون: إنه ما دام ينطق بالشهادتين نتوقف في لعنه، وهل يجزم بأنه كافر؟ وما رأي سماحتكم في رأي من يقول: بأنه كافر؟
الجواب :
quot;هو كافر وإن قال: لا إله إلا الله، حتى ولو صلى وصام، ما دام لم يتبرأ من مبادئ البعثيةquot; ويضيف الشيخ بن باز: وصدام بدعواه الإسلام ودعواه الجهاد أو قوله أنا مؤمن، كل هذا لا يغني عنه شيئا ولا يخرجه من النفاقquot;.
ولمن أراد الاستزادة فعليه مراجعة الموقع ليرى آراء الشيخ في من يتخذه العرب الآن بطلا شهيدا،حيث أوجب الشيخ قتاله: quot;يجب صده وكف عدوانه وإزالة ظلمه عن المسلمين بكل ما يستطاع من القوة عملا بقول الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).

ولعمرك فان صدّ الديكتاتور صدام،وكفّ عدوانه،وإزالة ظلمه لا يكون الا بمحاكمته وتحقيق العدالة فيه،ولا مبرّر يمكّن ان يتخلى خلاله أهل الأزهر مثلا عن موقفهم من جرائم صدام لأي سبب خارجي غير عين الجريمة وفاعلها،فيفترضون شهادته على حين غرة، ويقيمون له العزاء،ويهللون بمجد من أمر أن يقام له تمثال.ولا أظن أن فيهم من سيراجع نفسه بالسؤال:ترى لم سعت المواقف الرسمية العربية باتجاه العامة الآن؟.لم يحاول البعض إيجاد قضية قومية بعيدا عن هموم الأوطان المزروعة رعبا وموتا وقتلا؟.

أميركا وكعب أخيل الحكومة العراقية

كان الديكتاتور لدى الأمريكان أثناء التحقيق،وأثناء المحاكمة ونطق الحكم،وسلموه الى القوات العراقية،ليعدم،وتستلمه بعدها القوات الأمريكية ويصل على متن طائرة أمريكية الى تكريت،حكاية تحتاج الى قراءة جديدة..
أمريكا تريد حكومة عراقية قوية،وتطبيقا دستوريا وان كان بعقوبة الإعدام،وهي في كل حادثة من حوادث العراق تترك فتقا في quot;كعب أخيلquot; بطل إلياذة هوميروس، فينحلّ الجلد الذي اتخذه المقاتل مصدا ودرعا يقيه الضربات، ليكون عرضة للتلف ونقطة ضعف في كلّ مرة..
فماذا أرادت أمريكا بهذا مثلا؟.ولِمَ تترك لنا فتقا في كعب أخيل في كل مرة؟.
وهل في الأمر موضوع غسيل مواقف أمريكية؟.
إن في الحكاية كلّها أسرار وحدها أمريكا من سيكشف عنها لاحقا،ولكل نبأ مستقر ولسوف تعلمون؟.

حكومة بروح معارضة

خلاصة المشهد في استلام صدام من الأمريكان وإعدامه العاجل،وصدى الهتاف ولقطات كاميرا الهاتف،بدا كمشهد ماراثوني إما أن تكون الحكومة قد دفعت إليه دفعا،وإما إنها حكومة لازالت تحكم بروح المعارضة،وحتى المعارضة التي تنوي فعل شيء هام لابد لها أن تجتمع قبل يوم أو يومين،لتتدارس جدوى كل خطوة،فما بالك بقرار إعدام صدام!. أو ما كان من الأجدر بالحكومة أن تضع لجنة حقيقة وليست شكلية لملئ شواغر الحكومة وحواشيها بالأقارب..لجنة تتابع سير المحاكمة وتدرس كل صغيرة وكبيرة،وتستقرئ القادم من التاريخ لوضع أفضل الحلول،وأسلم البدائل؟.
أما كان من الأفضل أن تتشكل هذه اللجنة منذ ذلك الزمن بديلا عن عناء تشكيل لجنة الآنquot;بعد خراب البصرةquot;؟.
وهل ستوصلنا الحكومة الى نتيجة صادقة عن حقيقة الهتاف والتصوير؟.
أم إن كبشا للفداء سيقف موقف quot;فان لبّهquot;و لا ادري إن كان في حكومتنا من يعرف هذا الرجل الهولندي الذي أشيع بأنه أشعل بعود ثقاب شرارة الحرب العالمية الثانية.بعد أن أحرقت مجاميع نازية مبنى الرايخستاغ الألماني (البرلمان) لتضعها في رقبة الشيوعيين الذين دفعوا quot;فان لبّهquot;؟.
من دفع من،ومن أحرق ورقة العدالة العراقية بهذه الصورة؟.
سؤال يحتاج جرأة تاريخية من حكومتنا،لتعلن اسم الشخص الذي ملئ الدنيا بصراخه لحظة تطبيق العدالة العراقية،وتعلن معه من وثّق لهذا الفعل،وكيف،ولم تسللت تلك الصورة بقدرة قادر لتصل الى كلّ وسائل إعلام العالم؟.
وقبل هذا وذاك أين الدستور العراقي في الموضوع؟.ولم ينقض الدستور عنوة، ولا حتى بقانون من البرلمان العراقي،ليصار إلى تطبيق عقوبة الإعدام في يوم عطلة العيد؟.


أجهل من قاضي جبل

لقد تـََرَكنا بعض أخوتنا العرب نغبط الوحش إذ نرىquot;أليفين منهما،لا يروعهما الزجرquot; كما يقول شاعر جاهلي يحفظ له أهل العراق من الشعر الكثير، فكلما دنى العراق من حلّ وجد عقدة عربية،لمن يتدخلون في شأنه ممن لا يعرف بعضهم أين تقع مدينة السماوة التي لاتحدّ الصومال بطبيعة الحال بغير وجيف القلب ونبضه.
منهم من لا يدرك إن العالِمِ بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء،فسرعان ما انفضوا عن الحق العراقي،بحجة ما أوهاها عن خيط العنكبوت..وفي الهذر مما كتبوا وخاطبوا يحق القول سلاما سلاما..فما أسهل أن ينصبوا محاكمهم لأمة كاملة،وشعب يضرب تاريخه عمق الأرض،تواترَ الزمان عليهم، وعلى طين أجدادهم الهش،ولم يترك له فراعنة الوهم قبورا من حجر.
عرب يصادرون كلّ هذا التاريخ بأهله ومجده ولغته ومعاجمه الى إيران..رغم إننا نعرف ما قاله ابن منظور في معنى كلمةquot;صدامquot;وأصلها،الذي عرّفه بأنه quot;دَاءٌ فِي رُؤُوسِ الدَّوَابِّquot;(لسان العرب-حرف الصاد- ص د ا م).
عرب يتغافلون عن ملايين الشهداء،وملايين الشهداء الأحياء(حباً لوطنهم) من عراقيي المهاجر..
عرب يتناسون الحق ساعة ويذكرونه ساعة،ولـّوا أنفسهم قضاة على العراق وعدالته، وفيهم من هو أجهل من قاضي جبل،الذي قضى لخصم جاءه وحده، ثم نقض حكمه لما جاءه الخصم الآخر..والذي يصدق فيه وفيهم قول الشاعر:
قضى لمخاصمٍ يوماً فلمّـا أتاه خصمه نقض القضاء
دنا منك العدو وغبت عنه فقال بحكمه ما كان شاء