ان احدى اهم المشاعر التي لابد وان يحترمها البشر هي شعور الانتماء لوطن وشعب معين مهما كان لونه ودينه وعرقه، فجميع الشعوب بشر لابد وان يتعايشوا على هذه الارض لديمومة الحياة عليها..
ويعتبر الحس الوطني احدى حقوق المرء الذي ينشأ ويترعرع معه في طفولته نتيجة حبه لاهله وذكرياته. كما يحق للمرء الدفاع عن هذا الشعور والوقوف بوجه المساس به لانه جزء من شخصيته وهويته شاء أم أبى..

والذي دعاني لكتابة هذا الموضوع هو عدم العقلانية بتحليل الامور والابتعاد عن الحقائق ارضاءً للاكثرية العربية خوفا او نفاقا، واتهام الشعب العراقي بجميع مكوناته بعد كل مجزرة او ثورة او كارثة او حرب يقوم بها احد قادته الطغاة غالبا، واعتبار هذا الشعب المغلوب على امره في كل الاحوال مرعبا ودمويا ومختلفا عن كل البشر، حتى لو كانت الحادثة هي تنفيذ حكم اعدام صادر عن محكمة بطاغية مجرم واحقاق العدالة التي طالب بها شعب العراق وتمناها منذ عقود، اذ يقوم الدنيا ولا يقعدها بعض المنظرين، واصفين العراقيين بالعدوانية في الجينات المتوارثة، معتبرين انفسهم ارقى خلقة واكثر عقلانية والطف جينات، وما يدرون ان كل ما يحل بالعراق هو بسبب تدخلات الحكومات العربية المتأثرة والمتمسكة حتى هذا العصر بالفكر الطائفي الذي لازال يعمل على غسيل الادمغة موهما الناس، مؤججا الحقد ضد طائفة على سواها في العراق، وهذا هو السبب الاول والاكبر في كل ما حصل ويحصل من دموية في تاريخ العراق.

ان دفاعي عن العراق وشعبه بالكامل سنة وشيعة ومكونات اخرى جعلني اوضح ما اراه حتى لايـُغبن شعب العراق ويـُشوه بالكامل، وينسى العالم ان هذا الشعب الذي يحاول الكثيرون تشويهه اليوم كان قبل الاسلام وقبل الخلافات الطائفية هو شعب الحضارة الاولى، والقانون الاول، والكتابة الاولى،والملحمة الاولى،والعجلة الاولى، والمضخة الاولى..

اسفة حين اضطر للخوض بمسميات طائفية ماكنت أحب ان اوغل بها، كما انني لا أؤمن بالانتماء للطوائف قدر ايماني بالانتماء لشعبي ووطني المتنوع باطيافه التي احبها جميعها واعتبرها تميزا وتفردا يجمل العراق ويعطيه نكهتة الخاصة، و لكي لايظن البعض انني انحاز لطائفة دون سواها فايماني هو الانسان فقط وحقوق الانسان دون النظر الى انتمائه او لونه او دينه او عرقه، وانا ارفض حتى انتمائي لطائفتي الذي لم اختره بنفسي، انما وجدتني من طائفة كذا كما وجد غيري نفسه في طائفة مغايرة، ومن الغباء ان نتمسك بانتماء لم نختره quot;هكذا وجدنا اباءنا عليه عاكفونquot; وكما قال اهل قريش للنبي حينما كانوا يعبدون الاصنام، فالدفاع عن خلافات سياسية ودينية تعود لاكثر من اربعة عشر قرنا مهزلة، بل هي تعصب وعودة بالمشاعر الانسانية الى زمن الهمجية والبداوة والتخلف، اذ لا أحد يعرف بالمطلق مع من الحق حينما اختلفوا ان كانوا رجال دين او رجال سياسة استخدمت الدين للاستيلاء على السلطة، كما ان فصل الدين عن الدولة لازال عندي اهم الاهداف التي لابد وان ينص عليها دستور اية دولة تريد بناء الحضارة والعدالة الاجتماعية، ولطالما طالبت واطالب الحكومة العراقية بان تفصل الدين عن الدولة دستورا وفعلا، وقد اصبح هذا المطلب اليوم من الاولويات اكثر من اي وقت اخر.

الذي استفزني لكتابة هذا الموضوع هو ان البعض من العرب يرفعون شعارات تأجيج الصراعات بداخل العراق، والسبب واضح للقيام بهكذا تدخلات واستفزازات، اذ لدى الحكومات العربية غالبا احساس ابوي على العراق وكأن العراق لا يمكنه ان يقود نفسه بنفسه وبسبب من تركيبته الطائفية المختلفة عن بقية الدول العربية حيث الغالبية شيعية وهي الحالة الوحيدة في الدول العربية التي يقطنها اغلبية سنية.

