في سبتمبر وقع تحت يدي بحث مذهل عن محاولة وكالة سيرن للفيزياء النووية في جبال اليورا بين فرنسا وسويسرا في محاولة تقليد الانفجار العظيم على وجه الأرض! إلى درجة أن من حولي حين شرحت له أبعاد التجربة، ومنها احتمال ولادة ثقب أسود قد يبتلع الكرة الأرضية؟ قال إن هؤلاء العلماء مجانين وخطرين!!
وما هم بمجانين بل ونافعين؛ فحواف العلم أوقيانوسات لا شواطيء لها..
وهكذا فبعيدا عن المجانين الفعليين في جدار ستريت الذي بناها الهولنديون قبل أربع قرون، فهو يترنح اليوم جشعا وطمعا وفسادا ولصوصية بلغت أن راتب (أنجيلو موزيلو) مدير بنك (كاونتريو أيد فايننشال) وصل إلى 102.86 مليون دولار سنويا، ما يعادل ميزانية دولة أفريقية؟ فإن العلماء يسلكون غير سبيل اللصوص و(القجقية) فهم يعملون عملا دون ذلك وهم له شاهدون..
أن ترفع الحرارة إلى 2 بليون درجة، في نفق تحت الأرض، باستحضار جهنم فعلية، في شعاع بروتوني، يمر في أنبوب من البريليوم، مطوق بمكثفات من هواء سائل، بدرجة حرارة 271 تحت الصفر، في أعظم ثلاجة كونية، تطوق أعظم حرارة كونية، ليصدم شعاعا مضادا من البروتونات، في أحشاء جهاز مثل هيكل الكولوس، أعطوه اسم (أليس ALICE) وزنه عشرة آلاف طن، هو أعجب من أليس في بلاد العجائب، وفي سرعة قريبة من سرعة الضوء، في زمن كأنه شهاب ثاقب، كلمح البصر أو هو أقرب؟ في زمن ما يحتاجه الضوء لعبور قطر ذرة؟
وللإمساك بهذه اللحظة التاريخية، فقد وضعوا أكثر من 18 ألف جهاز كاشف، لضبط هذا الانفجار وقياسه؟
كل هذا حدث في أوجست من عام 2008م في منطقة جبال (اليورا Jura)، في معهد (سيرن CERN) للفيزياء النووية، في عمق خمسين إلى 160 مترا في الصخر الصلد، بكلفة 3 مليار يورو، في نفق طوله 27 كم، يعبر الأرض الواقعة بين سويسرا وفرنسا، في دورات متعاقبة 11200 مرة في الثانية، من أجل إجراء تجربة، في جهاز يعتبر الأعقد والأعتى مما اخترعه الإنسان حتى اليوم، في أعظم حرارة جهنمية تطوقها أعظم برودة كونية، تقترب من الصفر المطلق لكالفن...
مقلدين بذلك الانفجار العظيم في أعظم تجربة عرفتها الإنسانية حتى اليوم..
كل هذا الجهد والعبقرية لاكتشاف أسرار المادة تحدث، في الوقت الذي يقاتل أبطال الجنجويد خصومهم في دارفور، ويلجأ عناصر من فتح فارين من حبسهم الذي وضعهم فيه أخوانهم من حماس، مستلقين في حضن اليهود بكل حماس، ويعتنق ابن شخصية قيادية من حماس النصرانية ويبشر بها بعد أن رأى فساد القيادات، ويقول أن انتهاء الإسلام من وجه الأرض مسألة ربع قرن؟؟
وخرافات الناس كثيرة، والمسيري رحمه الله أيضا قال إن مقاتل إسرائيل عشرة ونهايتها قاب قوسين أو أدنى وهي تعلو علوا كبيرا؟؟
وفي سجن عربي وطأت أقدام عسكر الجندرما المصاحف بالأبواط؛ فثار المعتقلون؛ فضربوا بالرصاص فقتل العشرات وهووا إلى الأرض مثل ذباب رش بالددت!!..
ويخرج عارف دليلة من سجنه شبحا حطاما بعفو من دون عفو، بعد سجن سبع سنين لسبع كلمات تفوهها؟؟
ولكن لنعود إلى العصر، ونترك عصر المماليك البرجية خلف ظهورنا، أيام سعيد جقمق، ونتساءل كيف يمكن لهم أن يصلوا إلى هذه الحرارة الكونية المهولة؟
ثم ما الذي يدفعهم لإجراء مثل هذه التجربة؟؟
وما هي النتائج التي سوف يحصدونها؟ وأي فائدة يجنونها؟
ثم ما هي مخاطر تجارب مثل هذا النوع، تقفز فيه الحرارة إلى رقم لم يخطر في بال جن نبي سليمان وزعيمهم آصف بن برخيا؟
إن تصورنا للحرارة تافه، فدرجة حرارة ذوبان الحديد هي في حدود 800 درجة، ولكن سطح الشمس يصل إلى 6000 درجة، أم باطنها فيقفز إلى مليون، ولكن هذا بارد جدا مقارنة بحرارة انفجار السوبرنوفا الذي يصل إلى 200 مليار درجة. أما الحرارة التي يطمح العلماء في توليدها فهي عدة بلايين (آلاف المليارات؟!)
إن ثلاث أفكار جديرة بالبحث هنا؟
1 ـ أولا: ما هو الانفجار العظيم الذي يريد استحداثه على وجه الأرض فريق من 2700 عالما، من 26 دولة على مدار قطر الكرة الأرضية؟ فيجتمع الجيورجي مع الروسي، والتايواني مع الصيني، والأرمني مع التركي، واليوناني مع المقدوني، والألماني مع البولوني والفرنسي، فلا يحتربون، بل يتبادلون الخبرات والأفكار، ويتمم عمل كل واحد الآخر، في جو جدا إنساني، بدون هيراركي (تراتبية؟) مبشرين بولادة الإنسان الجديد!
2 ـ ثانيا: كيف يمكن لهم استحداث مثل هذه الحرارة الجهنمية؟ وأي أنبوب وصخر سيتحمل مثل هذه الحرارة فلا يذوب فيكون كالمهل وتنشق الأرض فتكون وردة كالدهان؟
3 ـ ثالثا: ولماذا كل هذا العناء وهذا الجهد، خلال سنوات لتركيب مسرعات من نوع أطلس(ATLAS) بكلفة 330 مليون يورو، وإليس (ALICE) بكلفة 37 مليون يورو لضرب حزم البروتون ببعضها البعض (مثل عملية تكسير الجوز) وهذا سيقودنا لبحث ما هي المادة؟ وما هو بناء الذرة؟ وما هي نتائج تكسير الذرة؟؟
وللإجابة على الأسئلة الثلاث، يتم الاستعداد في جو محموم، في مكان يقع قريبا من مطار جنيف بسبع كيلومترات، في نفق غريب، حيث الكل يقفز قفزا، ويراقب شاشات التخيل عن عمليات الصدم، أما حزم البروتونات فقد حبست بجدار كثيف من الجرافيت، وهي مثل خيل السباق تنتظر الانطلاق.
والمعلومات التي تأكدت عن الانفجار العظيم حتى اليوم؛ فككت أعظم لغز واجه عقل الإنسان، منذ أن نبت التفكير في رأسه، فكان آدم الذي علمه ربه كلمات، ثم قال للملائكة أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين؟
وآدم اليوم يقول: أن الذرة التي نعرفها اليوم لها لحظة ولادة جنينية كما تتشكل كل الخلائق.
ومن مشى في الأرض وسار ونظر كيف بدأ الرحمن الخلق، يعرف أن الكون خلق ولم يكن، فقال له الرب كن فكان، وكان ذلك قبل 13,7 مليار سنة، وكانت الأرقام مضطربة بين 12 و20 مليار سنة، ولكنها تحددت في آخر الأبحاث عند هذا الرقم، فكان الكون وولد، بعد أن يكن موجودا.
وهل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا. فكان النقطة الأخيرة من السطر الأخير من الصفحة الأخيرة من سفر الخليقة؟
وكذلك الكون مر في مراحل ولم يكن شيئا مذكورا.
كان الكون كله مضغوطاً، في حيز أقل من بروتون واحد، وبحرارة لا يقترب منها تصور، ثم انفجر وولد، وتحررت خمس حقائق من: الزمان والمكان والطاقة والمادة والقوانين، والقوى بدورها كانت خمسا من الجاذبية والمغناطيس والكهرباء وقوى النواة الضعيفة والقوية.
كان ذلك الانفجار في أقل من سكستليون من الثانية (جزء من عشرة مضروبة في ست وثلاثين مرة).
وبعد أقل من لمح البصر، كان الكون يسبح في حساء كوني رهيب الحرارة (مرقة كونية) مكون من الكواركز والجلونات. ولم يكن للذرة وجود بعد.
ثم برد الكون إلى 2 بليون درجة بعد 3 دقائق، مما سمح بتشكل مكونات الذرة الأولى من البروتونان والنترونات.
وحين برد الكون إلى مليار درجة، بعد 380 ألف سنة، ولدت الذرة الأولى البدائية من ذرة الهيدروجين والهليوم، وكانت بداية سباحة غمامة الإلكترون حول البروتون.
وبعد 200 مليون سنة كانت حرارة الكون 2700 درجة، وبدأت الذرات الأولى المعتدلة للعناصر بالتشكل فولدت المجرات. وأصبح الكون مرئيا شفافا.
وبعدها بدأت السحب الغازية في التشكل، التي انضغطت إلى نجوم عملاقة انتهت بتشكل ثقوب سوداء. ويفترض الكوسمولوجيون أن المجرات نشِأت على حواف هذه الثقوب السوداء..
كانت ولادة الكون عسيرة وطويلة ولكنها تكللت في النهاية بالحياة والإنسان والدماغ..
وبعد عشرة أيام من انطلاق التجربة الأعظم في تاريخ الجنس البشري أعلنت وكالة سيرن للأبحاث الفيزيائية عن توقف التجربة بسبب تسرب غاز الهليوم، على أن تعاد في ربيع عام 2009م.
ولأن التجربة كانت من الهول بمقدار تصور الانفجار العظيم، أي إيقاد شعلة من النار، تصل إلى حواف من الحرارة، يصاب منها الإنسان بالدوار، فهي ليست مثل سطح الشمس بمقدار ستة آلاف درجة، ولا باطنها بمقدار عشرة ملايين درجة، ولا بمقدار حرارة السوبرنوفا مع الانفجار بمقدار مائتي مليار درجة، كما ذكرنا، بل بمقدار أكثر من 2 بليون درجة؟؟
وهو رقم لا نعرفه، ولم نعهده، ولم نجربه، ولم يحصل على وجه الأرض، بل هو لون من التصور..
ولولا قدرة الأجهزة التي التقطت درجة حرارة انفجار القنبلة الهيدروجينية على وجه الأرض، بمقدار مليون درجة، لما أمكن لنا أن نتصور أن الحرارة يمكن أن تقفز إلى هذه العتبة الجهنمية، مما يقرب إلينا تصور جهنم، حين وصفها القرآن بأنها ترمي بشرر كالقصور، كأنها أشكال سريالية من جمال صفراء طائرة في الجو (ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر؟).
