من مفكرة سفير عربي في اليابان
اعتمدت دول العالم بشكل كبير، خلال القرنين الماضيين، على النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري، لتوفير الطاقة الرخيصة لتكنولوجية الثورة الصناعية. وقد أدى تطور تكنولوجية الاتصالات والمواصلات، وتحول العالم لقرية تجارية صغيرة، لتحرك المنتجات الصناعية والزراعية والموارد الطبيعية بين مختلف دول العالم بكفاءة فائقة. فزادت المنافسة التجارية العالمية، وارتفعت نسب التصنيع في الدول النامية، لتوفيرها القوى العاملة الرخيصة، لتبدأ مرحلة جديدة من نموها الاقتصادي، ولتؤدي لزيادة حاجتها للطاقة. وسيستمر هذا النمو في الازدياد، ومن المتوقع أن تصبح ثلاثة من أربع أكبر اقتصاديات العالم دول أسيوية، وهي الصين والهند واليابان. وستحتاج هذه الدول الأسيوية، المكتظة بالسكان، لكميات هائلة من الطاقة، وسيترافق ذلك بزيادة نسب التلوث وتفاقم سوء التغيرات المناخية.
يقدر سكان الصين اليوم بحوالي المليار والثلث، بينما وصل عدد سكان الهند المليار. وقد تحولت الصين لمصنع أساسي لمنتجات العالم الرخيصة الثمن، بينما أصبحت الهند واحة السيلكون للتكنولوجيات المتطورة والخدمات الرخيصة. ويبدو بأن هذه الدول مستمرة في نموها لعقود طويلة قادمة. فمثلا سيصل التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين النصف تريليون دولار سنويا، وبتفوق صيني يزيد عن المائة مليار. ويعاني الاقتصاد الأمريكي من ديون تقارب العشرة تريليون دولار، بينما يتمتع الاقتصاد الصيني بمدخرات تصل إلى 1.7 تريليون دولار. وسيؤدي هذا النمو الاقتصادي لزيادة الحاجة للطاقة بشكل غير مسبوق في التاريخ البشري. فمثلا تستهلك الولايات المتحدة اليوم حوالي ربع الطاقة المنتجة عالميا، ويقدر استهلاك الفرد الأمريكي للطاقة بنسبة تزيد عن الأربعة والعشرين ضعفا لما يستهلكه المواطن الهندي، واثني عشر ضعفا عما يستهلكه المواطن الصيني. وسيترافق هذا النمو الأسيوي بارتفاع الاستهلاك العالمي للنفط من 87 مليون برميل لحوالي 240 مليون برميل يوميا، حينما يتساوى استهلاك المواطن الصيني والهندي للطاقة مع المواطن الأمريكي. وإذا صدقت هذه الإسقاطات الإحصائية، فلن يكفي نفط العالم لأكثر من خمسة عشر عاما. وقد سببت هذه التوقعات لقلق العالم من احتمال نقص مستقبلي شديد للطاقة، مما أدى لارتفاع حاد لأسعارها، وترافقت بزيادة أسعار النقل والمنتجات والغذاء، لتشجع العالم للنظر في إستراتيجية جديدة للطاقة.
وقد ارتفع عدد سكان العالم من العشرة ملايين في الألفية الثامنة قبل الميلاد، إلى خمسة مائة مليون في عام 1800 بعد الميلاد. وزادت النشاطات البشرية منذ القرن التاسع عشر بفضل اكتشاف الطاقة الحجرية، وترافق ذلك بتطورات اختراعات تكنولوجية كثيرة. واستمر ازدياد عدد سكان العالم ليصل اليوم لحوالي 6.7 مليار، ومن المتوقع أن يرتفع لاثني عشر مليارا مع نهاية هذا القرن. وبينما لا يزيد عدد سكان الدول المتطورة عن المليار، يصل عدد سكان الدول النامية لحوالي 5.7 مليار، وستعاني هذه الدول النامية من التزايد المستمر لنموها السكاني، بينما سينخفض هذا النمو بشكل خطير في الدول المتطورة. فمثلا من المتوقع أن ينخفض عدد سكان اليابان الذي يقدر اليوم بالمائة والثمانية والعشرين مليونا إلى التسعين مليونا مع منتصف القرن الواحد والعشرين. وبينما لن يزيد سكان الدول المتطورة للمليار مع نهاية هذا القرن، سيرتفع عدد سكان الدول النامية لحوالي الأحد عشر مليارا، وسيترافق ذلك بزيادة الحاجة للغذاء والطاقة وبارتفاع نسب التلوث وتفاقم سوء التغيرات المناخية. وسيؤدي زيادة حرق الطاقة الحجرية لإنتاج كميات كبيرة من الغازات الملوثة والتي من أهمها غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد اعتمدت البشرية بشكل أساسي قبل القرن التاسع عشر على توليد الطاقة من حرق الأخشاب الزراعية وعلى طاقة المياه والرياح. ويؤدي توليد الطاقة من حرق الموارد الزراعية لحلقة توازن طبيعي في كمية غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، حيث تستهلك الأشجار ثاني أكسيد الكربون وتنتج الأكسيجين، ويؤدي حرق أخشاب الموارد الزراعية لإنتاج ثاني أكسيد الكربون واستهلاك الأكسيجين من جديد. بينما اعتمد الإنسان، منذ بداية القرن التاسع عشر، على الطاقة الحجرية مما أدى للتزايد المستمر لنسب غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء.
يتكون الكون من مجرات سماوية متعددة، وتقع الأرض ضمن كواكب المجموعة الشمسية. وتعتبر الشمس النجم المسئول عن المحافظة على الحياة بالكرة الأرضية، وذلك بتوفيرها للضوء والحرارة. وتبعد الشمس عن الكرة الأرضية بحوالي 150 مليون كيلومتر، ويزيد حجمها عن حجم الأرض بحوالي 330 ألف ضعف. وتقدر درجة حرارة الشمس بستة آلاف درجة مئوية، وتتكون من كتلة غازية ملتهبة، وتنتج الطاقة الشمسية من تحول غاز الهيدروجين إلى غاز الهليوم. وتحيط بالأرض طبقة هوائية مكونة من النيتروجين (78%) والأكسيجين (21%)، وقليل من ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والغازات الأخرى. وتقدر سمك طبقة الهواء حول الكرة الأرضية بحوالي 20 كيلومتر، يغطيها جدار من غاز الأوزون الناتج من تفاعل الأكسيجين مع أشعة الشمس. وتحمي طبقة الأوزون الكائنات الحية من أشعة الشمس الفوق البنفسجية، وذلك بأن تعكس هذه الأشعة الشمسية قبل وصولها للأرض، ولتمنع الاحتباس الحراري. وتودي عملية التلوث البيئي لارتفاع نسب ثاني أكسيد الكربون في الهواء، وتآكل طبقة الأوزون. ويؤدي تآكل طبقة الأوزون لاختراق الأشعة الفوق البنفسجية للطبقة الهوائية، لتسبب احتباس الأشعة الشمسية وارتفاع حرارة سطح الأرض. وقد قدرت كمية الكربون في الهواء في القرن التاسع عشر بحوالي 280 جزيئة في المليون، وارتفعت هذه النسبة اليوم إلى 380، وحينما ترتفع إلى 560، يتوقع العلماء بأن ترتفع حرارة الأرض بمعدل درجتين مئويتين، لتؤدي لتغيرات مناخية خطيرة، حيث ستذوب الجبال الجليدية القطبية وسيرتفع سطح البحار وستغرق بعض الجزر والشواطئ، وستقل نسب المياه العذبة.
