(التكية) هي المكان الذي تمارس فيه طقوس دينية كالدروشة والزار والضرب بالسيوف وما الى ذلك من عادات وتقاليد موروثة لدى اتباع الطريقة الصوفية، يقابلها (الحسينية) كملتقى لممارسة الطقوس عند مسلمين آخرين حيث ذكر مصائب آهل البيت(ع) واللطم و(التطبير) اهم التقاليد التي تمارس فيها بالاضافة الى مجالس الذكر والقاء المحاضرات الدينية. وكلتاهما _اي التكية والحسينية_ لاينطبق عليهما عنوان المسجد فهذا الاخير له احكامه الخاصة المقررة في الفقه الاسلامي عند الشيعة والسنة. واذا كانت المساجد لله وللمسلمين كافة، فأن (التكيات) و(الحسينيات) لأتباع المذاهب فقط، اي انها خاصة وليست عامة ، اذ لكل اتباع طائفة و مذهب تكيتهم او حسينيتهم. ويبدو ان عدوى (خصخصة) اماكن العبادة انتقلت الى وسائل الاعلام والفضائيات (العراقية) فلكل طائفة وجماعة فضائيتها التي تنسج على منوال (التكية) او (الحسينية). فلأتباع بعض الاحزاب الدينية (فراتهم) و(بغدادهم) ولأيتام البعث وأرامله (شرقيتهم) و(زورائهم) وكلها تعزف على الوتر الطائفي كوسيلة ناجحة لتعبئة الاتباع، ولتكريس الاصطفافات الطائفية لاغراض حزبية وسياسية ضيقة.

ان (الشرقية) _موضوع مقالنا هذا_ تدعي تمثيلها للعراقيين كافة، وأنها ذات صبغة ليبرالية على حد زعم القائمين عليها، ولكن واقع حالها يقول خلاف ذلك، بل هناك من يذهب للقول ان دورها يتمثل بتأجيج الطائفية في العراق وتكريس ثقافة الانشقاق المشبوهة تمهيدا لاحداث فتنة الحرب الاهلية من أجل القضاء على التجربة الديمقراطية الوليدة ولأفشال الحكومة الشرعية لأسباب لم تعد خافية على أحد أقلها تنفيذ أجندة بعض الانظمة التي بات يؤرقها نجاح الديمقراطية في بلاد الرافدين خوفا على عروشها التي بنتها على حساب آهات المعذبين من ابناء شعوبها.

ومن هنا كانت هذه الانظمة في غاية السخاء والكرم مع هذا النمط من المؤسسات الاعلامية سواء على مستوى الدعم المادي لها او المعنوي بما في ذلك التضييق على بعض القنوات العراقية الوطنية المنافسة. ورغم أن القائمين على (الشرقية) يصفونها بـ(تلفزيون الحقيقة) فأن الواقع يقول انها ابعد ما تكون عن الحقيقة وأقرب ما تكون للدجل والتضليل، اي وفق مواصفات (الحقيقة) في زمن صدام حيث تتحول الهزائم الى انتصارات مثلا، ومن هنا راح العراقيون يلقبونها بـ (تلفزيون البعثية) وهم محقون بذلك لكون نفس الوجوه الكالحة التي كانت تعمل في تلفزيون (الشباب) التابع للأبن الاكبر للطاغية النافق تطل عليهم الان من على شاشة (الشرقية) بالاضافة الى نفس الاساليب التي كانت تستعمل في ذلك التلفزيون يصار الى اعادة انتاجها بما في ذلك المسلسلات والبرامج كمسلسل (ذئاب الليل) والذي أُعد بعناية من قبل جهاز مخابرات النظام البائد بقصد الاساءة الى ألأكثرية من ابناء العراق. وبكلمة أخرى ان المتتبع لبرامج هذه القناة سيكتشف وبسهولة أنها تحمل بين جنبيها نَفَس البعث الكريه ونفثات سيجار عدي صدام الذي كان يشعله له صاحب (الشرقية) وهوجالس الى جنبه.

ما دليلك على ما تدعي؟ سؤال قد يطرح.

الجواب ان الأدلة على ذلك أكثر من ان تعد او تحصى، وأكتفي هنا بإماطة اللثام عن السياسة الاعلامية لهذه القناة من خلال حادثتين تبنتهما وروجت لهما، وهما مثالان صارخان على الاجندة المشبوهة لهذه القناة. وعملا بمقولة (مثل واحد خير من الف نظرية) أبدأ بالحادثة الاولى وهي تمثيلية (صابرين الجنابي) من اعداد واخراج قسم الاخبار في (الشرقية) وبطولة كل من البرلماني الطائفي (فلان الفلاني) ذي الرأس الهزاز، والبرلماني البعثي (علان العلاني) القادم من مدينة البرتقال، والجنرال المتكرش( سلف الوطيان) فقد تم فبركة هذه التمثيلية وتسويقها مع بداية تطبيق خطة أمن بغداد وذلك للتشويش على مقاصد الخطة والاساءة اليها، ومن ثم أغتيالها وافشالها، ولعبت القناة المذكورة دورا كبيرا في التطبيل والتزمير لفرية اغتصاب المدعوة (صابرين ) والتي أتضح فيما بعد أنها من العناصر المشبوهة وذات الانتماء البعثي ، وكانت مهمة (الشرقية) هو فبركة هذه الحادثة مع اعضاء البرلمان المشار اليهم سلفا حيث نشأوا وترعرعوا في حواضن البعث القميئة.

