14 يونيو 2007 يوم سيسجله التاريخ، كبصمة أخرى سوداء، من بصمات العرب على وجه الحضارة والإنسانية . . اقتتال دموي بين الفلسطينيين في غزة . . تبادل لنسف المساجد بين السنة والشيعة في العراق . . لبنان تشيع نائب برلماني وابنه وثمانية من رفاقهما، بعد اغتيالهم بذات الأيادي التي احترفت العبث بأمن لبنان وباستقرار الشرق كله . . يوم حافل من أيام العرب المجيدة باحتراف القتل وعشق سفك الدماء!!

يبدو أن قدر الشعب الفلسطيني أن يكون عبرة لباقي شعوب المنطقة، هذا إذا كانت هذه الشعوب لتعتبر، أو يمكن أن تتعلم درساً مما يحدث على أرض الواقع من حولها، والتخلي ولو لبعض الوقت، عن الاستنامة والخنوع لأصحاب الشعارات البراقة والمحشوة بالسم الزعاف، أو ما يعرف حالياً بأسلحة الدمار الشامل، لكنه ليس دماراً للأعداء المفترضين، وإنما للشعوب التي تبتلع الطعم، وتسلم رقابها لذئاب القتل والكراهية، الملتحفة بمسوح الدين وبيارقه.
إذا كان الحكم بأن غالبية الشعب الفلسطيني من البسطاء، وغير القادرين على التمييز بين الحملان والذئاب، هو حكم لا يفتقد القدر المقبول من الدقة والصحة، فإن هذا هو العامل المرجح لمنظمات القتل بدعوى الجهاد، وعلى رأسها حماس، لكن تلك البساطة لا تشفع لهذا الشعب عند قادة مجاهدي حماس، القابعين في دمشق أو أنفاق غزة، مادام quot;خيار المقاومةquot; هو الذي أوصلهم عبر انتخابات -يصفها البعض بالديموقراطية- إلى سدة الحكم، وكأن هذا تفويض لهم، لبدء حلقة جديدة في سلسلة النكبات المنهمرة على رأس ذلك الشعب، الذي يبدو وكأنه في رباط عهد أبدي مع الكوارث . . جاءت حماس على عهد مقاومة ما أسموه quot;العدو الصهيونيquot;، لكن ما حدث -ونعرفه جميعاً- أن ما نجحت فيه حماس هو إيقاع أفدح الأضرار بالشعب الذي حملها على أعناقه، فجلبت عليه مقاطعة العالم، قاطعة للشرايين التي تمده بكل مقومات الحياة، من ألفها إلى يائها.
الآن وبعد ما يزيد عن عام من تجويع وإذلال الشعب الفلسطيني، بفضل توجهات وسياسات منظمته الإرهابية، المرفوضة من كل العالم المتحضر، لم تكتف حماس ببركات جهادها، فبدأت فاصلاً من القتل والتقتيل في الشعب البسيط أو الساذج، ولزوم ما يلزم من رتوش تجميلية، أو بالأصح خداعية، وجب إطلاق بعض المواسير إعلامية التأثير على المستعمرات الإسرائيلية، لتجلب لشعبها المزيد من الدمار المستورد، ربما استكمالاً لما قصرت فيه مجهودات مجاهديها في التدمير والتقتيل الذاتي.
الآن حماس التي تتستر خلف مجيئها للسلطة بانتخابات ديموقراطية الشكل، تقوم عبر مجاهديها الملثمين باكتساح قطاع غزة، ودك معاقل قوى الأمن الفلسطيني الشرعية بمدافع الهاون، تلك المشتراة بأموال تبرعات الشعوب للشعب الفلسطيني المشرف على مجاعة، أو بالأموال المتدفقة من بؤر صناعة الإرهاب والفوضى بالمنطقة، والمعروفة تحديداً وحصراً . . تسعى حماس إذن لإحكام قبضتها أو أنيابها منفردة على عنق الشعب الفريسة، لكن هل سأل مجاهدوها أنفسهم: وماذا بعد؟ ماذا سيفعلون مع وبالشعب الذي يزيد عن مليون ونصف المليون في القطاع وحده، وكيف سيوفرون لهم مقومات حياتهم، في ظل مقاطعة عالمية، يتوقع لها أن تزيد إحكاماً بعد ما اقترفوه، أم ينتوون الاستمرار إلى مالا نهاية في تسلية وتخدير الجماهير بشعار quot;نجوع ولا نركعquot;؟!!