ومن المتوقع أن يترافق زيادة الاستهلاك العالمي للطاقة الحجرية في العقود القادمة لنقص الاحتياطي النفطي، مما سيؤدي لاستمرار ارتفاع الأسعار. وتعتمد اليابان على توفير حاجتها من الطاقة بشكل رئيسي على منطقة الشرق الأوسط، لذلك هناك حاجة لشراكة يابانية عربية تضمن الطاقة المستقبلية لليابان وتحسن تكنولوجية الطاقة الخامسة والطاقة النظيفة في دول الشرق الأوسط. ولن يكفي الاعتماد على الطاقة النووية، بسبب التكلفة الهائلة لمحطاتها، وحاجتها لصيانة تكنولوجية متطورة ومكلفة جدا، وبتعرضها المتكرر للتسرب الإشعاعي وللعطل، بالإضافة لاحتمال نفاذ اليورانيوم مع الوقت. وتعتمد فلسفة الطاقة الخامسة على الكفاءة المجتمعية في استهلاك الطاقة، وذلك بنشر ثقافة المحافظة على البيئة وترشيد استهلاك مواردها، وبتصميم مجمعات تضم المنازل والمدارس والمراكز الصحية ومواقع العمل بجنب بعضها البعض، وباختيار تصميمات هندسية ومواد عازلة تقلل الحاجة للتكيف والتدفئة، بالإضافة لتطوير التكنولوجية التي تستهلك القليل من الطاقة.
وستحتاج هذه الشراكة اليابانية العربية لتطوير تكنولوجية رخيصة للاستفادة من أشعة الشمسية والرياح والأمواج وغاز الهيدروجين والمغنيسيوم لإنتاج الطاقة النظيفة. فهناك كميات هائلة من الطاقة الشمسية يمكن الاستفادة منها، وقد استطاعت مراكز الأبحاث اليابانية بتطوير تكنولوجية رخيصة، لجمع أشعة الشمس، وتحويلها من خلال قضيب فلزي لأشعة ليزر، التي يمكن الاستفادة منها في إنتاج الطاقة النظيفة والرخيصة. كما يمكن الاستفادة من مادة المغنسيوم المتوفرة في أملاح البحر كمصدر هام للطاقة النظيفة. وبتطوير تكنولوجية رخيصة لفصل ماء البحر عن أملاحه، يمكن إيجاد حل لقلة المياه ونقص الطاقة. وقد نجح مركز طوكيو للتكنولوجيا للاستفادة من أشعة الليزر المستخلصة من أشعة الشمس في فصل مادة المغنسيوم من أملاح البحر. كما اخترع مهندسي اليابان محركات تشغيل تستخدم مادة المغنسيوم لإنتاج الطاقة. ويعتبر المغنسيوم نوع من الطاقة المتجددة، حيث يتحول بعد احتراقه، وإنتاجه للطاقة، لمادة أكسيد المغنسيوم، والتي يمكن تحويلها من جديد لمادة المغنسيوم، للاستفادة منها كمصدر متجدد للطاقة النظيفة. كما يحاول علماء اليابان اكتشاف شفرة مورثية من الجينات يمكن حقنها في جرثومة، لتنتج إنزيما، يستطيع فصل غاز هيدروجين الماء عن أوكسيجينه، وذلك لإنتاج كميات كبيرة من غاز الهيدروجين، المصدر الهام للطاقة النظيفة. وقد طورت الشركات اليابانية محركات متطورة تستخدم غاز الهيدروجين كمصدر للطاقة. ويدرس الباحثون اليابانيون تكنولوجية صبغة جديدة طورتها شركة كوفيلانت مع فريق من جامعة أم أي تي الأميركية تمتص أشعة الشمس وتنقله من السطوح الزجاجية لحوافها، لتحوله من خلال محولات صغيرة لطاقة كهربائية.
فتلاحظ عزيزي هناك إبداعات تكنولوجية كثيرة للتخلص من التلوث وتوفير موارد للطاقة النظيفة. وقد استثمرت شركات النفط العالمية اموال كثيرة في تطوير الطاقة البديلة. وقد يحتاج العرب لإستراتيجية طاقة مشتركة مع اليابان للاستفادة من الطاقة البترولية بكفاءة قبل نفاذها، وتطوير تكنولوجية للطاقة النظيفة. والسؤال لعزيزي القارئ: هل ستبدأ مؤسسات النفط في دولنا العربية لوضع خطط لتطوير تكنولوجية الطاقة النظيفة لتكون مستعدة للمنافسة في إنتاج الطاقة البديلة حينما ينضب النفط والغاز الطبيعي؟

سفير مملكة البحرين في اليابان