مع قرب صدور قرار حكم الإعدام بحق نائب رئيس النظام العراقي الأسبق البائد و أحد كبار رجال دولة منظمة حزب البعث السرية الإرهابية (طه ياسين رمضان الجزراوي) ستكتمل الدورة الأولى للأحكام التاريخية الصادرة بحق القيادات التي حكمت العراق طيلة أربعة عقود عجفاء كانت طافحة بالشعارات و الصراعات و الحروب و الملاحم و الفتن و التي لم تزل تتوالى فصولا محزنة في بلاد الرافدين التي تعودت عبر التاريخ أن تكون مسرحا حربيا و تراجيديا لمصارع و تدحرج رؤوس الطغاة وما أكثرهم في التاريخ العراقي بدءا من النمرود مرورا بولاة بني أمية كزياد بن أبيه و إبنه وكخالد بن عبد الله القسري و كالحجاج بن يوسف الثقفي، وولاة بنو العباس ثم المماليك و غيرهم الكثير وصولا لرعاة الغنم و الشقاوات الذين تحولوا في غفلة من الزمان لسادة و حكام يهيمنون على موارد واسعة و يتحكمون بالستراتيجيات ألإقليمية و يمارسون السياسة بعقليات التخلف و العصبية القبلية و التعصب الجاهلي ذو الخلفية العشائرية المريضة، وطه الجزراوي هذا الذي ستتدلى جثته من حبل المشنقة العراقية لتضاف لجثث رفاقه و قادته في حزب البعث البائد هو واحد من أكبر القادة البعثيين الذين لعبوا ادوارا خطيرة في لعبة الحكم و السلطة في العراق، وهو أحد قادة و رواد مدرسة الإرهاب البعثية في العراق فضلا عن كونه كان يمثل (جناح الصقور) في القيادة العراقية البائدة السابقة!! رغم أن كل تلك القيادة الراديكالية و المتعاملة بأساليب العنف الثوري ضد مخالفيها و معارضيها كانت أمام التحدي الخارجي قيادة فئرانية و جبانة تركت الشعب العراقي في ساحة المواجهة وفي لحظات الحقيقة لقدره و لاذت بالهروب لا تلوي على شيء، ليلقى القبض عليها إما في جحور الفئران أو في مطابخ البيوت مثل طه الجزراوي نفسه!!، و الجزراوي الكردي الأصل الذي إستعرب ليزايد العرب على عروبتهم وتنكر لأصله كان أحد ركاب (البيك آب) الأميركي الذي دخل قصر عبد الرحمن عارف الجمهوري فجر يوم السابع عشر من تموز/ يوليو 1968، كما كان بحكم تكوينه العسكري المتواضع (نائب ضابط) في الجيش العراقي عضوا في المكتب العسكري لحزب البعث وتقلد رتبة (رائد) في الجيش بعد الإنقلاب و أصبح مسؤولا عن التعذيب و الإستجواب و التحقيق في قصر النهاية، كما لعب دورا في القضاء على جماعة عبد الرزاق النايف في إنقلاب 30 تموز/ يوليو 1968 عبر دوره في السيطرة على وزارة الدفاع، و كان التاريخ العملي للجزراوي قد بدأ مع حفلات التعذيب الشنيعة للمعارضين في معتقل (قصر النهاية) الرهيب بمعية الجلادين البعثيين من أمثال ناظم كزار لازم و علي رضا باوة (من أصل إيراني)! وحسن المطيري وداود الدرة و سعد بن وحيدة خليل !! و جبار لفتة و فرج الأسود و سالم الشكرة و سعدون شاكر و خالد طبرة و عمار علوش و فاضل الأعور! و غيرهم الكثير من عتاة الشقاوات و المجرمين البعثيين الذين عاثوا فسادا في أجساد وحرمات العراقيين، وكان الدور الأول البارز له هو قيادته لميليشيا الحزب المسماة ب (الجيش الشعبي) عام إذ كان القائد العام له حين تشكيله رسميا في عام1970 وفي نفس العام وفي بدايته صعد نجم الجزراوي في مجال القمع و الإرهاب السلطوي من خلال ترأسه لمحكمة (الثورة) القراقوشية الشكلية في قضية مؤامرة يوم 20/21 يناير كانون الثاني 1970 المفبركة (التي كشف خفاياها جهاز المخابرات السوفياتية و تطوعت القيادة الشيوعية في العراق لنقل أخبارها لنظام البعث)!!و التي ذهب ضحيتها حوالي 60 شخصية سياسية عراقية وكانت أحكام الإعدام تصدر من الجزراوي في دقائق و (على الماشي)!! ومن دون توفير حق الدفاع و لا النقض و لا التمييز ولا أي شيء من الأشياء المتعارف عليها قانونيا فضلا عن عدم تأهيله القانوني و الثقافي فهو شبه أمي إذ أن (نائب الضابط) في الجيش العراقي السابق كانت معروفة نسبة الجهل الذي يعيش فيه؟ ومع ذلك فقد أصدر أحكام الإعدام المعدة سلفا من قيادة الحزب ووقع عليها لتكون ضمن وثائق إدانته التاريخية التي لم توضح كل تفاصيلها للأسف أمام الرأي العام العراقي أو تخضع لتدقيق التاريخ الذي لا يرحم فقضية (الدجيل) رغم بشاعتها هي واحدة من أبسط الملفات في تاريخ نظام البعث البائد وفي ملف طه الجزراوي نفسه !، و أستمر الجزراوي بعد مسيرته الدموية العاصفة في تبوأ المناصب التي لم تكن تتناسب و مؤهلاته فهو تارة وزير للصناعة!! و تارة وزير للشؤون الإجتماعية وطورا جلاد من جلادي السلطة فضلا عن قيامه بدور عسكري في قمع إنتفاضة ربيع 1991 الشعبية التي أعقبت الهزيمة البعثية المروعة في الكويت وحيث قام من خلال قيادته للقاطع الأوسط من العمليات بإعدام مئات الأبرياء لمجرد أنهم وقفوا في طريق آلياته الزاحفة وكان يصدر أحكام الإعدام بكل برودة أعصاب و صلف و عنجهية، و العجيب أن هذا الجزراوي كان من القيادات البعثية القليلة التي بقيت حتى النهاية في السلطة دون أن يفقد رأسه في التصفيات و التطهيرات المستمرة التي أقدم عليها المشنوق صدام حسين و بطانته من أبناء العشيرة و الأعمام، لكونه كان يتصف بقدر كبير من الخبث المعجون بالجبن، فمن بقي مع صدام من قيادات الحزب كانوا جميعا من المشهورين بضعف شخصياتهم و بجبنهم و خوفهم من القائد الأوحد ومن نماذج القيادات التافهة كعزة الدوري و طه الجزراوي و لطيف نصيف جاسم و طارق عزيز و محمد سعيد الصحاف و ناجي صبري الحديثي!! الذي أضطر لإنبات شواربه خوفا من صدام الذي صرح بأن الرجل الذي ليس له شوارب ليس برجل!!! و غيرهم من جبناء البعثيين من قيادات الصف الثالث التافهة من أمثال صلاح المختار و المتنقلة بين صنعاء و طرابلس الغرب و دمشق و عمان؟، وكان الجزراوي من المحسوبين في البداية على خط الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر ولكن بعد إبعاد البكر في إنقلاب صدام الدموي عام 1979 تبينت حقيقة ولاء الجزراوي لصدام حسين من خلال مساهمته الفاعلة في إعدام القياديين البعثيين ال 21 المعروفين بمجموعة (محمد عايش و عدنان حسين) وهي المؤامرة المفبركة الأخرى التي جعلت من صدام الراية البعثية الوحيدة بعد أن أنهى حزب البعث أو بقاياه بالكامل متسلحا بمباركة مؤسس الحزب ميشيل عفلق!!، فكان الجزراوي بذلك أحد رجال صدام الذي لم يكن يتردد عن تنفيذ أي مهمة يكلفه بها مهما كانت مهينة ومنها بل من طرائفها تنفيذ أمر مباشر من صدام حسين لطه الجزراوي للإنقاص من وزنه بعد أن تضخم كرشه كثيرا!! وفعلا فقد عاد الجزراوي رشيقا بعد ذلك!! وهو القانون الذي عرف ب (قانون الرشاقة)!! وفي أزمة غزو الكويت كان الجزراوي مبعوث سيده لقمة القاهرة وكان متصلبا لأنه يعبر عن مواقف صدام فقط لا غير..!وهي مواقف مزاجية تتسم بقدر كبير من الغباء السياسي، و بعد هزيمة (أم المعارك) المؤلمة تفرغ الجزراوي و بقية القيادة البعثية للإنفراد بالشعب العراقي وقمع إنتفاضته الشعبية في ربيع 1991 و هي المهمة التي يحسن أدائها لخبرته الطويلة في دهاليز و سراديب منظمة البعث السرية في القتل و الإعدام خارج منظومة القوانين، و هاهو ذلك الجلاد العريق يقف اليوم أمام سجله و ماضيه و يدفع ثمن جرائمه و تجاوزاته وإن جاءت متأخرة بعد أكثر من أربعة عقود، وهو مصير كل الطغاة و المتفرعنين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم. ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب..... إنها سجلات حافلة لواحد من مجرمي البعث الإرهابي البائد و ستتبعها سجلات أخرى لمجرمين آخرين يبدو طريقهم مفتوحا لمشنقة التاريخ... و مزبلته، و التاريخ لا يرحم الطغاة.... و تبقى المشكلة الأساسية في طريق الطغاة العرب و العجم و البربر من أنه لا أحد يتعظ...!.

[email protected]