منذ ان وجدت التجمعات البشرية وبدأت تتكون المدن، فكر الانسان بايجاد ما ينظم هذه الحياة الجماعية كي تسير بشكل يحافظ من خلاله على استمرارها بأمن وسلام بعيدا عن الشر وافعاله، فكانت بداية الاديان غير السماوية التي انطلقت كشرائع مقدسة من قبل آلهة مصنوعة أوافلاك عبدها الانسان، بعد ان رأى ضعفه وعجزه امام الطبيعة واعاصيرها وزلازلها وبراكينها وثوراتها التي لا تعد, وتركزت هذه الشرائع غالبا على تخويف الانسان بعقوبات تنزلها الآلهة به مما يجعله مضطرا للخضوع لها وارضائها بما يتناسب مع تفكيره ضمن اطار اليوتوبيا التي عاش بها وقبلها لتستمر حياته البسيطة امام جبروت الطبيعة..
بعد ذلك جاءت الاديان السماوية لتعمق نفس المفهوم لكن بفلسفة العقل التي تناقش اثبات وجود الخالق، لكنها تزرع في الانسان فكرة الترهيب والترغيب بالجنة والنار, من اجل ان يرعوي الشر وتستمر الحياة اكثر سلاما.. ثم استحدث الانسان القوانين الوضعية للحد من الجرائم التي ابتدعها العقل ذاته، ولان التطور البشري يوجد انواعا جديدة من الجرائم، التي لا تقع ضمن اطار العقوبات التشريعية..
ولكن منذ بدء الخليقة حتى اليوم لم تستطع هذه الشرائع ولا القوانين القضاء على الاجرام بشكل نهائي ولا انهاء الدوافع العدوانية لدى البعض، ومنذ الاف السنين ورغم وجود الكثير من المقدسات، من اديان وكتب وشخصيات في تاريخنا البشري، والانتهاكات لكل مقدس ولكل قانون تزداد يوميا كلما تعقدت الحياة وكلما زادت نسب اعداد السكان، وبالمقابل نرى ان المشاكل السياسية تزداد والفقر والحروب تعظ ّ الانسان وتوجعه اكثر فأكثر، خاصة الانسان في البلدان التي لازالت تؤمن بالشرائع القديمة وتطبقها رغم عجزها عن تقديم الحلول وبناء السعادة بعيدا عن الشر المتمثل بالجريمة...
ولان الانسان ادرك تلك الحقيقة نراه ابتدع فكرة المنظمات الانسانية التي تؤكد على اهمية الحياة وصيانتها من العبث بها لأي سبب كان، ونجده أسس مختلف الهيئات الدولية وطرح افكار الديمقراطية والدبلوماسية وغيرها من مفاهيم او فعاليات تحد من انتشار الشر بالعالم وترفع راية الخير والمحبة.
ورغم كل ذاك بقي ابناء البشر يتخبطون في حيرتهم وعجزهم امام عدم القدرة على السيطرة على الشر وزاد الطين بلة ان الابتكارات الحديثة التي اوجدها الانسان لراحته وسرعة اتصالاته وسلامته صارت تستغل من اجل الاحتيال والنصب واحداث فوارق اكثر شراسة بين بني الناس...
وفي خضم ذلك نجد ان الناس وبعض الحكومات ومنها العربية تتناسى مباديء ونقاط هامة, قد تساعدها في الحد من الجرائم ومنها:
bull;التطبيق العادل للقوانين, وهذا يتطلب اجهزة قضائية وتنفيذية خالية من الفساد، وعندما نسمع في بلداننا العربية ان فلانا اصبح من المجرمين العتات الذين دوّخوا الحكومة، فلأن هذا المجرم وجد ثغراتَ ضعف ٍ في الحكومة من فاسدين استغلهم لصالح اعماله واصبحوا غطاءً له، مما صعب جعله تحت طائلة العقوبة التي من المفترض انها تسري على الجميع, ولأن عدم ثقة المجرمين بجهاز القضاء وتطبيق القانون شجع اعتقاد ضعفاء الاخلاق من الناس بخروجهم quot;كالشعرة من العجينة quot;من جريمة خططوا لها، فنراهم يرددون دائما كما في الافلام العربية: quot; اعملها ولا من شاف ولا من دري quot;، ولو كان ايمانهم بقوة الاجهزة التي تلاحقهم, وبأنهم سيعاقبون حتما لترددوا عشرات المرات ولحسبوا الف حساب قبل الاقدام على جرائمهم، من هنا جاءت اهمية العقوبة كرادع ٍ مهم، لكنه يفقد اهميته حينما يستشري الفساد في الدولة ويفقد المجرم الايمان بقدرة الشرطة على كشف افعاله الشريرة ووقوعه في قبضة العدالة, بالتالي يبطل مفعول العقوبة كرادع ٍ ضد الجريمة..