لقد عرف الغرب هذه الحقيقة وهذا التوجس فلعبوا عليه وحاولوا في كل تاريخ العرب اللعب على ورقة الطائفية ليمرروا اوراقهم الرابحة دائما مع الاسف. كما تلاعب بأذهان الحكام العرب بعض دهاقنة الحروب المتواطئين مع الغرب لمصالحهم وكراسيهم ومنهم صدام حسين أوهمهم قبل سنوات بالخطر الفارسي،ليجرهم الى الاعتقاد بأن ايران عدوتهم الاولى، وحقيقة الامر هي ان الولايات المتحدة ارادته ان يحارب ايران نيابة عنها، وباعته كل انواع الاسلحة والعتاد الذي افقر العراق واطال امد الحرب وبالتالي اطال امد بقائه بالسلطة لسنوات طويلة، حيث الشباب العراقي في جبهات المعارك بالمئات يحترق يوميا..

قد لا يرضى الكثير من الاخوة العرب سماع هذه الحقيقة، ولا يريدون ان يصدقوا بان حكامهم كانوا دائما ينفذون رغبة الغرب الطامع بهم، رغم ان التاريخ يؤكد عليها، بل هم لا يرغبون حتى بفتح ملفات التاريخ التي تؤكد على هذه الحقائق، ومن لا يتذكر تدخل جمال عبد العناصر بسياسة العراق وعداءه الشديد لاسقاط عبد الكريم قاسم الذي كان من أب سني وام شيعية، اي انه لم يكن طائفيا رغم ان العراق بحاجة الى شخصية تنتسب للطائفتين لتخمد اية مؤامرة تستغل كلمة الطائفية.

لست هنا بمحل الدفاع عن عبد الكريم قاسم الذي لم تكن يداه بيضاء تماما من الاخطاء فهو قد دُفع لمحاولة ضم الكويت لكنه تراجع امام معارضي هذه الخطوة الخاطئة عراقيا وعربيا وعالميا، والتي قام بها صدام فشق الصف العربي لتعود لنا الطائفية وعلى يديه من جديد، ولتشتعل المنطقة وليتحقق تواجد عسكر الغرب وتبدد ثروات الشعوب العربية المهمشة والمقهورة غالبا.

لابد للاخوة العرب من معرفة حقيقة ان للدول التي استعمرت العراق سابقا وحاليا يدا بالتاثير على هؤلاء القادة ليبقى الصراع في المنطقة على حافة الاشتعال ولتبقى تدخلات الغرب قائمة وحينما لا يجد الغرب بدا من خلق نزاعات طائفية في المنطقة الغنية عند العرب، بعد ان توقفت الحرب مع ايران التي دامت ثماني سنوات واستنزفت كل الطاقات العربية، يضطرون لتحريك صدام مرة اخرى رغم كونه سنيا اذ ان حماقته تفوق طائفية سواه، فيسحبوه لغزو الكويت التي لم يكن حكامها من الشيعة ولا موالين لإيران يوما، انما ليحقق تواجد الغرب الكبير بالمنطقة في عملية التحرير،ثم عندما تحترق اوراقه يتدخلون لاسقاطه ويقفون مع معارضيه لا لسواد عيونهم انما لتحقيق مصالح كثيرة، آخرها انهم يسلمونه للشيعة ويتنصلون من اعدامه ليجعلونه فتنة فيما بينهم ويدعون ان اعدامه سيكون بشكل آخر لو كان في ايديهم هم، مهيئين بذلك شحن الاجواء الطائفية لضرب ايران خوفا من سلاحها النووي.

فهل تسائل اخواننا العرب :كيف سيكون اعدام صدام على ايدي الامريكان ؟
هل سيكون بالكرسي الكهربائي أم الاختناق بغرفة الغاز؟وهل سيكون هذا الشكل اخف الماً واكثر كرامة له؟
رغم الهتاف الساذج باسم مقتدى صاحب المليشيات المجرمة،ومهما كانت شكليات العملية خاطئة فتنفيذ الاعدام واحد وهو بداية انتظرناها لتحقيق العدالة.
لا ادري كيف تفهم الشعوب العربية هذا التنصل الامريكي وهي الغارقة عقولها بالوهم والمغسولة ادمغتها بكل ما يريده الساسة والطامعون من العرب والاجانب؟

وألا تعتبر كل هذه الضجة الاعلامية وغير الاعلامية التي يفتعلها العرب ضد اهل العراق تدخلا سافرا بشإن داخلي؟ وهل تدخل احد من العراقيين عندما يطيح ملك بملك من العرب او رئيس بآخر وهل نصبنا تمثالا لرئيس احد الدول العربية الذي يكرهه الملايين في احدى شوارع العراق؟ او خرجنا بتظاهرة تطالب بتنصيب احد او تنحية احد من القادة العرب؟
ان العدوانية هي ان تتدخل الدول والشعوب بشؤون سواها الداخلية ndash; غصبا - من اجل مصالحها وعلى حساب مشاعر الشعوب الاخرى، فاين كانت هذه الدول حينما تم قتلنا بعشرات الالاف على يد الطاغية ؟
لماذا اذن يتحمل شعب العراق وحده اوزار حماقات قادته ومؤامرات الطامعين به ليوصف فوق ذلك بالعدوانية المتوارثة في الجينات، والوحشية، والهمجية، وغيرها من الصفات التي تشاركه بها كل الشعوب العربية والمتخلفة الغارقة بالجهل ووهم القرون الاولى؟