تاريخ الأرثوذكس مرتبط بلبنان السيد العربي الحر المستقل وليس بالقشور، قشور الصلاحيات. من شارل دبّاس، اول رئيس للجمهورية في لبنان في مرحلة ماقبل الأستقلال، ألى فؤاد بطرس رجل الدولة، أطال الله بعمره، رمز السيادة والأستقلال وفكرة المؤسسات التي بناها فؤاد شهاب... الى سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني، شهداء معركة الأستقلال الثاني، هناك قاسم مشترك أسمه لبنان. هناك دفاع عن لبنان وبيروت وليس عن صلاحيات. هناك دفاع عن أستقلال لبنان وسيادته وحريته والعيش المشترك. هناك دفاع بالروح والدم عن فكرة لبنان العربي المستقل والحضاري المنفتح على محيطه والعالم من دون عقد. ما نفع الصلاحيات التي يبحث عنها أحدهم في موقع نائب رئيس الوزراء أذا لم يعد هناك لبنان؟
من طرائف ميشال عون، بدؤه المتاجرة بالارثوذكس بعد أفلاسه مارونيا. الأكيد أن اللواء عصام أبو جمرا، نائب رئيس مجلس الوزراء، ليس الشخص المناسب لخوض المعركة الجديدة الخاسرة سلفا التي يرفضها الأرثوذكسي اللبناني العربي جملة وتفصيلا. بالكاد يستطيع الأستاذ أبو جمرا، الذي صبغ شعره ونسي أن يصبغ شاربيه، تركيب جملة مفيدة، هو الذي يعرف في قرارة نفسه من هو ميشال عون وماذا يفعل ميشال عون لكنه لا يتجرّأ على قول الحقيقة. يحتاج قول الحقيقة ألى رجال وليس ألى أشباه رجال، حتى لا نقول شيئا آخر. يحتاج ألى من يقول بالفم الملآن أن ميشال عون لم يربح معركة واحدة في حياته بأستثناء معركة وحيدة لعب فيها الدور المطلوب أن يلعبه. أنه الدور الذي لا يتقن غيره وهو دور الأداة. ربح عون عندما لعب دور الأداة السورية بين العامين 1988 و1990 من القرن الماضي. كانت النتيجة دخول السوريين ألى بعبدا وألى مقر وزارة الدفاع اللبنانية للمرة الأولى منذ الأستقلال. سلّم ميشال عون قصر الرئاسة ووزارة الدفاع ألى السوريين. ضحّى بالضباط والجنود الذين كانوا يدافعون عن قصر الرئاسة ووزارة الدفاع والمنطقة المحيطة بهما. فرّ ألى منزل السفير الفرنسي تاركا زوجته وأطفاله في قصر بعبدا وهو على علم تام أنه لن يصيبهم أذى ما داموا في عهدة عملاء سوريا وضابط سوري شهم دخل على رأس قواته ألى قصر بعبدا ورفض المس بأمرأة وبناتها. لا يمكن ألا الأشادة بالضابط السوري والعملاء اللبنانيين للنظام السوري الذين دخلوا قصر الرئاسة بعد فرار عون وحافظوا على الناس الذين كانوا فيه!
لا يحتاج الأرثوذكسي اللبناني ألى صلاحيات لنائب رئيس مجلس الوزراء. وهو منصب فخري أوّلا وأخيرا. منصب من هذا النوع يمكن ملؤه بواسطة رجل، شرط أن يمتلك حدا أدنى من الحيثية السياسية وليس عن طريق أحد أزلام ميشال عون. كيف يمكن لشخص لديه حد أدنى من الوعي السياسي والضمير أن يكون مناصرا لميشال عون أو من وزرائه أو نوابه. أليس في ذلك تتفيها للتفاهة ليس ألاّ؟
صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء تحتاج ألى رجال وليس ألى نصوص. ألى رجال يشاركون في صنع القرار بصلاحيات أو من دون صلاحيات. أنها صلاحيات لا تقدم ولا تؤخر في هذه الأيام المصيرية التي يمر فيها لبنان. يحتاج الأرثوذكسي اللبناني ألى لبنان أولا وليس ألى من يلهث خلف صلاحيات. ما معنى الصلاحيات في غياب لبنان. في غياب بلد أسمه لبنان. في غياب كيان أسمه لبنان. في غياب حضارة أسمها لبنان. في غياب رسالة أسمها لبنان. في كل وقت من الأوقات وفي كل يوم من تاريخ لبنان كان الأرثوذكس حاضرين. لم يطالبوا يوما بحقوق وصلاحيات. أنهم جزء لا يتجزأ من لبنان أنهم في قلب لبنان والمعادلة اللبنانية. المهم أن يكون هناك لبنان. لبنان الحضاري. لبنان الديموقراطي حيث لا سلاح غير سلاح الشرعية. لبنان الذي يعيش فيه اللبنانيون جنبا ألى جنب بعيدا عن أي نوع من السلاح وبعيدا عن ميليشيا مذهبية تحتل بيروت لمصلحة أيران، وتقيم مربعات أمنية هنا وهناك وهنالك، وتعمل من أجل القضاء على لبنان.
