ما أن انتهت القمة الأممية للمعلومات التي انعقدت بتونس في نوفمبر الماضي بسلام، حتى كنت الكاتب التونسي -ربما الوحيد آنذاك- الذي فسر الخبر السعيد على اعتباره فشلا ذريعا لمنظمة القاعدة، بدليل أن تونس كانت من أول الدول العربية والإسلامية التي عرفت بعد 9/11 تفجيرات إرهابية لكنيسة يهودية بجزيرة جربة السياحية. يومها كتبت: quot; تحديد تونس على راس قائمة الدول المستهدفة من طرف القاعدة ليس بغريب إذا ما اعتبرنا أهميتها كالدولة العربية الأكثر حداثة... لهذا اجزم أن القاعدة لو أعطيت الاختيار لفضلت ضرب تونس
-خلال فترة انعقاد القمة الأممية الأخيرة للمعلوماتndash; على ضرب فنادق عمان، على سبيل المثال، و لسبب بسيط وأساسي وهو أن ضرب هذه الأخيرة بإمكانه الانتظار، بينما توجيه الضربة لتونس يجب أن يتم تحديدا خلال انعقاد القمة.quot;

و قد تأكد ذلك بالمحاولة الأخيرة - الفاشلة- لجناح القاعدة في المغرب العربي - الحركة السلفية للدعوة و القتال- التي كانت تستهدف سفارتا بريطانيا و أمريكا و محل تجارة التجزئة quot;كارفورquot; بتونس العاصمة، بالتوازي مع أهم المنتجعات السياحية خلال احتفالات راس السنة، و التي جندت لها المنظمة الإرهابية اكثر من خمسة أضعاف ما تم تجنيده لعملية فنادق عمان.

من ناحية أسباب الفشل أيضا، يبدو إنني لم أجانب الحقيقة عندما كتبت:
quot; نجاح عملية إرهابية كبرى يتطلب أكثر من تهريب متفجرات عبر الحدود، حيث يقتضي توفير دعم لوجيستي لإيواء الإرهابيين. و هذا لا يتم إلا بوجود عناصر محلية مستعدة لمد يد العون ... مثل هذا الدعم الجماهيري الإجرامي غير متوفر في المجتمع التونسيquot;، الذي هو مجتمع طبقات وسطى مطلبها الأول الأمن على النفس و المال، و الذي من الصعب أن ينطلي عليه أي تبرير نهضوي (نسبة لحركة راشد الغنوشي الأصولية) للعنف و الإرهاب.

هذا ما أكدته قصة البقال التونسي الذي سارع بإعلام السلطات الأمنية بالكمية الكبيرة من الخبز التي يقتنيها أحد أفراد المجموعة، التي نقلتها صحيفة quot;ليبيراسيون quot; الفرنسية بتاريخ 4 جانفي. كما عقبت quot;الصبا ح الأسبوعي، الصادرة في 8 جانفي الماضي على الخبر كالتالي:quot; إن صح ما تردد من أن كمية الخبز المقتناة يوميا ساهمت في فضحهم، فان ذلك سيكون شاهدا على رد الفعل المتطور للأجهزة الأمنية التي انطلاقا من معلومة بسيطة قد يمر عليها البعض مر الكرام، نجحت ربما في المسك بخيط رفيع قادها للكشف عن اخطر عصابة عرفتها تونس خلال السنوات الأخيرةquot;.

إن الرفض الشعبي للإرهاب أنجع طريقة للتصدي له، وهو درس يجب أن تعيه جيدا باقي دول العالم العربي و الإسلامي -مسقط راس الحركات السلفية الإرهابية في العالم الذي نعيش فيه اليوم-، التي يجب أن تكون أولى أولوياتها إشاعة quot; ثقافة جديدة تقر بحقوق المرأة و الاقليات الدينية، و تعتمد على مناهج تعليمية حداثية تشيع مبادئ التسامح و الانفتاح على الآخرquot; ( انظر مقالي السابق :quot; القاعدة تفشل مجددا في تونسquot;). و لا شك أن النخبة التونسية المعروفة بشجاعتها السياسية الموروثة عن باني الدولة الحديثة الحبيب بورقيبة، لا فقط لن تتراجع قيد أنملة عن مشروعها المجتمعي الحداثي، بل ستدفع به إلى الأمام لمزيد تجفيف منابع الإرهاب الديني الذي لا يعشعش إلا في المستنقعات السلفية المعادية للمرأة و العقل الذي هو قيمة قيم الحداثة.

و خير ما انهي به هذا المقال النداء الذي نشره د. خالد شوكات بتوجيه تحيتي الخاصة quot; لكل جندي أو شرطي أو مسؤول يضطلع بمهمته بشجاعة و بطولةquot;، كما أهيب بالمعارضة التونسية quot;عدم إبداء الشماتة من منطق معارضة النظام، فرؤوس الفتنة يستهدفون الوطن العزيزquot;. حمى الله تونس دولة و نخبة و شعبا و مؤسسات.