بماذا يشتغلون وأين ينفقون أموالهم؟ ونحن الذين ننفق أموالنا لتجنيد جيوش المخابرات والمخبرين السريين؟
كان 2700 عالم من 26 دولة يشاركون في هذه التجربة، وفي مكانين على وجه الدقة أعطيت أسماء أليس وأتلاس، وكانوا من الحذر والدقة والحساب والمراجعة، أن وضعوا 150000 جهاز لقياس السرعة و 18000 جهاز لقياس الحرارة، واستمروا على الفحص والمراقبة عدة سنوات، وكان كل خوفهم من تسرب الغاز من عشرة أذرع من جهاز أليس وهو ما حصل..
وهذا الفشل في التجربة رويته لمن حولي فقالوا حسنا أن حصل؟!! فهؤلاء يلعبون في الطبيعة وقد يفجرون الأرض، وهو يذكرني بفشل (شالنجر) وموت سبعة من رواد الفضاء، أو تلك التي وقعت في أرض فلسطين في أمريكا؛ فهلل الانتحاريون أن الله قد فتك بهم..
وهي أوهام وتصورات لا علاقة لها بالعلم..
ذلك أن (شوكرافت) من مجموعة العاملين في جهاز أليس قالوا: إن سرعة حدوث هذه الحرارة، لن تزيد عن الزمن الذي يسلكه الضوء حين يعبر قطر ذرة؟ وهو زمن قياسي متناهي في الضآلة؟ ويحتاج من الأجهزة الهائلة ما يمكن بها تصيد الحرارة، التي سوف تحدث وتمر وتنتهي ولم يشعر أحد بها؟؟
إن العلم ينمو بالحذف والإضافة، والعرج والاستقامة، والكبو والقيام، والخطأ والتصحيح.
فينمو بشكل تراكمي، ثم يقفز على شكل طفرات عند حواف التراكم الكمي الحرج، مؤديا إلى الانقلاب النوعي..
ففي علم الكيمياء بقي عالم نمساوي يشتغل على الأصبغة من أجل الوصول إلى دواء لمحاربة السيفليس (الزهري مرض الزنا)، وقال لابد من وجوده، حتى وصل إليه بعد التجربة 601 فأخذ الدواء اسم سالفارسان أو الرقم 601.
وحين أصيب بالعمى برايل من ثقب عينيه بمسلة الخيل، قال لابد أن يأتي النور منها، حتى وصل إلى نقش الخط بنفس المسلة على الخشب فاخترع كتابة العميان؟
وأديسون حين كان يسأل عن 5000 تجربة فاشلة قبل الوصول إلى المصباح الكهربي قال: لم تكن تجارب فاشلة بل طرقا جديدة لم تصل إلى هدفها.. وقد تخدم في أهداف أخرى..
وهكذا فالناجح هو الذي يرى في الفشل طريقا جديدة قد تنفع في أمور أخرى، وهي مؤكدة دوما فلا يحزن أحد لفشل؟ والفاشل هو الذي يرى الأبواب مسدودة في كل باب..
وبالمناسبة فإن الكثير من العقاقير والأدوات تم الوصول إليها كأمر جانبي غير محسوب لتجربة محسوبة، مثل حبوب الفياجرا وصحون التيفال ...
فالأولى كانت لمرضى القلب فقتلتهم، وظهر أنها تنفع في أمر فشل فيه الطب منذ أيام حمورابي؟
والثاني كانت خلطة غير موفقة في المعادن، والآن لا يخلو مطبخ سيدة من هذه الصحون..
إذن فشل التجارب العلمية ليس فشلا بل دعوة لاستكمال الكمال، وعلينا ترقب تجربة سيرن في الربيع المقبل؛ فنرى ثقوبا سوداء صغيرة صناعية، وتركيب الحساء الكوني من البروتونات والجلون، وفهم المادة المعتمة، التي تمسك السموات والأرض أن تزولا، فلا يتفلت الكون؛ فهي أقوى من الجاذبية خمس مرات، كما سنعرف المزيد عن جزيء هيجز العجيب ومضاد المادة..