مرة أخرى، يُستخدم ميشال عون بصفة كونه أداة. هذه المرة، يُستخدم بصفة كونه أمتدادا للمحور الأيراني- السوري... ولذلك، يعمل ميشال عون، عن طريق أثارة موضوع صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء، على التعمية عما هو أخطر من ذلك بكثير. الأخطر من ذلك هو سلاح quot;حزب اللهquot; وأحتلال الحزب، الذي ليس سوى لواء في quot;الحرس الثوري الأيرانيquot; لبيروت. تلك هي مهمة ميشال عون في هذه المرحلة. عصام أبو جمرا ليس سوى ضحية من ضحايا الجنرال. أنه أداة عند أدوات لدى الأدوات. بكلام أوضح، يلعب أبو جمرا، من حيث لا يدري، دور الأداة عند أداة أسمها ميشال عون في وقت عليه أن يعلن بكل بساطة وصراحة أن الموضوع المطروح أمام مجلس الوزراء في بداية عهد الرئيس ميشال سليمان، ليس موضوع صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء. الموضوع المطروح، ما العمل بدولة داخل الدولة. بدولة quot;حزب اللهquot; التي تهدد الدولة اللبنانية.
لا يختلف أثنان على أن هناك دهاء أيرانيا. أقنع الأيرانيون ميشال عون بأن quot;طهران quot;نظيفةquot;، على حدّ تعبيره، ولا تحتاج ألى عمال نظافة، أي أنها ليست كبعض المناطق اللبنانية. أقنعوه أيضا بأن أيران بلد التسامح، خصوصا تجاه المسيحيين، الذين لديهم مكتب خاص يهتم بشؤونهم كأهل ذمة طبعا، وأن مثل هذا المكتب يجب أن يكون مثاله الأعلى. ما هذا المثال الأعلى حيث دستور quot;الجمهورية الأسلامية في أيرانquot; ينص على مذهب الدولة وليس حتى على دينها، كما ينص على أعتماد quot;ولاية الفقيهquot; الذي لا يخطئ ولا يمكن أن يخطئ بصفة كونه ظل الخالق على الأرض.
يريد أرثوذكس لبنان بلدا أسمه لبنان. لم يحتاجوا يوما ألى صلاحيات. لم يلهثوا خلف صلاحيات. أنهم يرفضون من يريد المتاجرة بهم. أملهم كبير بأن عصام أبو جمرا ليس تافها ألى الحد الذي يتصورونه، بل هو رجل بكل معنى الكلمة، وانه سيعود ألى أرثوذكسيته وأصالته وضميره وعروبته ويتذكر أن لبنان هو الملاذ الأخير لكل اللبنانيين. أكثر من ذلك، سيتذكّر أن لا وجود لأكثرية في لبنان. الكلّ أقليات. من أكبر طائفة ألى أصغر طائفة. المهم أن يبقى لبنان بمسيحييه ومسلميه وكل ما هناك من شيع ومذاهب. أنه الضمانة الوحيدة لجميع اللبنانيين. ما تبقى تجارة وصغائر لا يتقنها سوى من هم من في مستوى ميشال عون. هؤلاء لا يتجرّأون على أن يطرحوا على أنفسهم سؤالا في غاية البساطة: ماذا ينفع الأرثوذكسي أذا حصل على صلاحيات وسقط لبنان في حضن المحور الأيراني- السوري؟ هل سيكون المسيحي عندئذ في وضع أفضل من مسيحي في أيران حيث مكتب خاص يهتم بشؤونه بصفة كونه من أهل الذمة؟ هل هذا المثال الأعلى الذي يريد ميشال عون أن يأخذ المسيحيين أليه؟ هل هذا مستقبل مسيحيي لبنان؟