bull;القضاء على الظلم الطبقي في المجتمعات، فالفقر والحرمانات واهمال مناطق شاسعة من اطراف المدن وعدم تقديم الخدمات لها بالتساوي مع سواها، يؤدي بهذه المناطق ان تكون مرتعا للحقد والانتقام وبالتالي هي ملجأ للفارين من وجه العدالة، كما نرى في بعض المناطق الامريكية التي تسقط ليلا بيد العصابات وكما نرى في بعض الافلام العربية التي تعكس وجود مناطق تخاف منها حتى اجهزة الشرطة مما يصعب الوصول لها وتطهيرها من الشر..
bull;محاربة التقاليد المتخلفة والطقوس التي تؤكد على الفوارق الطائفية أوالمذهبية والعرقية والدينية بين البشر، فاستمرار طقوس قديمة تعلن عن افضلية مجموعة على سواها وبشكل كبير وبالشوارع العامة التي يشترك بها الجميع، ليس لصالح الانسان، حيث تقف هذه المظاهر والطقوس ضد مبدأ المحبة بين البشر الذي لابد وان يسود من اجل بناء حضاري حقيقي، ولنا في ذلك امثلة كثيرة فالطقوس التي تمارسها بعض المذاهب والديانات في اسيا الشرقية ودولنا العربية مثلا، تشعل غالبا النيران والحروب بين مكونات الشعب, مع انها حق للانسان ان يمارسه, لكن بحدود منزله او دور العبادة اما ان يمتد الى المناطق العامة ليفرض فلسفته بكل مابها من كلمات قد تحمل الثأر والانتقام من مجموعات بشرية اخرى فهذا تعد على العامة من المكونات الاخرى من الناس كما هو تعد على سياسة الدولة بنشر مبدأ المساواة بين المواطنين، فمن الضروري بقاء الشارع والمناطق والمؤسسات العامة غير منحازة لفئة من البشر انما تبسط السلطة عليها قانونا علمانيا ينشد السلام والهدوء, هذا ان كانت الدولة جادة بالتعامل مع مكونات الشعب بشكل متساو ٍ وبدون تفرقة او تفضيل مجموعة على سواها ..
bull;التربية بحقوق الانسان منذ الطفولة، وهذا اهم مايجب ان يحصل في المدارس والمنازل، فالجريمة لاتأتي بدون دوافع نابعة من الفرد واخلاقه التي تشربها منذ الطفولة ونوع التربية التي شكلت شخصيته وطبعتها لصالح الخير او الشر، ولهذا نرى ان عقلاء البشر من انبياء ومفكرين وفلاسفة عظماء يؤكدون على دور التربية ببناء الانسان، فنرى البشرية تردد مقولة quot; التعلم في الصغر كالنقش على الحجر quot;.من هنا جاء دور التربية والتعليم بغرس المحبة في عقول وقلوب الاطفال لجميع البشر ولتكن المدرسة مركزا عاما لجميع التلاميذ من مختلف الديانات والمذاهب، اي تكون كالوطن الذي يضمهم، ويتطلب ذلك عدم تعليمهم دينا واحدا بعينه او مذهبا بعينه ليتعصبوا له في الكبر، انما إعطاء الاطفال نبذات متساوية لكل الأديان والمذاهب بشكل عام وبدون تفاصيل مثيرة، والتركيز على ماجاءت به هذه الأديان من اخلاق رفيعة اشتركت بها وركزت عليها وكانت هي الهدف الاسمى لجميعها من اجل بناء الانسان ودوام الحضارات، وحينما يكبرون لهم الحق في اختيار مايدرسونه او يتخصصون به من الاديان دون سواها..
اخيرا اذكر واقعة لابد من سردها وهي أن معلما هولنديا سأل تلاميذ صف فيه مختلف الاديان، والسؤال كان لماذا لا تسرق؟
فكان جواب احد الاطفال:
لا أسرق لانني أخاف من النار.. وكان جواب زميله: لا أسرق لأن السرقة لا أخلاقية فكما لا أريد ان يسرقني أحد فأنا لا أسرق.... فأي الاجوبة افضل للتعايش السلمي بين البشر؟............... يتبع حقوق الانسان وانتشار السلاح
[email protected]

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه