يتألف هذا المحور الثنائي من طرفين لا يجمعهما أي جامع سوى العداء لأمريكا. أحد الطرفين هو الرئيس الفنزويلي شافيز الذي يقدم نفسه لشعبه وأمريكا اللاتينية كخليفة كاسترو. إنه منذ ترؤسه لفنزويلا لم يأتِ لشعبه بغير قاموس من الشتائم المتكررة للولايات المتحدة ورئيسها، وغير التحامل على كل الغرب ووصمه بمعاداة الثقافات الأخرى. أما مشروعه الاقتصادي ـ الاجتماعي فهو استنساخ التجارب الفاشلة للمركزية المفرطة ومحاربة قوانين السوق. إنه كما يقول المثل quot;عاد ليلبس البرانيط البالية، التي تركها أصحابها منذ أكثر من عقدين من الزمن.quot; وقد حاول الرئيس الفنزويلي أن يستغل نجاح اليسار المتطرف في دول كبوليفيا والأكوادور، [الأخيرة لها علاقات اقتصادية وتجارية مع الولايات المتحدة]، وقد زار في العام المنصرم سلسلة من الدول المعادية للولايات المتحدة ومنها كوريا الشمالية بأمل تشكيل أممية جديدة للحرب الباردة، بمباركة ضمنية غير مباشرة من الصين وروسيا، اللتين تشاكسان السياسة الغربية في مسائل مهمة، ولكنهما مرتبطتان باتفاقيات دولية وبعلاقات مع الولايات المتحدة، وتراعيان موازين القوى؛ وهذا ما حدث مثلا مع القرار الدولي حول المشروع النووي العسكري الإيراني رغم كونه كان ضعيفا، ورغم أن الموافقة جاءت بعد مناورات لتعطيل اتخاذ قرارات حازمة؛ كما أنهما ترفضان اتخاذ أي إجراء حقيقي لنجدة شعب جنوب السودان من الإبادة الجماعية واغتصاب النساء يوميا وبالجملة.
أكثر شافيز حملاته على الوجود الأمريكي في العراق، داعيا لانسحاب فوري، وهو أيضا ما ردده رئيس زامبيا موغابي، الذي قاد بنفسه عصابات الغوغاء لنهب والتنكيل بالأقلية البيضاء في البلد، مع أنها لم تتحرك ضد البلد، بل قبلت ورحبت بالوضع الجديد بسقوط نظام الفصل العنصري.
أما الطرف الثاني في المحور الثنائي فهو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، فمن لا يعرفه؟! إنه هو الآخر غوغائي لا منطق له غير التحامل على واشنطن، ولا موقف له غير رفض الجهود والمفاوضات الغربية لوقف المشروع النووي الخطير، الذي لن يهدد، لا أمريكا ولا أوروبا ولا إسرائيل، بل سيكون ورقة ابتزاز وضغط على دول الخليج وعلى العراق، في سياق الخطط الاستراتيجية الإيرانية للتوسع والامتداد سياسيا واقتصاديا ووضع هذه الدول تحت رحمة إيران. هذا كله هو ما يجمع الرجلين، وأحلامهما في قيادة العالم quot;الثوريquot; ودحر quot;الإمبريالية الأمريكية.quot;
استقبل الرئيس الإيراني بالأحضان والورود، ورفعت صوره على ثياب الناس، فتوهم أنه قادر على مواصلة تهديده النووي، والتدخل الواسع النطاق في العراق، الذي بات محطة لرجال المخابرات والحرس الثوري الإيرانيين، و جنوبا وكردستانَ ومرورا ببغداد، وهو ما لا يمكن ستره بأية تصريحات عراقية متكررة عن حسن نوايا إيران، وعدم تدخلها في شؤون العراق!
ترى هل سينجح هذا المحور الثنائي لتحقيق مراميها؟ بالطبع كلا، لأنه محور ضعيف رغم صخبه الكلامي، وهذه إيران تعاني من اشتداد نقد رئيسها، ومن وجود الضغوط الدولية المستمرة التي اضطرت كل من الصين وروسيا إلى المشاركة الملطفة فيها.
شافيز بعيد عن أي تأثير على الوضع الإيراني؛ أما أحمدي نجاد، فربما في يديه أوراق قوية وخصوصا حزب الله وجيش المهدي وحماس، وهو يقوم بالعمل لتدمير القضية الفلسطينية والعراق ولبنان، إلا أن إيران لن تستطيع مواصلة تحدي المجتمع الدولي للأبد وهي من حين لآخر تبدي بعض الإشارات لترميم العلاقات مع واشنطن كما أن لإيران رجالات عاقلة وبعيدة النظر، وقطاعات واسعة من الشعب التي قد لا تتحرك اليوم بسبب العنف والقهر، ولكن لكل ظالم يومه! الوضع الدولي تغير جذريا منذ انتهاء الحرب الباردة، وسقوط الأنظمة الشمولية ذات الاقتصاد quot;المخططquot;؛ فهل إن محورا جديدا كهذا قادر على تغيير موازين القوى وقيادة تيار جديد للحرب الباردة؟ بالطبع لا وكلا!
يذكرني التغطرس الكلامي لهذا الثنائي، شافيز وأحمدي نجاد، ودورهما لتغيير السياسة الأمريكية بالعطسة التي تحدث عنها الكاتب السوري الساخر المرحوم مصباح الغفري؛ عطسة الرئيس الشمولي الدموي الفردي الذي باركته وسائل الإعلام المحلية، كيوم تاريخي فاصل لتحقيق الانتصارات المدوية، وإذ عقد المجلس القومي الأمريكي بسببها جلسة استثنائية فورية لدراسة أبعاد العطسة على مصالح الأمن القومي الأمريكي. وهذا من هذا!