ماذا ستفعل قيادات حماس المباركة مع إسرائيل، التي حقق مجاهدو حماس لها ما تعجز عن تحقيقه بنفسها، ليقدموا لها ما يتمنى صقورها الرافضين للسلام ولعودة الأرض لأصحابها على طبق من ذهب كما يقولون، أم أن في الأمر اتفاق وتآمر كما يقول خبراء نظرية المؤامرة؟!!
بالطبع حماس لديها خطط واضحة عما ستفعل مع الصحف ودور السينما وما شابه، كما تعرف ما تنتوي إزاء تبرج النساء، وإزاء الرجال الذين لا يطلقون لحاهم ولا يحفون شواربهم، وهي بالقطع قضايا جهادية خطيرة وملحة، أما القضايا الثانوية والتافهة وفي مقدمتها إعاشة الشعب، فالأغلب لا إجابة لها، لأنها ليست ضمن أولويات أو اهتمامات حماس، الحريصة على تأمين كافة الشروط اللازمة لدخول مجاهديها الجنة، بالإضافة إلى قتل أكبر عدد ممكن من أعداء الله، سواء من الإسرائيليين أو الغربيين عموماً، أو من تشتبه في ولائه من الفلسطينيين، غير المنتمين إلى المنظمة المباركة.
حين يدور الحديث الآن عن قوات دولية للفصل بين المجاهدين والمناضلين الفلسطينيين الأشاوس، بما يعني استدعاء للاحتلال وإن بتسمية رشيقة، من قبل شعب من المفترض أن مشكلته هي الاحتلال، يكون هذا هو أول بركات وقوع الشعب الفلسطيني بين أنياب حماس المقدسة، بعد ميزة انفراد ذئاب حماس بالفريسة الفلسطينية، مقارنة بالوضع السابق، والذي كانت تتنازعها فيه ذئاب عديدة، بعضها ذات ذيول سوداء أو خضراء، وبعضها بذيول حمراء أو صفراء أو رمادية.
لكن من يهتم إذا نظر العالم إلى الشعب الفلسطيني كشعب من الإرهابيين الذين لا يستحقون الحياة؟!!
وإذا صاحب ما يحدث في القطاع اغتيالات جديدة قديمة في لبنان، وتفجيرات متبادلة للمساجد بين السنة والشيعة في العراق، من يهتم إذا نظر العالم إلى شعوبنا كقطعان من الرعاع، وكابتلاء ابتليت به البشرية؟!!
من داخل مصر المحروسة من يهتم لينظر حوله، ليرى نتائج التوجه العروبي الذي دفع عبد الناصر الشعب المصري إليه، وزينه لهم كأنه منتهى المراد لكافة العباد، وبأنه طريق العزة والكرامة والمجد؟!!
من داخل مصر من يمتلك ذرة من إخلاص لترابها ولشعبها، فيرفع صوته بصيحة وصيحات، بحجم كل الفضاء وكل البلاء والابتلاء: . . . . . إلى هنا وكفى . . كفانا عرب وعروبة . . كفانا فاشية وإرهاب وقتل . . كفانا توظيف للدين ومتاجرة به . . تعالوا نبحث عن أرضية جديدة نتعامل بها مع كل جيراننا . . أرضية إنسانية وحضارية . . أرضية للبناء، وليس للهدم وسفك الدماء . . تعالوا نحول مبنى الجامعة العربية بوسط القاهرة إلى ملجأ لضحايا وأيتام فاشية العروبة ونكباتها . . أو نجعل منه متحفاً لنازية النصف الثاني من القرن العشرين، يتصدره تماثيل لناصر وصدام والأسد . . . . . . !!
تساؤل أخير: هل ما حدث ويحدث كاف لأن تتخذ مصر شعباً وصفوة ونظاماً قرارات ومواقف حاسمة وحازمة، تقي مصر الطوفان الذي يدق أبوابها، وتسللت بواكيره إلى مخادعها، باستئصال ذئاب توظيف الدين والتلاعب به واستخدامه كأيديولوجية للكراهية والقتل، وبالطلاق البائن لأوهام فكر العروبة الذي لم يجلب لنا وللعرب سوى الويلات التي نعجز عن ملاحقتها، لنفتح أبوابنا وصدورنا وعقولنا لفجر الإنسانية، الذي أشرق على كل أركان كوكبنا، وعجز حتى الآن عن التسلل إلى كهوفنا المظلمة الغاصة بالديدان والعقارب؟!!
[email protected]