مع التسليم المبدئي بأنني لست من المعجبين بما تقدمه د. هالة سرحان في برامجها وما تروج له من انفلات سلوكي وإباحية لا تناسب قيمنا الأخلاقية والدينية مثلما لا يرتقي بنا ترويجها حسب مزاعم البعض إلى صاف الدول المتقدمة باعتبار أن أمامنا آلاف الخطوات على طرق عديدة غير الأخلاق لنصل إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم، مع التسليم بهذه الحقيقة إلا أنني أجد نفسي مضطرا لطرح تساؤل أوحت لي به ردود القراء على خبر نشرته قبل يومين منقولا عن جريدة الاوبزرفر البريطانية حول هرب المقدمة المثيرة للجدل إلى لندن ريثما تهدأ العاصفة، والسؤال هو هل يمكن أن يكون كل ما حدث أمر مخطط من قبل الحكومة المصرية لإلهاء الناس عن التفكير في مشاكلهم الحقيقية وهي للأسف كثيرة ومتنوعة هذه الأيام؟!! اعرف أن البعض سيجيب بنعم حتى دون تفكير انطلاقا من قناعة غير مبررة وان بدت مقبولة عاطفيا على الأقل بان الحكومة مسؤولة عن كل الكوارث التي تحدث في مصر وبنفس القدر اعرف أن هناك من سيسفه هذا التفكير بحجة انه لا يتناسب مع الذكاء المفترض أن يكون عليه العرب حتى يلحقوا بالعالم الغربي المتفوق لكن ما أظن أننا نحتاج إليه ليس هذا أو ذاك وإنما تحليل للوقائع للوصول إلى نتيجة اقرب ما تكون للمنطق.
وقبل أن نشرع في التحليل أظن انه ليس بعيدا عن أذهاننا مسلسل مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك السابق وأزماته المتعددة والمتنوعة دون تدخل حاسم من أولو الأمر لإيقافه الأمر الذي دفع أنصار نظرية المؤامرة أيضا إلى القول أن ما يفعله الرجل دور مرسوم لإلهاء الناس عن مشاكلها بدليل أن مرتضى نفسه وقضاياه تكاد تكون اختفت تماما من ساحة الاهتمام بعد أن استنفذت غرضها وتحولت إلى نمط ملل على الطراز المكسيكي.
والحقيقة أن فكرة افتعال الأزمات ليست بالكامل وليدة العقول المهووسة بالمؤامرة والتي ترى التاريخ ليس سوى سلسلة من المؤامرات وإنما لها ظل من الحقيقة خصوصا في عالم السياسة وهناك بعض المدارس السياسية خصوصا في الغرب المتقدم تؤمن بفكرة الإلهاء لتمرير أشياء في غفلة من الاهتمام الجماهيري أو لصرف نظر الرأي العام عن التركيز على قضية ما (وبالمناسبة يمكن هنا ذكر أن هناك من اعتبر الموت المفاجئ للعارضة أنا نيكول سميث والأزمات القانونية التي حدثت عقب وفاتها على مكان دفنها وأبوة ابنتها مسألة مخططة لتخفيف حدة الاهتمام الشعبي بالإخفاق الاميركي في العراق والمساحة المتزايدة من الاعتراض الشعبي على بقاء الجنود الاميركان هناك).
وهناك أيضا ما يعرف في السياسة بطرق تخفيف الاحتقان الشعبي ومنها ترويج النكات عن النظام السياسي أو السماح لأشخاص معروفين بانتقاد النظام علنا وهي طريقة تجدي نفعا بالذات في الشرق حيث الناس مشحونين بكثير من العواطف وقليل من العقلانية، وكان النظام المصري تحديدا قد لجا إلى سياسة ترويج النكات على أدائه عقب هزيمة 67.
أما في قضية د. هالة سرحان فأظن أن الأمر لم يخل تماما من رائحة المؤامرة لكن السؤال هنا هو من تآمر ومن المستفيد؟ مع التسليم الكامل بان فتيات الليل قد يكن فعلا مزعومات كما قيل وأظن بحكم معرفتي واحتكاكي البسيط بعالم التليفزيون أن مسألة إحضار ممثلين وممثلات والاتفاق معهم على أداء دور ما خلال برنامج ما أمر منتشر في العديد من البرامج الجماهيرية خصوصا في ظل كثرة البرامج وشدة تنافسها، لكن السؤال هو هل هؤلاء الفتيات أبرياء فعلا من عالم الليل والمتعة وإذا كن كذلك فلماذا قبلن أداء دور يعرفن قبل غيرهن انه سيسيء لهن طوال من تبقى من حياتهن إلا إذا كان هذا الأمر لا يعنيهن أو أن تأثيره عليهن ليس بهذه البشاعة التي يتركها على اغلب أفراد المجتمع المصري المحافظ بطبعه حتى وان أظهرته د. هالة في برامجها منحلا.. وإذا كان الاتفاق بين المقدمة أو فريق إعدادها مع الفتيات قد تم فهل خرقته الأخيرات بسبب الخلاف المالي وتنصل المقدمة من وعودها لهن فقط كما قيل، وهذا أمر أن كان صحيحا فينبطق عليه المثل المعروف (اختلف اللصوص فظهرت المسروقات) وإذا لم يكن فهذا يعزز نظرية المؤامرة إياها لكن من الإنصاف القول أن النظام لم يستفد من أزمة هالة شو بل إنها على العكس استدعت في الإعلام الغربي كل مواقف النظام ضد حرية الرأي والتعبير. كما إنها أثارت في بعض وسائل الإعلام المصرية قضية الانحراف التي انتشرت في مصر مؤخرا بفعل قسوة الظروف المعيشية المسؤول عنها النظام أيضا.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فان هالة سرحان لا يمكن إخراجها من قائمة المستفيدين من المؤامرة ذلك أن الأزمة وضعتها تحت الأضواء ليس فقط في مصر وإنما في كل الدول العربية والعديد من الدول الغربية وهناك من يرى في الغرب إنها تجسيد حي لوحشية النظام ضد أصحاب الرأي وهناك من تمادى فوصفها بأوبرا وينفري الشرق الأوسط، وهناك الفتيات أنفسهن اللاتي تحولن إلى نجمات تتهافت الفضائيات والصحف على استضافتهن وليس من المستبعد أن يجدن فرصا متميزة في أعمال درامية قريبة أو ربما أزواج أغنياء يرأفن بحال فتيات فقيرات خسرن كل شيء بسبب ما يراه البعض انتهازية مذيعة. وهناك أيضا القناة نفسها التي كسبت دعاية كانت ستكلفها ملايين.
وفي النهاية لا أظن انه يمكن الجزم في اللحظة الحالية بشيء ما وعلينا أن ننتظر ونرى.
[email protected]