كونفشيوس الحكيم (551-479 ق. م):


ارتكزت تعاليم كونفشيوس على الجانب الأخلاقي، حيث التأكيد على أهمية دور الفرد في تحديد الوجهة التي يختارها، انطلاقا من تقديم المعرفة على حساب الغيبيات. وتكمن

الحلقة الأولى
ممعالجاته الفكرية في كتابه ( سي شو) كتاب الحوار، ويتألف من حواراته وأحاديثه في العديد من جوانب الحياة.والذي يتألف من أربعة أجزاء، الأول وهو عبارة عن تعاليم أخلاقية ألقاها على تلاميذه، والثاني يتعلق بالمسائل الفكرية العامة والثالث في أخلاقيات الكونفوشية، وأما الرابع فقد اختص بمعالجة القضايا السياسية.لقد تركزت موجهات المعرفة الكونفوشية، عند الجانب الإنساني، حيث التوجه نحو الفضيلة باعتبارها المقوم الرئيس للأخلاق، وتقديم مبدأ الاعتدال النابذ لكل أشكال التطرف.ومن هذا قامت مرتكزات فكره على:
1.أهمية أن يتوجه الإنسان للاعتماد على ذاته، واعتماد مبدأ الفضيلة في تمييز المواقف الاجتماعية، حيث التركيز على الجانب الأخلاقي.
2.العلم والمعرفة يمثلان الأصل في الكشف عن جوانب الحياة،وبالتالي إمكانية مواجهة المشكلات المستحدثة.
3.أهمية بناء الأسرة الصالحة والتي تمثل العماد والأصل للمجتمع وسلامته.
4.إن الحكومة والنظام السياسي، مرتبط بالمجتمع، ويمثل الصورة والواجهة الحقيقية لطبيعة العلاقات السائدة.
على الرغم من المكانة العظيمة التي احتلها كونفشيوس في مملكة ( لو ) ذات الأهمية الثقافية البارزة في التاريخ الصيني القديم، إلا أنه لم يتسلم أي منصب سياسي، حيث بقي محافظا على دوره الفكري والمعرفي. ووضع معالجاته للمزيد من المسائل التي كانت تواجه المجتمع. فمعالجته لمسألة الحكم والدولة، استندت إلى الربط الصارم بين الحاكم وتوفر الصفات الرئيسة فيه، حيث التوازن والاعتدال في تصريف شؤون الرعية، مع تقدين مبدأ التواضع والتفاعل العميق والصميم مع المشكلات للمواطنين، فالشعب يمثل العماد الذي تقوم عليه الحكومة.لكن هذا لا يلغي المكانة الأثيرة والمميزة التي يتحصل عليها الحاكم، باعتباره ممثلا للآلهة ومنفذا لإرادتها، باعتبار الارتباط بفكرة العدالة التي تنتج عن الآلهة دائما.
أبرز نشاطات كونفشيوس عن كسر للمزيد من القواعد الطبقية السائدة، فبعد أن كانت الثقافة ميزة خاصة بالنبلاء، نراه يعمد إلى فتح باب التعليم لكل من يستطيع أن يدفع نفقات التعليم، مهما كانت بسيطة، حتى أن تلاميذه قد بلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف.والواقع أن طروحاته كانت تركز على جانب السلام والاستقرار الاجتماعي، حيث السعي إلى خلق حالة من التوازن بين الطبقة الحاكمة والشعب، من خلال الربط بين الأخلاق والنظام، حتى أنه اعتبر أن الحاكم يمثل مركز استقرار المجتمع، بل أن التأكيد على وجوب طاعة الرعية للحاكم، ممثلا إياها بطاعة الولد لأبيه. ومن هنا تبرز الثنائية والمستندة إلى ؛ الحاكم العادل مقابل الطاعة المطلقة للشعب.
كان المسعى إلى خلق حالة من التوازن بين موجهات النظام الإقطاعي وعموم الفلاحين، فنقده انصب على حالة التفرد التي تميز البعض من الإقطاعيين، وإيقاع الظلم بالفلاحين، باعتبار أن هذه الحالة ستودي بالاقتصاد الصيني، ومن هذا كانت دعوته إلى أهمية أن يكون الإقطاعي بمثابة الأب الحريص على توفير الحياة الكريمة لفلاحيه، وبالتالي توفير المناخ الصالح لبناء اجتماعي متماسك. إن دعوته هذه كانت تنصب على أهمية النظام الإقطاعي بوصفه أداة للتنظيم وتوزيع المسؤوليات.


الأتباع والمعارضون
خلف كونفشيوس أثرا بالغا في العقل الصيني، حتى أن الكثير من المقولات والأمثال الشائعة المتداولة حاليا، إنما تعود في أصولها إلى مقولات هذا الحكيم.ومن تلاميذه يبرز ( مانشيوس) الذي اتخذ المبدأ الإنساني وراح يعمل على تطويره، حيث التأكيد على أن الشعب يمثل الأصل في حين أن الحكام يمثلون جزءا متمما لصورة المجتمع.ومن هذا كان حرصه على أهمية تنظيم المجتمع استنادا، إلى وضع قانون للحكم والسعي إلى تنظيم النظام الضريبي، من أجل معالجة أوضاع الطبقات المعدمة والفقيرة.وبرأيه أن المجتمع يقسم إلى طبقتين؛ أصحاب المعارف والعلماء وطبقة العامة المسؤولة عن الإنتاج، ومن أجل ضمان الاستقرار، لابد أن يسود التعاون بين الطبقتين من أجل استمرار الحياة، من خلال توجه المنضوين كل في طبقته نحو العمل الجاد والبناء.أما تلميذه الآخر ( مينغ تزو) توفى 285 قبل الميلاد، فقد أكد على أن الإرادة الإلهية هي المسؤولة عن تولي الحاكم لشؤون الحكم، وعلى الرعية تقبل الظلم والإخفاق إذا ما تجلى على سدة الواقع.من دون السقوط في دوامة الفوضى الذي لا بد أن يؤدي إلى التقاطع في المصالح وبالتالي ظهور الفوضى.
على صعيد المعارضة يبرز ( موتزو) 479-400 قبل الميلاد، الذي تقاطع مع أفكار الحكيم حول دور الآلهة في اختيار الحاكم، مشيرا إلى أهمية تعاون الأفراد من العامة من أجل تغيير أوضاعهم الاجتماعية، مشيرا إلى أن السلم يمثل الأصل في الحياة، أما الحروب فهي تمثل مصالح الطبقة الحاكمة.وهذا يمثل توجهات المدرسة المادية التي ربطت بين الحواس والفكر.
في القرن الثالث قبل الميلاد، برزت دعوة المشرع القانوني( هان فاي) والذي أكد على أهمية تنظيم الحياة العامة استنادا إلى تشريع القوانين، من أجل تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، عن طريق ترسيم معالم الحقوق والواجبات.وتبرز أهمية هذه الدعوة، في أنها ركزت على أهمية الأخذ بنظر الاعتبار التطورات التي تفرضها تفاصيل الحياة، وربط القوانين، بالطريق والواجب المستند إلى فكرة الطاو.ويمكن إجمال محتوى الصراع العقلي والمعرفي في الصين القديمة، والتي عانت من الصراعات والانقسامات، التي فرضتها موجهات النظام الإقطاعي، حتى تبدى للعيان صدام مباشر بين تيارين، المادي الذي ركز على أهمية دور الأفراد وخضوعهم لموجهات الطبيعة، والمثالي الذي استند في دعوته إلى أهمية خضوع الأفراد للجانب الإلهي والروحي، مع التأكيد على أهمية دور الفرد في الإصلاح ومدى قدرته على التكيف والسعي نحو تركيز مجال التنشئة الاجتماعية المتطلعة نحو الاستقرار والتفاعل مع باقي الأفراد.
يتبع