ذهبت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا إلي قمة الثمانية الكبار التي عقدت هذا الأسبوع في ألمانيا بمنتجع هيليجيندام (يقع علي بعد 25 كيلو متر من مدينة روستوك )، وهما في حالة بالغة من التوتر سببها إصرار واشنطن علي مد درعها الصاروخي إلى كل من بولندا وتشيكا ورفض موسكو للفكرة من أساسها باعتبار أن الخطوة في مجملها quot; خطر على الأمن القومي الروسي quot;على حد وصف الرئيس بوتين.. مما دفع بعض المحللين السياسيين في أوربا إلي تشبيه ما يجري بأنه عودة لأساليب quot; الحرب الباردة ولكن بشكل يناسب القرن الحادي والعشرينquot;..
تبادل قذائف هذه الحرب الثقيلة بدأت في منتصف الشهر الماضي عندما بدأت الجولة الأولي لمباحثات واشنطن السياسية والقانونية والأمنية في هذا الخصوص مع كل بولندا وتشيكا: الأولي لبناء قاعدة صاروخية إعتراضية تضم عشرة أنظمة، والثانية لبناء رادار يقوم بتوجيه صواريخ هذه القاعدة للدفاع عن وسط أوربا ضد اى هجوم بالصواريخ quot; يأتي من كوريا الشمالية أو من إيران quot; وفق تصريحات المسئولين الأمريكيين وعلى رأسهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس التي رفضت بإصرار إبان زيارة لها إلى موسكو (فى نفس التوقيت ) أن quot; يكون لروسيا حق الاعتراض، لأن أمريكا لها الحق في استخدام ارقي أنواع التكنولوجيا للدفاع عن مصالحها الأمنية quot;..
فور إعلان واشنطن عن فكرة بناء هذه القاعدة قبل نهاية العام الماضي، أبدت موسكو الكثير منة التحفظ عليها quot; لأن مد المظلة سيصل بمدى صواريخها إلى داخل أراضيها quot;، كما أعلنت بصراحة عن عدم اقتناعها بجدوى القول أنها ndash; أي الصواريخ - موجهه إلى كوريا وإيران وقالت ما معناه أنها إذا كانت قد قبلت علي مضض فكرة مد مظلة حلف شمال الأطلنطي لتشمل حدود بعض الدول القريبة منها، فإنها هذه المرة لن تسمح بتجاوز حقها في الاعتراض على كل ما من شأنه أن يقلل من كونها شريك له نفس حقوق أمريكا quot; التي تحاول فرض هيمنتها على العالم quot; عندما تتعامل مع القارة الأوربية قديمها وحديثها..
وقبل أن تبدأ واشنطن في استكمال مباحثاتها القانونية في منتصف شهر مايو الماضي للاتفاق مع كل من وارسوا وبراج حول الوضع القانوني لقاعدة الصواريخ ولموقع الرادار بالإضافة إلى الوضع القانوني لطواقم تشغيل كل منهما (الأمريكية ) وتحديد الجهة التي يحاكمون أمامها في حالة ارتكابهم لأفعال جزائية فوق أراضي الدولتين، وصف الرئيس الروسي سياسة الولايات المتحدة في أوربا بأنها تفتح الباب مرة ثانية لموجه جديدة من سباق التسلح..
ويبدو أن بوتين كان يتحدث ndash; في ذلك اليوم - وفي ذهنه تجربة إطلاق الصاروخ الاستراتيجي عابر القارات الجديد RS 24 التي انطلقت من احد القواعد بشمال روسيا يوم 29 الماضي، لأنه أضاف، وفق ما أوردته صحيفة الجارديان البريطانية، بعد إبلاغه بنجاح التجربة quot; يجب على واشنطن أن تعيد النظر في مستوى القبول والرفض اللذين يملكهما الشعب الروسي وقواته المسلحة التي سيلقي على عاتقها مسئولية تحديد الأهداف الجديدة للإستراتيجية الروسية إذا ما تنامت القدرات النووية للقارة الأوربية quot;..
خلال يومي اجتماع القمة تمسكت الدولتين بوجهتي نظرهما:
-رفضت واشنطن التراجع عن تنفيذ المشروع باعتباره quot; دفاعي بحت quot;، وأصرت موسكو علي مكمن الخطر يتمثل في إمكانية quot;توسيع أمريكا لقدراته بعد عام 2012quot;..
-كررت واشنطن أنها لم تعد تنظر إلى روسيا علي أنها دولة معادية، وأصرت موسكو علي حقها في إعادة النظر في موقفها من quot; معاهدة القوات التقليدية في أوربا quot; التي وقعت عليها عام 1990..
وبدلا من أن تقبل موسكو بفكرة التعاون مع النظام الدفاعي في شرق أوربا وان ترسل خبرائها وعلمائها للتعرف علي كيفية تشغيل نظام الدرع الصاروخي (كما جاءت علي لسان الرئيس الأمريكي )، اقترحت أن تتقاسم الدولتان quot;إقامة نظام للرادار في أذربيجان يكون مسئولا عن درع صاروخي يقوم على حماية القارة الأوربية بأكملهاquot; وبذلك لن تكون روسيا في حاجة إلى إعادة توجيه صواريخها في اتجاه أوربا كما قال بوتين..
قبل نهاية قمة الثمانية، قال المتحدث الرسمي باسم الوفد الأمريكي أن واشنطن تدرس بعناية الاقتراح الروسي.. فهل يعد هذا مؤشراً على عودة روسية مؤثرة وفعالة في الساحة الدولية؟؟.. وهل يعني أنها أصبحت اقتصادياً قادرة على القيام بهذا الدور؟؟.. وهل سيشهد العالم مرحلة جديدة من التفاهم بين موسكو وواشنطن حيال مشاكل السلام، أم سيشهد مرحلة تحالف تتمحور فقط حول رعاية مصالح الطرفين؟؟..
ومن ناحية ثانية: هل أدركت أمريكا حجم الأضرار التي ستلحق بإستراتيجيتها في أوربا فيما لو نفذ بوتين تهديداته بالانسحاب من اتفاقات ضبط قدرات التسلح التقليدي لقوات أوربا المسلحة؟؟..، هل اقتنعت بما يقال عن تنامي قدرات بلاده الاقتصادية بعد إحكام قبضتها على خطوط نقل الغاز إلى الأسواق الأوربية مما وفر لها امتلاك ورقة ضغط جديدة تملك صلاحيات استخدامها بالكيفية التي تناسب مطامعها المستقبلية المناوئة لما وصفه بوتين بـ quot;الهيمنة الأمريكية quot;؟
التحسن الاقتصادي التي نقلت روسيا خلال الخمس سنوات الأخيرة من وضعية الخاضع لشروط quot;واشنطن الشريرةquot; إلى خانة القادر مالياً على تمويل مشاريعه الخاصة بل وتقديم القروض لغيره، لم تدعم فقط القرار السياسي الروسي على مستوى أعضاء الأسرة الدولية التي يزداد التقارب بينها وبينه يوما بعد يوما.. بل قوى من قدرته على الاعتراض خصوصاً في كل ما يتعلق بالشأن الأوربي الذي يشاركه الحدود السياسية والأجواء الفضائية القتالية..
فهل ينعكس هذا التحسن على قدرات روسيا وحرية حركتها في الساحة الدولية، أم أن الأمر لا يخرج عن كونه دعاية انتخابية للرئيس الروسي تساهم فيها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش كنوع من الدعاية الانتخابية للحزب الجمهوري؟

استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]