اما الحادثة الثانية فهي ادعاء (تفجير الحضرة القادرية) على حد تعبير (الشرقية) والتي حدثت يوم الاثنيين المنصرم 28ايار2007 علما ان امثال هذا التفجير تتكرر كل يوم في مختلف مناطق بغداد مع العديد من المراقد والمساجد المقدسة ،وفي الوقت الذي ندين فيه هذا التفجير، نرى أنه ليس حدثاً أستثنائياً كما حاولت (الشرقية) ان تجعل منه، واظهاره بالامر الجلل، وذلك للتشويش على امر آخر الا وهو اللقاء الامريكي _الايراني الذي كان منعقدا لحظة وقوع الانفجار حيث المعلومات تؤكد ان السيارة المفخخة كانت في طريقها الى شارع (الكفاح) المزدحم لاستهداف تجمعات المواطنيين الابرياء هناك لكنها انفجرت قرب الحضرة الكَيلانية خلافا لما كان مخططا لها.

ففي الوقت الذي تصدر خبر اللقاء الايراني_الامريكي في بغداد وهو الاول من نوعه منذ الثورة الايرانية اهتمام وسائل الاعلام المحلية والعالمية حيث تعول جهات عديدة على هذا اللقاء للمساهمة في حلحلة الازمة العراقية، فأن (الشرقية) التي يصفها القائمون عليها بـ (تلفزيون الحقيقة) جعلت من حادث التفجير المذكور خبرها الاول وافتعلت أكذوبة مفادها ان التفجير كان يستهدف الحضرة الكَيلانية _كما افتعلت من قبل أكذوبة (صابرين)_ وذلك لتأجيج الفتنة الطائفية من خلال ادعائها ان (مليشيا مرتبطة بايران نفذته) وان (الحكومة العراقية طرف في التفجير لانها كانت على علم مسبق به) في محاولة مفضوحة لخلط الاوراق. علما ان قصف مرقد الامام الحسين ايام الانتفاضة الباسلة عام 1991 من قبل الطاغية صدام وصهره المجرم حسين كامل وصف بالعمل البطولي من قبل تلفزيون بغداد الذي كان يديره صاحب (الشرقية) آنذاك والذي كان أول من اطلق لقب (الغوغاء) على المنتفضين من ابناء الجنوب مثلما تصفهم (الشرقية) الان بـ(عملاء) ايران.


فأين هي الحقيقة في إدعاء (الشرقية) هذا؟ واين هي الحيادية والموضوعية لقناة تزعم انها (تلفزيون الحقيقة)؟ وكيف استطاعت هذه الفضائية تحديد الجهة المنفذة لهذا العمل الجبان ولما يمض عليه ساعات لاسيما وانها وسيلة اعلامية وليست جهاز استخبارات؟ واين الليبرالية التي تدعيها هذه القناة التي سمحت لنفسها ان تتحول الى ناطق باسم ايتام النظام البائد واجهزته المستمرة في اعمال القتل والتخريب وان تتحول الى (تكية) يمارس فيها البعثيون دروشتهم القذرة، وأداة لتنفيذ اجندة الاخرين الذين يرون في التقارب الامريكي الايراني خطرا على مصالحهم؟.وهل تلام الحكومة العراقية بعد ذلك لغلقها مكتب هذه القناة رغم اني ضد التضييق على وسائل الاعلام والاعلاميين؟ بل أكثر من ذلك سوف لن تلام الحكومة اذا ما لاحقت هذه القناة قضائيا لانها تعمل على نشر الهلع والفزع والخوف في نفوس المواطنيين من خلال عرضها بتشفي وبشكل مقزز لصور الضحايا الابرياء الذين يتساقطون يوميا في العراق وهو الامر الذي تتحاشاه كل الفضائيات الاخرى، واسلوب (الشرقية) هذا يذكرنا بحفلات الاعدام العلنية التي كان ينفذها البعثيون في الساحات العامة والاسواق لترهيب العراقيين وبث الرعب في قلوبهم. هذا ومن حقنا هنا ان نسئل (الشرقية) عن ارشيف التلفزيوني العراقي الذي تظهره على شكل مسلسلات وافلام وهو ملك العراق، فمَن خولها مصادرته من مقر تلفزيون بغداد ليكون ملكا صرفا لها ، اللهم الا اذا اعتبرت نفسها وريثة تلفزيون صدام وعلى ذلك يكون وصفها بـ (قناة البعثية) حقيقة وليست فِرية؟


اخيراً وليس آخِرا، ومن منطلق مهني لايسع المراقب للسياسة الاعلامية لهذه القناة الا ان يسجل عليها انها تعمل وفق اجندة مشبوهة تسعى جاهدة لعرقلة جهود المصالحة الوطنية من خلال زرع بذور الشك والريبة بين العراقيين وأفتعال الازمات والحيلولة دون توحدهم ودون نجاح عملية التحول الديمقراطي، وتسعى لاعادة تأهيل البعثيين، والتستر على جرائمهم من خلال القفز على ماضيهم المُعيب وحاضرهم المُريب، وهذا ما يفسر عدم وجود اي برنامج لهذه القناة يتحدث عن مأساة المقابر الجماعية التي تسبب بها البعثيون أوالتطرق الى جرائم النظام البائد التي أزكمت رائحتها الانوف، بالوقت الذي نراها تستغفل الناس ببرامج ذات طابع تجاري مقبوضة الثمن مسبقا مثل (اليد البيضاء) و(صاية وصرماية) و(ريُيوكًم علينا) على طريقة (مكرمة القائد الضرورة) المقبور ، فعلام يدل ذلك؟

كاتب عراقي
[email protected]